المصالحة إلى أين؟!! سؤال برسم الجواب ... د. أحمد يوسف

المصالحة إلى أين؟!! سؤال برسم الجواب ... د. أحمد يوسف
المصالحة إلى أين؟!! سؤال برسم الجواب ... د. أحمد يوسف
المصالحة إلى أين؟!! سؤال برسم الجواب ... د. أحمد يوسف
بعد الانجاز الكبير الذي تحقق على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، والذي أعقبه حالة من الفرح والسرور والانفراج في علاقات حركتي فتح وحماس، مما جعل السؤال الذي يطرحه الإعلاميون والسياسيون وكل المهتمين بالشأن الفلسطيني مشروعاً أكثر من أي وقت مضى، ماذا عن ملف المصالحة الوطنية؟
لا شك بأن أبناء حركتي فتح وحماس قد استعادوا الثقة بأنفسهم بعد هذين الانتصارين؛ السياسي والعسكري، وربما عادت شعبية كلّ منهما إلى ما كانت عليه في السابق، باعتبار أنهما الفصيلان الأكثر انجازاً وانتشاراً داخل الشارع الفلسطيني.
إن المخاوف التي كانت تبديها حركة حماس من انخفاض شعبيتها بسبب ضغوطات الحصار وتعثر بعض وجوه الأداء الحكومي لم تعد - اليوم - موجودة بعد انتصارها في معركة "حجارة السجّيل"، والتي أعادت للفلسطينيين ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على ردِّ الصاع صاعين للعدو المحتل، كما سرى في جسد الأمة إحساس غاب عنها طويلاً، ألا وهو الشعور بالعزة والكرامة، واستيقاظ "روح الجهاد والمقاومة"، وإمكانية مغالبة من تمَّ التسويق له بأنه "الجيش الذي لا يقهر"، وإذ بالمقاومة في قطاع غزة – وليس إيران – تقوم بردعه، وتُشهد العالم على قهره وتقهقره.
لقد شاهدت قدوم المئات من المتضامنين إلى قطاع غزة للمشاركة في الذكرى 25 لانطلاقة حماس، جاءوا من كلِّ فجٍّ – عربي وإسلامي – عميق، حتى من أوروبا ليُظهروا "النصرة والتأييد"، ويؤكدوا ارتباطهم – كعمق استراتيجي – بفلسطين؛ قضية العرب والمسلمين الأولى.
نعم؛ المصالحة اليوم هي مطلب جماهيري، ولن يغفر شعبنا لمن يعمل على تعطيل انجازها أو يمارس لغو الحديث الذي يعكر صفو الحماس لها.
إن من حق البعض أن يسأل: ما الذي تريده حماس من فتح الآن لإنهاء الانقسام؟ وما الذي تنتظره فتح من حماس لطي صفحة الماضي والدخول في شراكة وطنية؟
في الحقيقة، كان لبركات دم الشهداء تأثيراً سحرياً على الجميع، حيث أسهم هذا النجيع المبارك في جسر هوة الخلاف الذي كان قائماً بين الطرفين، ورأينا تحركات ايجابية من كلٍّ منهما تجاه الآخر؛ فحركة حماس اليوم أعلامها ترفرف في الضفة الغربية كتعبير صريح عن حالة "الانفراج في العلاقة"، والاستعداد للعمل المشترك في كل السياقات الوطنية المتاحة، من التفاهم حول الانتخابات إلى الشراكة السياسية. كما أن حركة فتح تتحرك اليوم بحرية في قطاع غزة، وهي تجري – بهمة ونشاط - استعداداتها لمهرجان الانطلاقة 48 مطلع الشهر القادم بتسهيلات من الحكومة في غزة.
إننا بانتظار المزيد من خطوات بناء الثقة، مثل: أولاً؛ التئام شمل المجلس التشريعي، وعودة النواب إلى مكاتبهم، والبدء بممارسة مهمات أعمالهم، في إطار تفاهمات على صياغات تجمع ولا تفرق لحين إجراء الانتخابات القادمة. والثاني؛ الشروع بجلسات تشارك فيها القوى الوطنية والإسلامية لوضع التصورات لعملية إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الشرعي الوحيد للشعب والقضية. أما النقطة الثالثة في مسار بناء الثقة، فهي تواصل السادة الوزراء في الضفة الغربية وقطاع غزة بما يخدم قضايا الوضع الداخلي، وحل قضايا المستنكفين والمفصولين هنا وهناك.. وكم يسعد شعبنا بأطيافه السياسية المختلفة أن يسمع بوجود اتصالات هاتفية بين الأخوين د. سلام فياض والسيد إسماعيل هنية مع حفظ الألقاب للجميع.. النقطة الرابعة والأخيرة؛ تسوية ملف الحريات وعودة المقرات التي تمَّ التعدي عليها بعد الأحداث الدامية في يونيه 2007 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك من خلال لجنة إشراف مشتركة من الجبهة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي.
