مية ولعبة الدم ... بقلم : د. على راشد النعيمي

مية ولعبة الدم ... بقلم : د. على راشد النعيمي
مية ولعبة الدم ... بقلم : د. على راشد النعيمي

مية ولعبة الدم

بقلم : د. على راشد النعيمي

تاريخ النشر: الخميس 24 يناير 2013

تمثل التنمية الشاملة الحلم الذي تتطلع إليه جميع الشعوب كي تنعم بالأمن والاستقرار والرفاهية، وهي العربة التي توفر لراكبيها العيش الكريم وتفتح أمامهم أبواباً للمساهمة بأدوار فاعلة في خدمة مجتمعاتهم والارتقاء بها. والشعوب التي نعمت بثمار التنمية تجدها تتمسك بها بكل ما أوتيت من قوة، ولا تقبل أن تتنازل عنها أو أن تساوم على الاستمرار في نهجها لأنها ترى الفرق الشاسع بينها وبين الشعوب التي انشغلت بقضايا جانبية أخرى عن العناية بمسيرة التنمية في مجتمعاتها. ونجد ذلك بوضوح في شعوب شرق وجنوب شرق آسيا وكذلك شعوب دول أميركا اللاتينية فضلا عن شعوب الدول المتقدمة التي استطاعت التخلص من الصراعات الداخلية التي تعيق مسيرة التنمية وحولتها إلى سباق داخل مجتمعاتها للبناء والعطاء، ومنافسة مع المجتمعات الأخرى للتقدم والرقي الحضاري للإنسانية جمعاء. وأشد أعداء التنمية والذي يشكل أكبر عائق لها هو الإرهاب بمختلف أنواعه لأنه يدمر الطاقات ويقتل الإبداع ويمزق المجتمعات ويحولها من مجتمعات منتجة إلى مجتمعات متناحرة، وينشغل الناس فيها عن العمل والإنتاج ويصبح الجهل والفقر والتخلف سمات بارزة لمعاناتهم.

ويجد المراقب أن العالم العربي لم ينعم بما تحقق للشعوب الأخرى من تنمية عدا دول الخليج، وبقيت معظم الشعوب العربية تعاني من أمراض التخلف والجهل والفقر والذي نتج عنه الاستخفاف بقيمة الإنسان وفكره وعطائه، بل وصل الأمر إلى الاستهانة بحياته وسهولة تقبل قتله وسفك دمه. ولذا نجد أن إرهاب قتل الأبرياء والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة وتدميرها واستغلال ذلك لتحقيق مطالب سياسية ما زال أمراً يتكرر حدوثه في العالم العربي.

وإن هذا النوع من الإرهاب قد يلقى دعماً ومساندة من أطراف متعددة فالمال والمعدات والتجهيزات اللازمة لاستمراره تتوافر له من جهات معلومة أحياناً وغير معلومة أحياناً أخرى، ولكن أخطر أنواع الدعم الذي قد يجده الإرهابيون هو تعاطف بعض العامة معهم والدفاع عنهم وقبول مبررات قيامهم بقتل الأبرياء وبالذات إذا كان مصدر ذلك التعاطف هو الدين، وذلك لأنه يجعل الإرهاب "جهاداً" و"طريقاً إلى إلى الجنة"، والدين منه بريء! وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث في "إن أميناس" في الجزائر خلال الأسبوع الماضي، فالعاملون الأجانب جاءوا لخدمة عملية التنمية والبناء في الجزائر، نعم لهم مصلحة في ذلك ولكنها مصلحة مشتركة للطرفين ولولا وجودهم لما تمكنت الجزائر وغيرها من الدول من تشغيل منشآت النفط والغاز، وقد تم احتجازهم وقتلهم لتحقيق مطالب سياسية باسم الإسلام، وتتكرر مثل هذه العمليات في العديد من البلدان العربية وكأن المطلوب أن نكون أسرى صراعات مستمرة تسيء إلى ديننا وتبقينا في دوائر التخلف والجهل والفقر، والذي عايشناه فترة طويلة ولكن الجديد فيه أنه يتم هذه المرة باسم الإسلام وبشعاراته مما يشكل إساءة له وتشويهاً لسمعته.