قراءة في انتفاضة الأقصى .. بقلم د.مازن صافي

قراءة في انتفاضة الأقصى .. بقلم د.مازن صافي
قراءة في انتفاضة الأقصى .. بقلم د.مازن صافي

قراءة في انتفاضة الأقصى .. بقلم د.مازن صافي

تشن الحكومة الإسرائيلية على القيادة الفلسطينية هجوما شرسا وتتهمها أنها غير مؤهلة لشراكة السلام .. لقد هدد باراك وأمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي بضم أراض فلسطينية ومواصلة الاستيطان وبأنه سيقيم منطقة أمنية واسعة في وادي الأردن وذلك في حال اتخذ الفلسطينيون أي خطوة أحادية الجانب ، مثل إعلان عن الدولة الفلسطينية بدون اتفاق .. 

لقد عاد باراك من واشنطن واصدر تعليماته لإعداد خطة تستهدف وتعمل على تعزيز السيطرة على القدس وخاصة الجزء العربي منها  ..لقد كان أيهود اولمرت آنذاك رئيس بلدية القدس .. لقد خرجوا بخطة خمسية لما عرف بـ " تطوير القدس " وبتكلفة  مليون دولار سنويا ..

وفي 15/9/2000 تم إقرار خطة استيطانية بمواصلة البناء في جبل أبو غنيم .. وفي 30/7 قامت سلطات الاحتلال بمصادرة نحو خمسة آلاف دونم من أراضي قرية الرشايدة جنوب بيت لحم .. لقد ارتفعت نسبة البناء في المستوطنات في عام 2000 بنسبة تزيد عن 90 % ..

لقد فشلت مفاوضات كامب ديفيد .. وأعلن الجيش حالة التأهب .. وتم دفع المزيد من القوات والدبابات والآليات والأسلحة .. لقد تم تحذير سكان المستوطنات ان مواجهات قريبة مع الفلسطينيين سوف تحدث وتم تزويدهم بأسلحة جديدة وتدريبهم تحت عنوان : " حماية المستوطنات مسؤولية كافة سكانها " ..

وبالتزامن مع كل ذلك .. أعلنت إسرائيل أنها لن تتردد في استخدام كامل قوتها بما في ذلك إطلاق النار من الدبابات والمروحيات وضرب القذائف والصواريخ من الطائرات وبدون أي تردد .. وسنخرج بكامل قوتنا .. انها المواجهة مع الفلسطينيين ..

لقد كان كل ما سبق في تموز2000 .. إنها النوايا التي سبقت تفجير الوضع .. لم يكن هناك سلام .. ولم تكن قمة كامب ديفيد كما أشيع انه أفشلها الشهيد ياسر عرفات .. الانفجار كان قادما لا محالة .. لقد كانت إسرائيل تعيش في أزمة ... ولم يكن باراك بقادر على إنقاذ مستقبله السياسي ومستقبل حكومته .. لقد كان الانفجار بانتظار الصاعق .. لم يكن الصاعق هو تمسك الرئيس عرفات بالثوابت ورفضه التنازل عن القدس أو أي قبوله بالمغريات الوهمية .. بل كان ذلك معرفا لاسرائيل ... فهم يعرفون أن الرئيس الفلسطيني لن يجازف بتاريخه وحقوق شعبه .. لهذا كان الصاعق في نظر باراك متمثلا في اقتحام وتدنيس رئيس المعارضة اليمينية آنذاك اريئيل شارون الحرم القدسي الشريف ... واندلعت المواجهات .. لقد تبنى باراك الزيارة .. ودافع عن حق زعيم المعارضة شارون في زيارة الحرم .. ولم ير فيها أي مساس  بمشاعر الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية .. بل انه اتهم الفلسطينيون بأنهم يخلقون ويوجدون الذرائع والبحث عن أسباب مختلفة لتفجير انتفاضة جديدة ..

