خبر ضم الضفة بعد قضم الهضبة!

خبر ضم الضفة بعد قضم الهضبة!
خبر ضم الضفة بعد قضم الهضبة!

كتب إبراهيم ملحم 

لا شيء يمنعه من تحقيق أحلامه، ولا عائق أمامه يحول دون تطبيق أفكاره، وبلوغ آماله، فكل شيء من حوله يفتح الشهية ويغري بالقضم تارة كما حدث في الجولان، وطوراً بالضمّ لما تبقى من الوطن المحتل، بعد أن أقمنا ذات صيف وفي غمضة عين، دولة مستقلّة محاصرة بالفقر تحت ظلال شجرة برتقال على شاطئ البحر!

في الأخبار العاجلة فإن الكنيست الإسرائيلي سيناقش خلال أسابيع مشروع قانون وصفته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية بـ "القنبلة السياسية" الأكبر منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام سبعة وستين، يرمي لضمّ كامل المنطقة (ج) التي تشكل نحو 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية.

ورغم الاعتقاد السائد لدى بعض السياسيين والمحللين باستحالة إقدام إسرائيل على هكذا خطوة بالنظر لما تنطوي عليه من تهديد جديّ للعملية السياسية برمتها، فإن في المشاهد المرئية للسياسات الإسرائيلية، إن لجهة عمليات القتل المجنونة على أرصفة الشوارع وأمام متاريس الحواجز والاجتياحات اليومية للمدن الرئيسية، أو في عمليات التوسُّع الاستيطانية على الأرض، ما يسمح بالاعتقاد بإمكانية تمرير هذا المشروع في بيئة سياسية إسرائيلية داخلية هي الأكثر تطرفًا منذ توقيع اتفاق اوسلو قبل نحو عقدين، وأخرى عربية وعالمية لن تتجاوز ردود الفعل لديها في أحسن الأحوال بيانات الشجب والاستنكار المعروفة.

هل تذكرون تصريح نتنياهو الشهير "ولا شبر" في ردّه على مطالب السلطة لبسط سيطرتها على المنطقة (ج)، لقد كان هذا التصريح الإشارة الأكثر بلاغة، التي تشف عن نوايا الرجل المبيتة للضم، فمن يواصل التهجير والهدم والقتل دون أن يقابل بأيِّ ردود فعل، لن يتوانى عن مواصلة سياسات القضم والضم والاجتياح، وهي سياسات لم تتوقف طيلة مفاوضات السلام، بل إن استمرار تلك المفاوضات دون أدنى التفاتة للأسس التي قامت عليها عملية السلام، كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المفاوضين الفلسطينيين إلى التوقّف عنها حتى تتوقف تلك السياسات.

أكثر ما يلفت الانتباه أن القنبلة الإسرائيلية الموقوتة للانفجار بعد أسابيع، تأتي بعد أيام معدودة من أخرى انفجرت ووصل دويها إلى شارع الإرسال، وهي التي جاءت رداً على أسئلة صعبة ظلّت معلّقة، وجهتها السلطة لإسرائيل، إزاء الاقتحامات المتواصلة للمنطقة (أ)، والتي حاولت إسرائيل إرجاء الإجابة عليها إلى أن جاء الردّ بالرفض، معطوفًا عليها أيضاً رفض نتنياهو للمشروع الفرنسي، وهو رفضٌ يكشف ما تستبطنه العقلية الإسرائيلية التوسعيّة من نوايا مبيتة إزاء التعامل مع السلطة في الأراضي التي يفترض أنّ لها سيطرةً كاملةً عليها، أو تلك التي تنتظر امتداد سلطتها إليها، في إطار الرؤية الآخذة بالتلاشي لحلّ الدولتين.

قد يقول قائل بأن مشروع القانون المقترح مجرد مناورة، وبالون اختبار لقياس درجات الحرارة في المواقف وردود الفعل الدولية والعربية إزاءه، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضًا، أنّه مناورة بالذخيرة الحية في منطقة كل شيء فيها قابل للاشتعال والتقسيم بالبلطات والسكاكين، بفعل السيولة الزائدة، والتطرّف المنفلت من أي ضوابط، والذي لا يردعه رادع، بينما الوقائع أمام عيوننا ومن حولنا تشي بالكثير.

