ليبيا الأكثر انتعاشا بين اقتصاديات الربيع العربي

ليبيا الأكثر انتعاشا بين اقتصاديات الربيع العربي
ليبيا الأكثر انتعاشا بين اقتصاديات الربيع العربي

طرابلس / وكالات / مشرق نيوز

لم تأبه ليبيا، التي استقبلت عام 2012 بكثير من الخراب والدمار نتيجة لما خلفته ثورة أطاحت بنظام معمر القذافي، بما طالها، ولعل وضع الاقتصاد الليبي رغم ما أحاط به من تشرذم في الوضع السياسي وتخلخل بالوضع الأمني وصراعات قبلية، هو الأفضل من بين اقتصاديات دول الربيع العربي من ناحية العودة لمعدلات ما قبل الثورات.

فقد عادت ليبيا خلال 2012 لأكثر من 90% من انتاج النفط قبل الثورة، ما يعني استقرار موردها الوحيد، وبالتالي تراجع المؤشرات السلبية التي أضرت بالوضع الاقتصادي والاجتماعي أثناء الثورة مثل أرتفاع مستويات التضخم والبطالة، وتوقف حركة التجارة الداخلية والخارجية، وتراجع غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي.

وسعت وكالة الأناضول للأنباء وبإيجاز شديد من خلال هذا التقرير لرصد أهم محطات الاقتصاد الليبي خلال عام 2012 المنصرم أمس الأثنين، للوقوف على حقيقة الوضع الحالي، والمعوقات التي أضرت بمسيرة الاقتصاد الليبي مثل الوضع الأمني، والسياسي، واستخدام النفط كأداة للضغط علي الحكومة من خلال إضرابات عمالية، وأزمة سيولة التي تعرضت لها البنوك الليبية.

وإلى نص التقرير...

 انتعاش الاقتصاد الليبي في 2012

أستطاعت ليبيا خلال عام 2012، العام الأول بعد الثورة الليبية التي اندلعت في فبراير 2011 وانتهت بسقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي في أكتوبر من نفس العام، أن تنهض باقتصادها الوطني بعد أن عادت معدلات إنتاج النفط إلى 90% تقريبا من مستواه قبل الثورة.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد في أعقاب الثورة، فقد تعافى النشاط الاقتصادي سريعا مع عودة انتاج النفط، فاعتبارا من يونيو 2012 ارتفع انتاج النفط ليتجاوز 1.52 مليون برميل يوميا مقابل 166 ألف برميل يوميا في مرحلة الصراع في 2011.

ودفعت هذه الخطوة صندوق النقد الدولي لأن يتوقع في تقرير حديث له ارتفاع انتاج النفط في ليبيا إلي مستوى ما قبل الثورة بحلول 2013، فلا غني لليبيا التي تمثل فيها إنتاج المحروقات نحو 80% من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل أيضاً 97% من صادرات البلاد.

ورغم أن معدل انتاج النفط في ليبيا في 2012 وصل إلي 1.4 مليون برميل يوميا، ووصل احيانا إلى 1.6 مليون، وفق ما قاله وزير النفط الليبي السابق عبد الرحمن بن يزا، إلا أن النفط كان وأستمر في 2012 وربما يبقي لأعوام قادمة هو المورد الأول والوحيد للشعب الليبي.

وقد أعطى هذا التعافي دفعة قوية لقطاع الصادرات النفطية بليبيا وساعد على زيادة فوائض الموازنة والحساب الجاري، كذلك شهدت القطاعات الاقتصادية غير المرتبطة بالموارد الطبيعية تحسنا ملحوظاً، بسبب توجهات الحكومة الليبية الانتقالية بزيادة مخصصات الإنفاق العام على عمليات الإعمار بعد الخراب الذي أصاب البنية التحتية بسبب ثورة 2011.

ونتيجة لهذا التعافي فقد توقع صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له ارتفاع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لليبيا بنسبة قياسية تبلغ 122% خلال العام الجاري 2012 ، وذلك بعد أن انخفض بنسبة 60% تقريبا خلال 2011.