لقد كان منطق الشهيد ابوعمار صوابا قبل انعقاد قمة كامب ديفيد ، لقد قال لهم ان الفشل سيكون الجسر الأقرب الى انفجار الأوضاع وان المنطقة ستدخل الى نفق مظلم ..ويومها رد الرئيس الأمريكي كلينتون بغضب شديد على الشهيد ياسر عرفات وقال له : " ينبغي ان أعود الى منزلي ، لقد مضى عليك هنا أربعة عشر يوما وأنت قلتَ لا لكل شيء .. هذه الأمور تترتب عليها نتائج .. الفشل نهاية عملية السلام .. فليكن ما يكون ولنعش مع النتائج ..؟! " .. وأمام هذا التهديد الأمريكي الذي تجاوب مع الرأي الاسرائيلي في كامب ديفيد ظهر  الشهيد ابوعمار قويا و حريصا على شعبه وصادقا في تحذيراته ولكن كانت هناك وجهة نظر اسرائيلية وامريكية مختلفة .. انها لعبة الانتخابات على حساب الدم الفلسطيني واستقرار المنطقة .. لقد حذر ابوعمار اسرائيل من أن تدنيس شارون للحرم المقدسي يعني انفجار برميل البارود .. وحاول ان يمنع وقوع الانفجار .. لكن القرار كان جاهزا .. لقد بدأت خطة تنفيذ التهديدات التي تلقاها عقب فشل قمة كامب ديفيد .. لقد دافع اهل القدس عن المسجد الأقصى وقالوا كلمتهم ان القدس فلسطينية وانهم سيدافعون عن مقدساتهم ومقدسهم مهما كلف الأمر ..

ان ثبات القيادة الفلسطينية وعلى رأسها موقف الشهيد ابوعمار في كامب ديفيد وتمسكه بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني ورفضه لكل الضغوط التي مورست عليه أدت حصاره والتضييق عليه وتفجير المنطقة ..

وفي 28/9/2000 لم يكن أمام الجمهور الفلسطيني والغاضب والمحتقن الا أن يستعير الوسائل التي استخدمها في الانتفاضة الكبرى السابقة وخرجت المسيرات والمظاهرات ..  واستخدمت الحجارة .. وسقط الكثير من الشهداء .. لكن اسرائيل لم تستخدم وسائل الانتفاضة الأولى بل استعرضت قوتها واستخدمت مختلف آلتها العسكرية .. لقد وصفت اسرائيل الرئيس عرفات بأنه يرئس عصابة ارهابية وانه يقف على رأس من يعطون التوجيهات للشبان الفلسطينين بإطلاق النار وتفجير العبوات .. لقد ارادوا تسويق فكرة أن اسرائيل تمارس رد الفعل المشروع وان الفلسطينيون وتحديدا السلطة الوطنية الفلسطينية تتحمل المسؤولية عن أعمال العنف وانفجار الأوضاع وتحويلها الى اسلوب عسكري .. لقد رفعوا شعار : " عرفات يهدد وجود إسرائيل " .. لقد قتلت اسرائيل في الشهر الأول لانتفاضة الأقصى 148 شهيد وسجل آلاف الجرحى .. لقد كان اطلاق النار مباشرا وقاتلا .. وعدد كبير من الشهداء كانوا قاصرين و قد تسلحوا بالحجارة واستخدموا المقاليع .. لقد قصفت اسرائيل  المناطق الفلسطينية قصفا عشوائيا واستخدمت سلاح الجو والبحرية وكانت الأسلحة المستخدمة ثقيلة وقاتلة ومدمرة .. ولقد اعتقل أكثر من ألفي فلسطيني والكثير منهم كانوا من القاصرين " اقل من 18 عام " .. لقد كانت عملية اطلاق النار على الفلسطينين العزل تتم بكثافة .. وتطور الوضع وتحولت الانتفاضة من مظاهرات ميدانية الى انتفاضة مسلحة وتغيرت معالم الأرض ووسائل المقاومة واجتاحت اسرائيل المدن وعزلتها وتم حصار الرئيس ياسر عرفات واجتياح المقاطعة عسكريا امام كاميرات العالم كله وصمت العالم على هذه الجريمة التي وصلت الى اغتياله واعلان استشهاده في 11/11/2004 .

إنها انتفاضة الأقصى ..

 

--