مرة أخرى .. عبدالناصر في مواجهة فاشية «الإخوان» / لـ جلال عارف

مرة أخرى .. عبدالناصر في مواجهة فاشية «الإخوان» / لـ جلال عارف
مرة أخرى .. عبدالناصر في مواجهة فاشية «الإخوان» / لـ جلال عارف

مرة أخرى .. عبدالناصر في مواجهة فاشية «الإخوان» / لـ جلال عارف

لم يغب جمال عبدالناصر يوماً عن المشهد السياسي المصري والعربي، حتى بعد أكثر من أربعين عاماً على رحيله كان الحاضر الغائب دائماً، رغم الحملات العدائية ضده كل هذه السنوات تحاول تشويه صورته، لعلها تستطيع انتزاع الرجل من مكانه في قلوب الملايين وفي ذاكرة الأمة.

هذا العام، وبعد عامين من ثورة يناير التي اختطفها الإخوان المسلمون، والتي أرادوها نفياً لثورة عبدالناصر قبل ستين عاماً، يأتي الاحتفال في الأسبوع الماضي بعيد مولده الخامس والتسعين ليسجل حالة افتقاد لم نشهدها من قبل للزعيم الراحل وما يمثله عند الملايين من المصريين والعرب.

شخصياً كنت - وما زلت - أفضل الاحتفال بيوم الميلاد عن الاحتفال بيوم الرحيل. حين يذهب الناس للضريح في سبتمبر من كل عام يكون الحزن الغالب. حين يلتقون في يناير يكون الأمل حاضراً. في هذا العام كان الأنصار يعدون الإعلان عن توحد الجماعات الناصرية في مصر. خطوة إيجابية ولكنها مازالت بعيدة عن طموح المصريين الذي يشعرون كما لم يحدث من قبل بالافتقاد الكامل للرجل الذي قادهم في أصعب الظروف ليغيروا التاريخ ويصنعوا المعجزات.

في الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد عبدالناصر، كان النظام الحاكم في مصر الآن يجمع أشلاء الضحايا في آخر حوادث القطارات، وكان المصريون يذرفون الدمع على الضحايا، وعلى دولة تنهار كل مؤسساتها بالقدر نفسه الذي تنهار فيه ثاني أقدم سكة حديد أنشئت في العالم بينما "الإخوان المسلمون" ورئيسهم وحكومتهم يتخبطون في سياساتهم على جميع الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مع ثورة يناير، كان الأمل كبيراً في استعادة مصر لموقعها ومكانتها، لكن الثورة تم اختطافها، والمسار مضى إلى حيث أفرز انقساماً لم تشهده مصر من قبل، وتراجعاً اقتصادياً يضع مصر على حافة الخطر، وحكماً يسعى لإقامة الدولة الدينية وضرب كل مؤسسات الدولة المدنية الراسخة، وبدلاً من ترسيخ الاستقلال الوطني نجد استجداءً للدعم الأميركي، وبدلاً من العودة لصفوف المقاومة تصبح إسرائيل في الخطاب الرسمي هي "الصديق الوفي".

أهداف الثورة في الحرية والخبز والكرامة الإنسانية لا يتحقق منها شيء. حكم الإخوان ينتقل من فشل إلى فشل والثمن الباهظ يدفعه المواطنون. استقلال القضاء ينتهك. حرية الصحافة في خطر. الاقتصاد يتراجع يوماً بعد يوم. المرأة يزداد اضطهادها. الأقباط يعانون من تجار دين بلغ تطرفهم حد تحريم تهنئة إخوة في الوطن بأعيادهم. معدلات البطالة تضاعفت، وأحوال الفقراء تزداد سوءاً وخطر الانفجار الاجتماعي يؤرق كل الوطنين، بينما الجماعة مشغولة بالتمكين من الحكم وبالبحث عن المزيد من الديون.

لم يكن مشروع عبدالناصر- كما قلنا- اختراعاً جديداً منه، بل كان حصاد سنوات طويلة من النضال الوطني، ومن الاجتهاد الفكري المستنير. لم تكن هناك فكرة واحدة في مشروع عبدالناصر لم تطرح من قبل. كان الفارق فقط أن هناك إرادة وطنية مستقلة، وان هناك رؤية واضحة ومستقيمة لدور مصر وارتباطها بأشقائها العرب ومصالحها في أفريقيا، وكان هناك انحياز للوحدة العربية، وللعدل الاجتماعي، ولتحرر الوطن كله من الخليج إلى المحيط ولكرامة العربي على أرضه الحرة، وللدولة المدنية الحديثة التي تحمي حقوق كل أبنائها.

من هنا كانت صور عبدالناصر في ميادين التحرير في ثورة يناير تعني أن الطريق عند الجماهير هو العودة لهذا المشروع القومي مع تصحيح الأخطاء وتدارك السلبيات والانفتاح على العصر. لم يكن الأمر هو العودة للوراء، بل استلهام مرحلة النهوض المصري العربي لتكون لنا رؤيتنا الجديدة للحاضر والمستقبل.

لكن -على الجانب الآخر- كان من يخططون لاختطاف الثورة في الداخل والخارج يدركون حجم الخطر من هذا التوجه. فمصر المستقلة استقلالاً حقيقياً. العائدة لعالمها العربي ولدورها فيه هي الخطر على مصالح كثيرة في المنطقة وخارجها. ومصر العربية التي تقدم نموذج الدولة الحديثة المدنية التي تكفل الحقوق المتساوية لمواطنيها، والتي تحشد قواها الذاتية لتبني نهضتها هي الخطر الأكبر على العائدين من كهوف الماضي ليقيموا دولة دينية لم يعرفها الإسلام ولكي يحكموا بالكفر على كل المسلمين، ويحكموا بالفقر والتخلف والجهل على الدول الإسلامية.

ومن هنا كان العداء (ومن اللحظة الأولى) لثورة يوليو، وكان الترويج لفكرة أنه لابد من القطيعة مع الثورة التي قادت الوطن العربي كله للاستقلال. وكان الهجوم على عبدالناصر ومحاولة الثأر منه، وكانت عبارة الرئيس مرسي التي دخلت التاريخ "وما أدراك ما الستينات" انعكاساً حقيقياً إلى أن معركة "الإخوان" الرئيسية ستظل مع عبدالناصر، أو بالأصح إلى ما يمثله حتى الآن عند ملايين المصريين والعرب.

بعد عامين من ثورة يناير التي اختطفها الإخوان وحلفاؤهم، يتزايد الإحساس في مصر بافتقاد عبدالناصر. قبل أيام وفي عيد مولده الخامس والتسعين كان لافتاً أن الكثيرين من خصومه التاريخين يراجعون موقفهم. الكل يدرك الآن حجم الخطر، والكل يدرك أن جوهر المعركة هو "هوية مصر" التي لم تتأكد يوماً كما تأكدت مع عبدالناصر، مدنية، حديثة، عربية، منحازة للعلم والإبداع، تتساوى فيها حقوق كل المواطنين، تحقق النهوض والتقدم بجهود أبنائها، يتأكد فيها دور الأزهر الشريف قلعة للوسطية والتسامح، ويتأكد فيها دور الكنيسة الوطنية جزءاً أصيلاً من البناء الوطني، تسودها العدالة الاجتماعية.

المعركة هي حول "هوية مصر" والرمز هو عبدالناصر، والخيار هو مصر التي في خاطر المصريين والعرب، أو مصر في ظل فاشية دينية لخصت تقديرها لأم الدنيا بقول المرشد "طظ في مصر