وتسعى المؤسسة الوطنية الليبية للنفط إلى زيادة الإنتاج إلى 1.720 مليون برميل يوميا بنهاية مارس 2013، كما تسعى لزيادة الإنتاج إلى مليوني برميل يوميا بحلول عام 2015، حسب وزير النفط الليبي عبدالباري العروسي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي ارتفاع الإيرادات النفطية الليبية إلى فائض في الموازنة العامة يبلغ 19% من إجمالي الناتج المحلي، وزيادة فائض الحساب الجاري إلي 22% من إجمالي الناتج المحلي خلال 2012.

وقالت شركة النفط الوطنية الليبية في سبتمبر الماضي إن عائدات البلاد من صادرات الخام في الشهور السبعة الأولى من هذا العام تجاوزت 30 مليار دولار، وأن إنتاج البلاد من النفط بلغ 302 مليون برميل في الفترة من أول يناير/كانون الثاني إلى 31 يوليو/تموز الماضيين بمعدل 1.4 مليون برميل يوميا، كما أن عائدات الكميات المصدرة في تلك الفترة بلغ 30.4 مليار دولار بمعدل 110.5 دولارات للبرميل.

ليبيا والشركات العالمية

مع مطلع عام 2012 الماضى استأنف عدة شركات نفط عالمية عملها بانتظام في ليبيا بعد العودة مجددا إثر إعلان سقوط نظام معمر القذافي في 23 أكتوبر 2011، مثل توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وريبسول الإسبانية وووايترشال الألمانية وأوكسيدنتال الأميركية.

واستهدفت ليبيا مع بداية العام الجاري عودة الشركات العالمية، وتحفيز الشركات المحلية على إطلاق نشاطاتها مجددا، وحفزت موارد ليبيا واحتياطاتها النفطية الشركات العالمية للعودة سريعا، ولإقبال شركات عالمية جديدة للاستفادة من برامج إعادة الإعمار التي تبناها النظام الانتقالي الليبي.

وربما تدفع خطط ليبيا زيادة إنتاجها من النفط إلى طرح مناقصات جديدة على شركات عالمية للتنقيب وحفر مزيد من الآبار لزيادة معدل الإنتاج، وذلك خلال الفترة الانتقالية الحالية والتي من المقرر أن تنتهي العام الجارى 2013 بالتصديق علي دستور جديد للبلاد وانتخاب مجلس برلماني.

عقبات واجهت الاقتصاد الليبي في 2012

1- السيولة:

عانى الاقتصاد الليبي من أزمة سيولة طيلة عام 2012 من أزمة نقص في السيولة المالية لدى المصارف التجارية الليبية، ما دفع مؤسسات مالية دولية أن توصي ليبيا بضرورة طباعة كميات من النقود للتغلب علي أزمة نقص السيولة.

وترجع الأزمة إلى عمليات السحب التي قام بها رجال أعمال وأفراد من المصارف أثناء وقوع الثورة خوفاً على ثرواتهم وأموالهم من الضياع.

وفي مطلع العام 2012 بدأ البنك المركزي الليبى في سحب أوراق العملة القديمة في محاولة لتوفير السيولة للقطاع البنكي، بسبب وجود أغلب الأموال خارج البنوك، وأشار محافظ البنك المركزى آنذاك إلى أن حجم هذه الأموال يفوق 15 مليار دينار (12 مليار دولار)، أي 96% من إجمالي السيولة المتوفرة.

وربما يؤكد الواقع الليبي أن النظام الانتقالي لم ينجح تماما في حل هذه الأزمة خلال العام 2012 رغم إعلان مصرف ليبيا المركزي مؤخراً أن كافة مؤشرات السلامة المالية تشير إلى أن القطاع المصرفي الليبي في وضع جيد، وأن مؤشرات السيولة وملاءة رأس المال ومعدلات النمو تشير إلى أن القطاع المصرفي في وضع جيد، وأن معدل ملاءة رأس المال للمصارف تبلغ 17.3%..

2- الوضع الأمني:

يواجه الاقتصاد الليبي تحديات صعبة يتمثل في استعادة استقرار الوضع الأمني، إذ تعاني ليبيا منذ نهاية ثورتها في أكتوبر 2011 من عنف وتهريب أسلحة ورواج للمخدرات ونزوح لاجئين غير شرعيين.

