تشييـــــع جنـــــــازة " أوسلـــــــــو " بقلــــــــم/ ديــــاب اللـــــوح

تشييـــــع جنـــــــازة " أوسلـــــــــو "  بقلــــــــم/ ديــــاب اللـــــوح
تشييـــــع جنـــــــازة " أوسلـــــــــو " بقلــــــــم/ ديــــاب اللـــــوح

تشييـــــع جنـــــــازة " أوسلـــــــــو "

بقلــــــــم/ ديــــاب اللـــــوح

 

     الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة , أفرغت اتفاق " أوسلو" المُوِّقع مع منظمة التحرير الفلسطينية في (13/9/1993م) من محتواه السياسي , وعطلت تنفيذه في كافة المسارات , ما عدا المسار الأمني ، فلا زالت إسرائيل تحتل الضفة الغربية كاملةً , وتحاصر قطاع غزة . وتُهوِّد القدس , وتواصل بناء الجدار , وتُمعن في بناء وتوسيع المستوطنات , وتصادر المزيد من الأراضي الفلسطينية , وإقامة مشروع الاستيطان في منطقة (E1) في الخليل إنما يهدف إلى فصل جنوب الضفة عن شمالها , وقطع الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية متصلة , لفرض سياسة الأمر الواقع , وتعطيل أي حل سياسي يقوم على مبدأ " الأرض مقابل السلام" وعلى أساس حل الدولتين , استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وخطة خارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام .

     باتَ من الواضح تماماً أن إسرائيل قد تنصلَّت من التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق " أوسلو " وخطة خارطة الطريق , وخاصة الالتزام بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية , وأن إسرائيل قد أدارت ظهرها وضربت بعرض الحائط المساعي والتحركات الإقليمية والدولية كافة التي بُذِلت لإنقاذ عملية السلام من خطر الانهيار ، وأمعنت في تقويض عملية السلام , ونسف اتفاق " أوسلو " وخاصة حكومة نتنياهو التي برهنت أنها حكومة مارقة ، وتعتبر نفسها فوق القانون الدولي .

    والأمر الذي زاد الطين بِلّة وعمِّق الأزمة أكثر فأكثر , قيام الحكومة الإسرائيلية بتشديد الحصار المالي على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وسرقة مستحقاته المالية من العوائد الضريبية ومنع تحويلها للسلطة حسب اتفاق باريس الاقتصادي , هذا الاتفاق السيئ السمعة والمضمون , مما يُعمق الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها السلطة , والتي تُنذر بانهيار ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني , والذي يشل دور السلطة ويفقدها قدرتها على صرف رواتب موظفيها وتقديم خدماتها الحيوية والأساسية للجماهير الفلسطينية , ويعرض السلطة لخطر الانهيار الكامل , الأمر الذي من المحتمل أن يكون له تداعيات كارثية ليس على الشعب الفلسطيني فقط وإنما على إسرائيل التي قد تجد نفسها أمام واقع جديد قد يكون مختلفاً تماماً عنه خلال مرحلة ما قبل إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في مايو أيار عام ( 1994م) .

     إن إمعان حكومة إسرائيل في تجريد السلطة من سلطاتها وصلاحياتها وسيادتها على أرضها , وتحويلها إلى سلطة بدون سلطة , غير قادرة على القيام بمسؤولياتها , في ظل استمرار حكومة إسرائيل باحتلال الأراضي الفلسطينية , وتجسيد شكل احتلال رخيص غير مُكلف , يُرهق كاهل الشعب الفلسطيني ويسدد فاتورته من قوته اليومي , فإن هذا كله يدفع باتجاه خلق واقع مُغاير , ربما تكون الدوائر السياسية والإستراتيجية والإستخباراتية الإسرائيلية لم تتلمسه ولم تأخذه في حساباتها , وتجربة الصراع الطويل تقول دائماً بأن " المخفي كان أعظم " , فالوقت اليوم ليس هو نفس الوقت عام 1987م ( الانتفاضة الأولى ) , وليس هو نفس الوقت عام 2000م ( الانتفاضة الثانية ) , وعالم اليوم ليس هو عالم الأمس , وخاصة بعد محطة (29/11/2012م ) واعتراف العالم بدولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة .

     الوضع الراهن والصعب وغير المحتمل الذي تحاول حكومة إسرائيل فرضه على الشعب الفلسطيني من خلال تعطيل تنفيذ اتفاق " أوسلو" , ونسف حل الدولتين , و تقويض عملية السلام  , والحصار المالي , يؤسس إلى مشاهد جديدة في المنطقة من أهمها :-

  أولاً :   انتفاضة ثالثة :

 الانتفاضة الثالثة إن وقعت , قد تكون من طراز جديد ومختلف عن سابقاتها وفوق قدرة إسرائيل وخاصة بعد تجربة حرب الأيام الثمانية في غزة , واعتقد أن الشعب الفلسطيني لا مصلحة له في انتفاضة جديدة , وإنه شعب توَّاق للعيش بحرية وكرامة وسلام وأمن في دولة مستقلة كاملة السيادة بجوار دول المنطقة والعالم كافة , والوقائع على الأرض في الضفة الغربية والقدس تؤشر إلى أن الأوضاع في طريقها إلى الخروج عن السيطرة والانفجار , بفعل السياسات الإسرائيلية الخطيرة .

ثانيـــــاً : انهيار السلطة : 

   في حال اندلاع انتفاضة ثالثة , فإنه قد يكون من الصعب الجمع بين الانتفاضة والسلطة في نفس الوقت , وقد يؤدي إلى انهيار السلطة ومؤسساتها المدنية والأمنية والخدماتية , وتنتقل السلطة إلى الشوارع والأزقة والنواحي المختلفة , في لحظات لا زال الشعب الفلسطيني يتعرض فيها للنكبة تلو النكبة والكارثة تلو الكارثة ويعيش حالة من الغليان وعدم الاستقرار , والسؤال : هل إسرائيل جاهزة للتعاطي مع هذا الواقع الذي تعمل على إنتاجه بنفسها . 

   اتفاق " أوسلو" بات اتفاقاً ميتاً , والسؤال المشروع إلى متى هذا الصمت من كل الأطراف ذات الصلة بالصراع و بالمنطقة , ومَنٌ هو الذي سوف يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار بتشييع جنازته ، بعد عشرين سنة من المفاوضات العقيمة والمماطلة والتسويف ، وأخذ زمام المبادرة لإنصاف الشعب الفلسطيني , ورفع هذا الظلم التاريخي الواقع عليه , وأين مسؤولية المجتمع الدولي لإنقاذ المنطقة من خطر السياسات الإسرائيلية المحدقة بها , وصيانة الأمن والسلم فيها الذي هو أساس الأمن والسلم الدوليين .