فوز مرسي وتداعياته فلسطينيا...د.إبراهيم أبراش

فوز مرسي وتداعياته فلسطينيا...د.إبراهيم أبراش
فوز مرسي وتداعياته فلسطينيا...د.إبراهيم أبراش

فوز مرسي وتداعياته فلسطينيا...د.إبراهيم أبراش

علاقة عكسية،بمثابة القانون الحتمي،بين صعود الأيديولوجيات الكبرى والمشروع الوطني الفلسطيني المستقل،فعندما يتعاظم وجود وتأثير الأيديولوجيات القومية والثورية والإسلامية يتراجع المشروع الوطني واستقلالية القرار الوطني والعكس صحيح،وما أشبه اليوم بالبارحة.

بعد فوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عمت فرحة عارمة عند أنصار حركة حماس وخصوصا في غزة،حيث إطلاق النار وتقديم الحلوى والخروج إلى الشارع ورفع صور مرسي وشعارات الإخوان المسلمين،يجري هذا في ظل تعثر المصالحة الوطنية وحالة سياسية واقتصادية واجتماعية مأزومة على كافة المستويات سواء في غزة أو الضفة أو بالنسبة لفلسطينيي الشتات حيث الفلسطينيون يُقتلون في سوريا ولبنان والعراق دون أن يجدوا من يدافع عنهم .

نتفهم فرحة الفلسطينيين بنجاح تجربة ديمقراطية ونهاية رئيس أساء وأذل الفلسطينيين في المعابر والمطارات وتآمر على العرب في العراق وغيرها،وطبيعي أن يفرح الفلسطينيون لفرحة الشعب المصري،بل نتفهم أيضا درجة من المراهنة على كل حالة عربية مستجدة لأن حال الفلسطينيين بات كالغريق الذي يتشبث بقشة،ولكن الخطأ والخطيئة رهن مصير القضية والشعب بالمتغيرات الخارجية وبأحزاب وحركات حتى وإن كانت ترفع شعارات إسلامية أو قومية أو تحررية ،وأن تصبح هذه المراهنات بديلا للمراهنة على الشعب والوحدة والوطنية.

من المهم والمفيد للفلسطينيين وصول قوى سياسية عربية للحكم ترفع شعارات ولها مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني ومعادية للعدو الإسرائيلي ،ولكن علينا التذكير بأن كل الأحزاب والقوى العربية كانت ترفع شعارات شبيهة بل إن أحزاب وقوى سياسية بررت قيامها بانقلابات وثورات ضد الأنظمة القائمة بأنها من أجل فلسطين ،ولكن ممارسات هذه القوى بعد أن أصبحت حاكمة اختلفت كثيرا عن مواقفها وشعاراتها وهي في المعارضة .

ما يجري اليوم مع صعود الإسلام السياسي ذكرنا ويُعيدنا لأوقات سابقة رفع فيها الفلسطينيون صور جمال عبد الناصر والقذافي وصدام حسين والخميني وحتى أبن لادن،ومع أننا كنا نتفهم أن من حق أي كان أن يفرح لفوز من يشاركه الأيديولوجية أومن يدعمه ماليا ،و نتفهم فرحة الفلسطينيين لفوز من يرفع شعارات تتحدث عن معاناتهم أو يَعِدهُم بتحرير بلدهم،إلا إن الوضع الآن مختلف وأكثر خطورة ،فسابقا كانت الفرحة فرحة شعبية ولكن القيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس أبو عمار كانت تتحكم بالبوصلة ولم تكن تراهن على الآخرين ،بل كانت تحاول توظيف المتغيرات العربية لصالح المشروع الوطني الفلسطيني وليس إلحاق القضية والمشروع الوطني بأي من القوى والقيادات العربية والإسلامية ،وكانت رؤية أبو عمار ثاقبة وذكية عندما رفض التبعية لأي كان بل ودخل في مواجهات مع مَن كان جزء من الشعب يراهن عليهم ،فأختلف مع عبد الناصر وصدام والقذافي والخميني الخ، من أجل استقلالية القرار ،وقد أثبتت الأحداث صحة موقف الراحل أبو عمار حيث بانت محدودية قدرة أصحاب الشعارات الكبيرة على الفعل الجاد من اجل فلسطين .