وبالنسبة للجنة الانتخابات المركزية، فيمكنها المباشرة بتحديث سجل الناخبين في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل متزامن، استعداداً للانتخابات التي يمكن اجراؤها – إذا تمت المصالحة – في الصيف القادم، حتى يأخذ كل طرف حقه في التحضير لحملاته الانتخابية.
المصالحة: انتصار ثالث بانتظار الانجاز
إن علينا أن نكون على درجة عالية من الوعي والواقعية، وأن نفهم بأن متطلبات ساحتنا الداخلية لها الأولوية الآن، باعتبار أننا "رأس النفيضة"؛ أي طرف الحربة (Spear Head) وطليعة الجيش في مشروع التحرير والعودة، وهذا يستدعي من "الكل الوطني والإسلامي" العمل بالإسراع في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، ثم التحرك باتجاه بناء شراكة سياسية (Power Sharing System) وتوافق وطني في إطار رؤيتنا الجامعة لاستراتيجية التحرير والعودة، والتي سيعزز من إنجازها تقوية خطوط التواصل مع عمقنا العربي والإسلامي، وانفتاحنا على المجتمع الدولي لكسب تضامنه معنا ووقوفه خلف قضيتنا العادلة.
اليوم – والحمد لله - لم تعد لغة التفرد والمغالبة تجري على ألسنة أحد، فالكل في حماس وفتح وباقي فصائل العمل الوطني والإسلامي يتحدث عن المشاركة والشراكة السياسية، وهذا يعني الكثير لمشروعنا الوطني؛ من حيث الرؤية الاستراتيجية والمسار.
إن تصريحات الأخ خالد مشعل والأخوة في قيادة حركة حماس حول الشراكة السياسية أضحت حقيقة لا يشوبها شك أو التباس، وهي قناعة فرضتها مخاوف حالة التجاذب والاصطفاف داخل الخريطة النضالية والمجتمعية، إضافة للسنوات العجاف التي أعقبت سنوات الانقسام، وأدت إلى شرذمة الحالة السياسية، وتشتيت مواقف الدعم والنُصرة والتضامن – عربياً وإسلامياً - مع الشعب الفلسطيني .
إن الخيار الذي يمكن معه استعادة لحمتنا الوطنية والارتقاء بقدراتنا "من القوة ورباط الخيل"، وكسب مواقف التضامن الدولي واحترام العالم لحقنا في تقرير المصير، ودعم نضالات شعبنا في التحرير والعودة، هو أن نعمل سوياً في إطار شراكة سياسية دونما إقصاءٍ أو استهزاءٍ أو تهميشٍ لأحد.
لقد سبق لي تناول هذا الموضوع - قبل عامين - في دراسة بعنوان "الشراكة السياسية: طريق الوفاق والاتفاق والمصالحة الفلسطينية"؛ باعتبار أن كل الخيارات الأخرى ستقطع الحبل الذي يجمعنا بالناس، وتلقي بظلال الشك في متانة خط العلاقة بـ"حبل الله"، والذي هو مناط إيماننا والمحرك الدافع لمشروع الجهاد والمقاومة، وبدونه ستظل محاولات "السيف والكلمة" تظلع دون الوصول لهدفنا المنشود في التحرير والعودة.
ختاماً: في الوطن مكانٌ للجميع
لا شك أن الانتصار المعنوي الذي أنجزته المقاومة في قطاع غزة في حرب الأيام الثمانية، وكذلك الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة بحصوله على دولة بصفة مراقب، يمهد الطريق - الآن – وأكثر من أي وقت مضى لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وبذلك تنفرج الأمور في علاقاتنا الداخلية؛ السياسية والمجتمعية، وتتهيأ السبل في اتجاه الذهاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية وكذلك انتخاب أعضاء المجلس الوطني، ومن ثمَّ تشكيل الحكومة التي تعبر – بصدق - عن حالة الاجماع الوطني؛ أي حكومة الشراكة السياسية.
من اليوم، علينا أن نفهم بأن قواعد الديمقراطية الحقيقية تقتضي أن يجد كل مواطن أو مجموعة وطنية مساحة له في لوحة الوطن، بغض النظر عن حجمه صغيراً كان أم كبيراً، كما أن علينا أن نعي بأن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال تُوجب علينا العمل جميعاً في دائرة القواسم المشتركة، لأن المدافعة اليوم ظاهرها التنازع بين الشراكة والهيمنة، فإذا سلّمنا بمنطق الشراكة السياسية والتوافق الوطني ابتعدنا عن دائرة المغالبة، ودخلنا إلى فضاء التوافق الوطني، حيث تتوحد الرؤية حول هدف شعبنا المنشود في التحرير والعودة.