اتفــاق الرُّزمــة... بقلم / ديــاب اللــوح

اتفــاق الرُّزمــة... بقلم / ديــاب اللــوح
اتفــاق الرُّزمــة... بقلم / ديــاب اللــوح

اتفــــــــــــــــــــــــــــــــــاق الرُّزمـــــــــــــــــــــــة بقلــــــم / ديـــــــــاب اللــــــــــوح

     هناك مثل صيني يقول: " رغم أن هولو قد قفز إلى البئر إلا أنه لا يزال على سطح الماء"  , في دلالة على الاكتفاء بالحديث وترك العمل , ويبدو أننا في الواقع السياسي الفلسطيني , وبُعيد تحقيق الانتصار على العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة , والانتصار السياسي – الدبلوماسي في الأمم المتحدة , وما عشناه من لحظات فارقة في تاريخنا المعاصر, قد قفزنا إلى نفس البئر , وما زلنا على سطح المصالحة الوطنية الفلسطينية , واكتفينا بالحديث وتركنا العمل لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة , ولم نُقرن الأقوال بالأفعال كعادتنا في سنوات الانقسام البغيض , ووقعنا مجدداً في دائرة الاشتراطات والاشتراطات المتبادلة .

    من يعيش واقع الانقسام المرير في غزة , وما خلَّفه من تبعات وتداعيات كارثية على مجمل الأوضاع الفلسطينية في الداخل والخارج , يدرك أنه من الصعب بل إنه لمن المستحيل معالجة كافة قضايا الانقسام دفعةً واحدة , وأنه لا بد من جدولة الأولويات الملحة والبدء في خطوات عملية , والمباشرة في إجراءات بناء الثقة ومد جسور التعاون والمودة , لضمان إحداث انطلاقة جدية في المصالحة الوطنية والأهلية والمجتمعية وضمان إستمراريتها وعدم توقفها تحت أي ظرف من الظروف , وقد يحتاج  تسوية قضايا الانقسام المستفحلة في الواقع الفلسطيني إلى وقت أطول من الوقت المهدور في مرحلة الانقسام , لكن من الأهمية الوطنية بمكان البدء في خطوات عملية والشروع في تنفيذ اتفاقات المصالحة الموقعة .

    إن تنفيذ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة من شأنه أن يقدم الإجابات الشافية على كل الأسئلة المطروحة , ويرد على الاشتراطات المرفوعة من هذا الطرف أو ذاك , دون أن نغرق في تفسيرات من جاء أولاً الدجاجة أم البيضة , فالانقسام شر وقع في الشعب الفلسطيني وأوقع به ولا غالب ولا مغلوب فيه .

    إذ أن بدء المشاورات الجدية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتي يجب أن يتم تشكيلها من القوى السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة , وأن يكون لدينا حكومة فلسطينية واحدة ترمز إلى نظام سياسي واحد لهو الخطوة الأولى الحقيقية للبدء في سبر غور كافة قضايا وملفات الانقسام , والمباشرة في ترتيب البيت الفلسطيني على كافة المستويات .

    ويواكب عملية المشاورات لتشكيل الحكومة السماح للجنة الانتخابات المركزية باستئناف عملها في المحافظات الجنوبية لإعداد سجل الناخبين , حيث أنه مع تولي الحكومة الفلسطينية الجديدة مسؤولياتها الدستورية , يعقد الإطار القيادي المؤقت الانتقالي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يُجمع الجميع في الشعب الفلسطيني على أنها تُشكل المرجعية الوطنية والسياسية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات , ويتيح الفرصة لبحث كافة التفاصيل والملفات العالقة سواء ذات الصلة بالحكومة أو ذات الصلة بالمنظمة , بما فيها تحديد الموعد المناسب وطنياً للذهاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.

    الذهاب إلى الانتخابات العامة يحتاج إلى مناخ وطني سليم مُعافى , ومعالجة كافة المشاكل والاستحقاقات العالقة والموجعة لشرائح واسعة من الشعب والجماهير, ولا بد من خلق بيئة سياسية ومجتمعية مناسبة تُشكل حاضنة وطنية دافئة لكل الخطوات القادمة على طريق المصالحة وترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني , لكي نُؤسس لمستقبل واحد واعد للجميع , يعيد الاعتبار لمفاهيم العمل الوطني الجماعي المشترك والشراكة الوطنية والسياسية والنضالية الحقيقية بين أبناء الشعب الواحد وأصحاب القضية الواحدة , وأقطاب الكل الوطني الفلسطيني , لكي تكون المصالحة الوطنية والأهلية والمجتمعية بوابة للبناء والإصلاح وإعادة الأعمار وتحقيق التنمية المستدامة والازدهار وبناء مجتمع رغيد تتكافأ فيه الفرص لكل الفلسطينيين , لصيانة الحقوق والثوابت وحماية المشروع الوطني , وتجسيد إقامة الدولة على الأرض بين دول المنطقة والعالم .

    إن الذهاب إلى الانتخابات العامة بكل مستوياتها دون تسوية قضايا ومشاكل الانقسام ودون حل الإشكاليات الكبرى على الأقل , لن يحقق الآمال المرجوة والنقلة النوعية المطلوبة في الواقع الفلسطيني , وقد يهدد لا سمح الله بانتكاسة خطيرة لا تعيدنا إلى مربع الانقسام فقط وإنما إلى ما هو أخطر منه على وحدة الشعب والأرض ومستقبل القضية ومستقبل النظام السياسي الفلسطيني , بالإضافة إلى إن الذهاب للانتخابات يتطلب رفع مستوى الجاهزية الذاتية لدى كل طرف ورفع مستوى الجاهزية الوطنية بشكل عام , وأن نذهب إلى صناديق الاقتراع ونحن على قناعة وثقافة وطنية راسخة بالتسليم والقبول بالنتائج , والإقرار بمبدأ تداول ونقل السلطات بشكل ديمقراطي وسلمي , وقبول الآخر وقبول الشراكة الوطنية معه , للتأسيس لقاعدة ائتلاف وطني واسع بين فتح وحماس وكافة القوى الوطنية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني , وأن يُمثل هذا الائتلاف بشكل مبدع ومتوازن في كافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية , وحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية القادمة , وأن يتم العمل بكل مسؤولية وطنية لبناء المؤسسات والهيئات الفلسطينية بما فيها المؤسسة الأمنية استناداً إلى القوانين الفلسطينية المعمول بها , لبناء مجتمع القانون , ودولة المؤسسات , دولة حرة مستقلة كاملة السيادة تُصان فيها الديمقراطيات والحقوق والحريات العامة .