الوضع اليوم أكثر خطورة  لأن مَن يراهن على الخارج ليس الشعب بل حزب سياسي – حركة حماس - يقول إنه يمثل الشعب والقضية الفلسطينية ويرهن مستقبل القضية الفلسطينية ومصير أكثر من مليون ونصف فلسطيني بما ستئول إليه الأمور في مصر ،حزب يعطي الأولوية لانتمائه الحزبي الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين على الانتماء للشريك الوطني ،بل لديه الاستعداد للتخلي عن المصالحة لصالح إلحاق نفسه وإلحاق قطاع غزة بالحالة المصرية التي يحكمها الإخوان المسلمين.وهنا علينا التذكير بأن قادة حماس ما زالوا يقسمون قسم الولاء لجماعة الإخوان المسلمين وبعضهم يرفض قسم الولاء لفلسطين بل ويرفض حتى الوقوف احتراما للنشيد الوطني الفلسطيني،وعلينا أن نتذكر قول وزير داخلية حماس فتحي حماد أن لا مصالحة مع العلمانيين.

إن المراهنة على الإخوان المسلمين في ظل الانقسام وفي ظل غياب إستراتيجية وطنية فلسطينية،تعتبر نكسة وتراجعا خطيرا في مسار المشروع الوطني واستقلالية القرار الفلسطيني،إنه إعلان غير مباشر بفشل المشروع الوطني وباليأس من قدرة الفلسطينيين على أن يكونوا أسيادا وأصحاب قرار مستقل ،وهي عودة إلى نقطة الصفر ،إلى ما قبل تحرير القرار الوطني من الوصاية العربية.

المشكلة لا تكمن في الإخوان كما لم تكن تكمن في القوى القومية والثورية قبلهم لأن هؤلاء كانوا يعملون من أجل بلدانهم ومصالحهم ولا يمكن أن يضحوا بمصالح بلدهم من اجل الفلسطينيين أو غيرهم .الإخوان المسلمون في كل بلد (وطنيون) بالدرجة الأولى،بمعنى أن ألإخواني المصري تهمه مصر أولا والتونسي تونس أولا والمغربي المغرب أولا الخ ،بمعنى أن متطلبات الإنجاز الداخلي سيكون لها الأولوية على أي اعتبارات أخرى ولن يغامر أي رئيس دولة إخواني بمصالح بلده من أجل فلسطين أو غيرها.

لا يعني هذا أن موقفهم من فلسطين والصراع مع إسرائيل سيكون مطابقا لموقف الأنظمة الأخرى، بل من المؤكد أنهم سيكونوا أكثر تعاطفا وتفهما للحالة الفلسطينية وقد يُقدمون على إجراءات لصالح الفلسطينيين ولكن بما لا يخل بالمصلحة القومية لبلدهم وبالاتفاقات والشرائع لدولية.

كان الدكتور محمد مرسي واضحا في خطابه الأول بعد فوزه حيث لم يأت في خطابه على ذكر لفلسطين أو غزة وحصارها أو إسرائيل مع انه أشار بطريقة غير مباشرة لإسرائيل عندما قال بأنه سيلتزم بالاتفاقات الدولية التي وقعتها مصر مع الدول الأخرى ويقصد هنا تحديدا اتفاقية كامب ديفيد.والرئيس مرسي في ذلك لا يتجاهل قضية فلسطين أو أن مواقفه ستكون مثل مواقف سابقه ولكنه يُدرك عِظَم التحديات الداخلية التي سيواجهها في سنواته الأولى ،وان مصلحة مصر في هذه المرحلة ستكون مُسَبَقة على أي اعتبارات أخرى.

 

 لأن العلاقات الإستراتيجية للدول لا تتغير مباشرة بوصول رئيس جديد ينتمي لأيديولوجيا مغايرة لسابقه،وهناك مصالح قومية ثابتة للدولة لا يستطيع الرئيس الجديد تغييرها بسهولة،فإن نهج التغيير في السياسة الخارجية لمصر في عهد الرئيس الجديد لن تمس الجوانب الإستراتيجية تجاه مشكلة الشرق الأوسط ،و تأثير فوز مرسي سيكون على مستويات دون الإستراتيجية.

