خبر البيت الأبيض والبيت الأهم .. كتب نبيل عمرو

خبر البيت الأبيض والبيت الأهم .. كتب نبيل عمرو
خبر البيت الأبيض والبيت الأهم .. كتب نبيل عمرو

أي زعيم وخصوصا من زعماء العالم الثالث، أقصى المراد عنده أن يدخل البيت الأبيض، وأن يلتقي بساكنه في المكتب البيضاوي، ويكون محظوظا اكثر اذا حصل على مأدبة غداء او عشاء، ذلك أن الصورة وحدها تكفي وتزيد في مجال الاهتمام السياسي والإعلامي.

 

وحفاوة ترمب الذي استنكف عن مصافحة سيدة الاقتصاد الأوروبي ميركل، تعتبر حدثا استثنائيا يحق لمن يحصل عليه ان يتباهى به، لهذا وقع استقبال عباس في البيت الأبيض وقعاً ثقيلاً على نفوس كارهيه، وجميلا محببا على نفوس مؤيديه وداعميه.

 

الى هنا والامر لا غبار عليه، فالحفاوة والموائد والاعلام، تكون ذات دلالة قوية لو تبعها مبادرات سياسية جديدة، تهتم بالحقوق الفلسطينية قدر الاهتمام بالرئيس الفلسطيني، وهذا امر لا يجوز الجزم سلبا او إيجابا به قبل ان نرى ماذا سيفعل الرئيس ترمب في ولايته الأولى وليس فقط في استقبالاته الأولى وزياراته الأولى للمنطقة.

 

وبقدر ما انعشت الحفاوة الامال لعلها تترجم بتبنٍ افضل لعدالة الحقوق الفلسطينية، بقدر ما تثير الشك فيما ورائها، بحيث تبدو الحفاوة كما لو انها طعم لذيذ لاصطياد سمكة، او كما يفسرها المتشائمون.."حفاوة ضرورية لتمرير ما كان لا يمر فيما مضى".

 

وسجل الحفاوات المبالغ فيها طازج وحافل، والنهايات السياسية للحفاوات كانت دائما ما تبتعد كثيرا عن المأمول منها، وفي السياسة فإن التفاؤل الزائد اعظم ضرراً من التشاؤم النمطي المسبق، التفاؤل يعني ان حاصل جمع واحد زائد واحد يساوي مئة، وهذا افدح تضليل للذات في قراءة المعادلات واستنتاج المحصلات.

 

في أي امر يتصل بالعلاقة مع الاصدقاء او الخصوم، مع الكبار والاصغر منهم، يجب الحذر واتقان الحسابات والابتعاد عن تركيب دلالات مبالغ فيها للشكليات.

 

مبتدئو السياسة ومحترفوها وخبرائها، لا يقللون ابدا من أهمية البيت الأبيض وتأثير مواقفه وسياساته على جميع القضايا المعاصرة الإقليمية والدولية وحتى المحلية، وكذلك لا يصح الفصل بين الشكليات ومدلولاتها بمنطق تعسفي وتشكيكي، الا ان أي امر تكون إسرائيل وامريكا طرفا فيه، فلابد وان يستدعي حذراً ودقة في التقويم والبحث عن ما وراء الشكليات والحفاوات والاغراءات.

 

في عالمنا الذي نعيش ليس صعبا معرفة ما وراء الوقائع المعلنة، فتراث الماضي في التعامل مع الأمريكيين والإسرائيليين يفترض انه يشكل رصيدا لاستنتاج الحاضر والمستقبل، واذا قيل ان هنالك جديداً في البيت الأبيض وفي رأس سيده، فإن ما ينبغي وضعه في الحساب هو ان الرئيس الأمريكي وان كانت الامال معلقة على جهله وتقلب مزاجه، الا ان هذا يجعل من خطواته القادمة غير مضمونة وغير مأمونة.

 

بوسعنا القول للرئيس ترمب شكرا على الحفاوة، وشكرا على تزيين البيت الأبيض بالاعلام الفلسطينية، وشكرا على المأدبة الحميمية الفاخرة والانيقة التي أقيمت لوفدنا في غرفة تقع على قمة العالم، غير ان الـ "شكرا" هذه يجب ان لا تعني التوقيع على بياض لما يطلب قبل وبعد لقاءه الثاني مع نتنياهو، مع التذكير ببديهية أحببت ان اعنون مقالتي هذه بها، وهي ان البيت الأبيض مهما كان مهما فلن يكون في شأن مصيرنا اهم من البيت الفلسطيني، الذي ان ظل على حاله فسيكون مثل الاناء المثقوب مهما وضعت فيه ماءً فمصيره التبدد والضياع.