خبر غزة بين باريس وموسكو .. كتب نبيل عمرو

خبر غزة بين باريس وموسكو .. كتب نبيل عمرو
خبر غزة بين باريس وموسكو .. كتب نبيل عمرو

أخيراً ينعقد مؤتمر باريس الذي كان أحد العناوين الرئيسية لسياستنا الخارجية، وربما كان الرهان الوحيد نحو تحريك المسيرة السياسية، عبر بلورة أداة ضغط دولي لحمل إسرائيل على التخلي ولو نسبيًا عن غلوها المبالغ فيه، في تجاهل الحل السياسي للقضية الفلسطينية لمصلحة فرض الامر الواقع كبديل.

 

وتستحق فرنسا الشكر على مبادرتها هذه، وتستحق كل دولة ستشارك على أي مستوى ان نشكرها كذلك، ففي زمن ازدحام القضايا الساخنة، وتصارع الأجندات المتعارضة على ارض الشرق الأوسط، وعلى حافة فلسطين وإسرائيل، فإن مؤتمرا كهذا إن لم يسهم في تقديم حلول عملية، الا انه اسهم فعلا في وضع القضية المنسية على جدول اعمال العالم ، غير ان الذي يدعو للحرج فعلا هو اختلال الميزان المنطقي للوضع الفلسطيني، ولنقرأ المؤشر من خلال ما يحدث في باريس وموسكو.

 

في باريس تجتمع سبعون دولة من اجل فلسطين، وفي موسكو يجتمع سبعون فلسطيني من اجل الانقسام.

 

الوضع ليس محرجًا فقط، بل انه مخجل لكل فلسطيني وعربي ولكل متعاطف مع القضية الفلسطينية، وهذا الميزان المائل لا يمكن ان يتعدل ويعطي مردودًا إيجابيا، الا اذا عدله الفلسطينيون بأنفسهم، ويبدو ان الطبقة السياسية الفلسطينية التي امتهنت عرض خيباتها في كل العواصم، مصممة على ان يبقى الوضع على حاله ليس فقط على الصعيد السياسي، وانما على صعيد توالد المشاكل التي لا يوجد مثلها في أي مكان في العالم .

 

فبينما يجتمع شيوخ القبائل السياسية، وجزء كبير منها منقرض في الواقع في موسكو، يصرخ اهل غزة من برد الشتاء وانعدام الكهرباء، بعد ان صرخوا ولا من مجيب من المبيت في العراء لعدة شتاءات قارصة، وشرب الماء الممزوج بالطين والملح لعقد كامل من الزمان، بينما الذين يتحدثون باسمهم ويقودون اقدارهم ينطبق عليهم بيت الشعر الذي تضمنته معلقة عمرو ابن كلثوم ... " ونشرب ان وردنا الماء صفواً.. ويشرب غيرنا كدراً وطينا".

 

ماذا ستفعل موسكو وباريس وقبل ذلك جنيف وبيروت ، وقبل قبل ذلك عواصم كثيرة حيال هذا الواقع ، فكل بيان سياسي يصدر يقع على نفوس اهل غزة كوقع الملح على الجرح، وحسناً يفعلون حين يهملون ما يجري خارج حدودهم بل ويعتبرونه عبءً عليهم، لأن الذين يشربون الماء صفواً لم يعودوا منهم، ولا حتى يشعرون ولو من قبيل المجاملة بآلامهم.

 

شكراً للفرنسيين والروس والاوروبيون والأتراك وكل المحسنين في هذا العالم، ولا شكر لممتهني الحوارات المترفة في العواصم، الذين ما ان ينتهوا من اجتماع في ضيافة مترفة، حتى يبدأوا العمل لتأمين اجتماع مترف آخر، وعليكِ يا غزة ان تصبري وتصابري مرتين .. مرة من قسوة من يدعون العمل لأجلك وهم في واردٍ آخر، ومرة ثانية لانسداد الافاق حتى في ابسط الحقوق الإنسانية.