وفي هذا السياق،ومع الأخذ بعين الاعتبار أن القضية الفلسطينية لن تكون على رأس سلم اهتمامات النظام المصري الجديد ،أيضا أن حل مشكلة الفلسطينيين ومعاناتهم أكبر من قدرة مصر لوحدها على حلها ،نتوقع التداعيات التالية لفوز شفيق  :-

أولا:سيولي الرئيس مرسي اهتمام بتحريك ملف المصالحة وربما يجتمع بكل من الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل ليترك بصمته على المصالحة الفلسطينية،وسيحث الطرفين لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ،وسيحاول أن يبدو متوازنا في العلاقة بين الطرفين .

ثانيا:سيعمل الرئيس مرسي على تحسين الحالة المعيشة والإنسانية في قطاع غزة من خلال تحسين العمل على معبر رفح وتخفيف مشكلة الكهرباء والوقود ، ووضع حد لظاهرة الأنفاق، ربما يتم تفعيل فكرة المنطقة الحرة بين مصر والقطاع وتسهيل التجارة بين الطرفين ولكن هذا يحتاج لصيغة تفاهم مع الرئيس أبو مازن وربما مع إسرائيل لأن بروتوكول باريس الاقتصادي ما زال نافذا في الضفة وغزة.

ثالثا سيتم الارتقاء بعلاقة مصر مع حماس لدرجة أقوى من السابق وقد يصبح لحماس مكتب تمثيل في القاهرة أو حتى نقل مقرها الرسمي إلى القاهرة.

رابعا:مع أنه من المفترض أن سعي مرسي لرفع الحصار وتفعيل المصالحة سيدعم مسالة المصالحة وإعادة بناء البيت الفلسطيني ،إلا أن ما نخشاه أن كل مسعى لتطوير علاقة مصر مع حركة حماس ورفع قيود تنقل الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح البري، سيدفع تيارا نافذا من حركة حماس في غزة نحو مزيد من التشدد في ملف المصالحة،وبالتالي فإن ما نخشاه أن ينجح مسعى الرئيس مرسي بإنهاء الحصار البري على غزة ويتعثر مسعى المصالحة.

خامسا :بعد تشكيل مرسي لحكومة موالية وبعد حل إشكال المؤسسة التشريعية لصالح الإخوان،فإن هذا قد يؤثر على سياسة جامعة الدول العربية ولجنة المتابعة العربية من القضية الفلسطينية.

سادسا :سيصبح التصعيد أو التهدئة على حدود القطاع مع إسرائيل خاضعا لاعتبارات تتعلق بتطور العلاقة بين مصر الجديدة وإسرائيل ،وربما يلجأ الطرفان لاستعمال قطاع غزة كميدان اختبار لجس نوايا كل طرف أو للضغط عليه.

سابعا: قد تتطور الأمور إلى الأسوأ أمنيا وعسكريا في شمال سيناء لاعتبارات تتعلق بصراعات مراكز القوى داخل مصر من جانب وبمخططات إسرائيلية من جانب آخر،وهو الأمر الذي قد يدفع إسرائيل لتوظيف الحالة الأمنية في سيناء لتبرير تصعيدها عسكريا في قطاع غزة وربما في سيناء ،والسيناريو الأسوأ في هذا السياق أن تقوم إسرائيل في حالة وجود مؤشرات على تحول في سياسة مصر تجاه إسرائيل،بحرب استباقية محدودة في سيناء تخلط من خلالها الأوراق وتفرض أمرا واقعا يجبر مصر على ربط قطاع غزة بشمال سيناء ضمن صيغة ما،وقد تحدثت مراكز دراسات إستراتيجية إسرائيلية عن مثل هكذا مخطط.

ثامنا:حتى مع توفر الإرادة عند الرئيس مرسي للعمل لمصلحة الفلسطينيين فإن حدودا لا يمكن لمصر تجاوزها ،فالمصالحة بمعنى إعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة،والرفع النهائي للحصار البري والبحري والجوي على قطاع غزة، مرتبطان بمسار التسوية وبالرباعية وبأوضاع إقليمية ودولية.

وأخيرا ،إن كنا نشكر مصر شعبا ورئيسا وحكومة على كل مسعى من اجل رفع الحصار عن قطاع،غزة إلا أننا نتمنى على الرئيس مرسي أن لا ينسى أن غزة جزء من فلسطين ولكنها ليست القضية الفلسطينية، وإن كان الشعب الفلسطيني معني برفع الحصار نهائيا عن القطاع إلا أن معركتنا الأساسية الآن هي تحرير الضفة والقدس وقضية اللاجئين .

Ibrahemibrach1@gmail.com