في قراءة سريعة لواقع وظروف المنطقة (ج) يتضح حجم الاستهداف لتلك المنطقة المحاصرة بالمستوطنات من جميع الاتجاهات، وسط غياب كامل للتنمية وضرب أيّة مبادرات لإقامة مصانع أو إنشاء مزارع لا بل واستهداف كل ما هو قائم، كما حدث مع عشرات مصانع الحجر في تلك المناطق لصالح مصانع إسرائيلية في نفس المجال، كما جاء في تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش".

من يتسنى له القيام بجولة في الأغوار إلى الغرب من نهر الأردن يرى ترسيمًا للحدود في تلك المناطق ابتلع عشرات الآلاف من الدونمات التي لا يستطيع أصحابها في طوباس وطمون والأغوار من الدخول إليها لزراعتها إلّا في أوقات يحددها الجيش الإسرائيلي، وهو أمر يسرى تطبيقه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى قبل أكثر من (16 عامًا)، ويمثل ترجمة لمخطط الاحتلال لإقامة "الجدار الشرقي".

وبجانب هذا فإن بعض المستوطنات والمواقع العسكرية التي كانت أُخليت قبل سنوات، كمستوطنة "حومش" المقامة على أراضي قرية برقة شمال نابلس، بدأ المستوطنون بالعودة إليها وإقامة "كرفانات" في المكان، ويعودون تدريجيًا للاستيطان فيه ومنع أصحاب الأراضي من أهالي برقة والقرى المجاورة من استخدامها.

وحسب تقرير المنظمة الدولية فإن سلطات الاحتلال وجّهت ضربة قوية لأحد أهم القطاعات الاقتصادية الفلسطينية في الضفة الغربية، بإغلاقها نحو 35 محجرًا فلسطينيًا في الضفة الغربية أواخر آذار الماضي، ومصادرة معدات تُقدر بملايين الدولارات، وهو ما أدى إلى شلّ حركة العمل في مقالع الحجر هذه، ما يهدد بفقدان مصدر العيش لنحو 3500 عامل.

ويوثق التقرير المعاملة الإسرائيلية التفضيلية لمقالع الحجر في المستوطنات على حساب مقالع الحجر الفلسطينية، كمثال على كيف تؤدّي السياسات التمييزية الإسرائيلية إلى تقويض التنمية الاقتصادية الفلسطينية في المنطقة "ج" من الضفة الغربية، التي تشكل معظم مساحة الضفة وتخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي الأمنية والإدارية بشكل كامل، وما يمثله ذلك من تشجيع على نمو المستوطنات والنشاط الاستيطاني، بينما أصدر الجيش الإسرائيلي رخصًا جديدة لـنحو 11 مقلعًا بإدارة إسرائيلية، توفر مجتمعة 25 بالمائة من مواد البناء المستخلصة من المقالع اللازمة للسوق الإسرائيلي وللمستوطنات، وتسدد هذه المقالع رسوم الاستخراج للإدارة العسكرية الإسرائيلية، وهي فرع من الجيش الإسرائيلي، أمّا الضرائب فإنها تذهب لبلديات المستوطنات.

في السجال المحتدم بين اليمين الحاكم المتطرّف بقيادة نتنياهو، واليمين الأكثر تطرفًا بزعامة نفتالي بينيت رئيس حزب «البيت اليهودي» على تعظيم الإنجازات والتنابز بالألقاب في سباق كسب الأصوات خلال الانتخابات المقبلة، تقف الضفة الغربية ومعها المشروع الوطني برُمته في عين العاصفة، وأمام تحدٍ هو الأكبر منذ توقيع اتفاق اوسلو، في الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات، وتضيق فيه مساحة الخيارات، بينما تتزاحم القضايا والتحدّيات على سلم الأولويات العربية والدولية، لنجد أنفسنا في لحظة انكشاف فادحة، بينما نعجز حتى الأن عن تسوية قضايانا الداخلية، وَوَصْلِ ما انهدم من جسور التواصل بيننا منذ ما يزيد على ثمانية أعوام.