وتقول السلطة هناك إن مصدر الإزعاج الأمني يأتي من ناحية الجنوب الصحراوي الشاسع، ما دفع الحكومة في ديسمبر الجاري إلى إغلاق حدود ليبيا الجنوبية مع أربع دول هي تشاد والنيجر والسودان والجزائر بصفة مؤقته.

وربما يساهم قرار السلطة الليبية بإغلاق حدودها الجنوبية في الحد من تهريب الأسلحة والمخدرات وتصدير أدوات تنزلق بالوضع الأمني لهاوية الاضطراب، إلا أن عدم وجود جيش قوي يحمي الاستقرار الداخلي وحدود الدولة قد يقلل من جدوى هذا التحرك ،إذ يتضح ضعف قوات الأمن من ضعف سيطرتها على الأوضاع الداخلية والتصدي لمعارك القبائل.

ولا يخفي الرابط بين الاستقرار الأمني ودوران عجلة الانتاج في أي دولة، ولا يخفى أيضاً أن الوضع الأمني هو العامل الأهم بالنسبة للمستثمر الأجنبي والمحلي.

ويربط صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له بين تحسن الأوضاع الأمنية في ليبيا واستمرار نمو النشاط الاقتصادي بمعدلات قوية تصل إلى 17% تقريبا خلال 2013، و7% سنويا في المتوسط خلال الفترة من 2014 إلى 2017".

3- الوضع السياسي:

ربما لن يأخذ الاقتصاد الليبي مجراه التنموي الكامل في ظل حالة عدم اليقين السياسي التي تعيشها ليبيا، فرغم نجاح أول انتخابات للمؤتمر الوطني العام، فمن المحتمل أن يظل الوضع صعب في ظل ارتباك المشهد السياسي والنزاعات القبلية لشئون مختلفة، خاصة خلال الفترة التي تسبق إقرار الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية منتصف 2013.

ويعول محللون علي استقرار الأوضاع السياسية في إعادة هيكلة الوضع الأمني الداخلي لليبيا ومن ثم الوصول بمعدلات النمو إلى معدلات غير مسبوقة.

4- الإضرابات

استغل المحتجون والمضربون في ليبيا خلال 2012 سلاح النفط كأحد أهم ادوات الضغط علي الحكومة النظام الانتقالي لتحقيق مكاسب ومطالب، وهو ما يعرض المورد الوحيد لليبيا للخطورة دائماً.

وشهد 2012 العديد من الاضرابات والاحتجاجات التي عطلت خطوط انتاج كميات من النفط بسبب إغلاق الحقول والمصافي النفطية، فمثلا قامت مدن الشرق لمناطق الغرب بقطع امدادات النفط والغاز علي خلفية المطالبة بإرجاع مؤسسة النفط إلى بنغازي.

ولعل أخر هذه الاحتجاج ما رصدته وكالة الأناضول يوم الجمعة الماضية 28 ديسمبر، من اعتصام لموظّفي مرفأ زويتينة للنفط، شرق طرابلس، للمطالبة بنقل مقر المؤسسة الوطنية للنفط من طرابلس إلى بنغازي، ما تسبب في نقصٍ حادّ في الغازّ بالمدن الليبية.

عوامل ساعدت الاقتصاد الليبي

على عكس بقية بلدان الربيع العربي لا تحتاج ليبيا إلى تمويل خارجي بفضل ثروتها الضخمة من الموارد، فلا تعاني ليبيا من ديون خارجية أو داخلية ترهق ميزانياتها، كما لم تلجأ ليبيا خلال 2012 أيضاً لأي من المؤسسات المالية المانحة للاقتراض.

بل على العكس تماما فقد أعلنت حكومة ليبيا  في مايو الماضي عن زيادة حصتها في صندوق النقد الدولي من وحدات حقوق السحب بناء على توصية من البنك المركزي الليبي، حيث تم رفع الحصة من مليون و123 ألف وحدة حقوق سحب (ما يعادل 1.735 مليار دولار) إلى مليون و573 ألف وحدة (2.430 مليار دولار).

كما وصل احتياطي مصرف ليبيا المركزي من النقد الأجنبي في سبتمبر الماضي إلي 121 مليار دولار، تغطي واردات ليبيا من السلع والخدمات لمدة تفوق 50 شهرا حسب مصرف ليبيا المركزي.