خبر خطاب الرئيس عباس في حسابات التوقيت وأولويات العالم

خطاب عباس في الامم المتحدة
خطاب عباس في الامم المتحدة

كتب: محمد أبو عرقوب

التعاطي الفلسطيني الداخلي لخطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بني على أسس الانقسام، والتعاطي الدولي بني على توقيت فيه أولويات لا تشمل فلسطين.

التعاطي الدولي

صعد الرئيس محمود عباس إلى المنصة في اليوم الثالث من أعمال الجمعية العامة، وكان الرئيس هو المتحدث رقم (10) في جلسة بدأت في التاسعة صباحا بتوقيت نيويورك ضمت حسب الأجندة كلمات بالترتيب لزعماء وممثلي دول (بلغاريا-بنما-سيريلانكا-كرواتيا-كوستاريكا-غانا-توغو-بنين-نيجيريا-فلسطين)؟

يدلل يدلل على أن الحضور ليسوا أساسيين في ملف القضية الفلسطينية، ولم يشمل أي مسؤول ذا أهمية أو ثقل دولي أو حتى عربي.

ألقى الرئيس محمود عباس ما يقرب من 2000 كلمة توزعت على سبع صفحات ونصف، منها 1850 كلمة كررت مواقفه في خطابه الذي ألقاء في أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في ذات الشهر من عام 2014.

التصفيق كان حاضرا في القاعة، فقد تولى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي متابعة نص الخطاب والتصفيق بين فكرة وأخرى متجاوبا معه رئيس الوزراء رامي الحمدلله الذي جلس بجانبه، ومسؤول ملف المفاوضات صائب عريقات الذي كان يجلس خلفهم. لم يكن التصفيق ذا دلالات هامة فالحضور صفقوا تماشيا مع طلب الوزير الفلسطيني.

أما الجديد فقد تلخص في 150 كلمة وردت في الصفحة السابعة، منها 55 كلمة أعلن فيها أنه " لا يمكننا الاستمرار في الالتزام بهذه الاتفاقيات" أي اتفاقيات أوسلو.

وخصصت 65 كلمة في النصف الأخير الذي تلا الصفحات السبع قائلا " إنني أمد يدي للسلام العادل... وكلي أمل بأن تعيدوا قراءة الواقع...".

في لغة السياسة الدولية لم يعلن الرئيس عباس فعليا إلغاء اتفاقية أوسلو أو تعطيلها، بل عبر عن عدم القدرة على الاستمرار بهذا الحال، مؤكدا أنه يده ممدودة للسلام وينتظر التجاوب.

لهذا مضت الساعات ولم تصدر مواقف دولية تعليقا على حديث عباس، سوى إجابة قدمتها مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني حينما سألها أحد الصحفيين في مؤتمر صحفي عن تعليقها على خطاب الرئيس عباس.

المسؤولة الأوروبية قالت "لقد قرأت الخطاب وفهمنا تأويلاته، إنه صرخة استغاثة..." في إشارة إلى طلب الرئيس الحماية الدولية وأن يده ممدودة للسلام، ولم تعتبر مورغيني أن عباس عطل الاتفاقات.

ثم اعتذرت مورغيني من الصحفيين قائلة "علي المغادرة فلدي اجتماع هام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو".

ورغم أن الخطاب موجه إلى إسرائيل والولايات المتحدة وجاء بموافقة ومباركة عربية لمضمونه، إلا أن أحدا من هذه الأطراف لم يستمع إلى الخطاب.

الجميع مشغولون بمصير الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم داعش وأنشطة روسيا العسكرية في سورية وملف إيران النووي.

بدأ الرئيس خطابه متزامنا مع جلسة لمجلس الأمن بدأت في العاشرة صباحا ضمت وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية وممثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي لمناقشة مشروع قرار روسي لمحاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وبحث سبل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

لم يعد مصطلح السلام مقتصرا على الفلسطينيين والإسرائيليين، فالسلام مطلوب في العراق وسورية ومصر والسودان وليبيا واليمن،

ومطلوب بين العرب وإيران، وبين إيران والولايات المتحدة، وبين تركيا ومصر وغيره.

الوزير الأميركي جون كيري التقى وزراء دول مجلس التعاون الخليجي في الأمم المتحدة لبحث ملفات ذات علاقة بملف إيران النووي ومحاربة تنظيم داعش.

تلك المعطيات التي تغيب عن الشارع الفلسطيني يجب التوقف عندها والاعتراف للشعب صراحة أن علم دولة فلسطين رفع على مبنى الأمم المتحدة وهو إنجاز تاريخي لفلسطين.

لكن من الضرورة مصارحة الشعب بأن قضية فلسطين أضحت ضئيلة في الميزان الدولي، بل لا تكاد ترى مقارنة مع ملفات سورية واليمن والعراق وداعش والاتفاق النووي الإيراني، والمصالح الأميركية الروسية في العالم.

التعاطي المحلي

علينا أن نعترف أننا منقسمون حول المقاومة ومنقسمون حول العمل الدبلوماسي الدولي، وهذا ليس خفيا، لكنه يستنزف قدرات الشعب الفلسطيني بكل تأكيد.

تعاملت أكبر الفصائل الفلسطينية (فتح وحماس) مع الخطاب من منظور الانقسام الضيق والأعمى، فقيادات فتح وبعض المسؤولين

قدموه انتصارا وجندت كتابها ومحلليها لتقديم خطابات الانتصار بكلمات ثورية خالية من المعلومة.

أما حماس فوصفت خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ"العاطفي"، وهي أيضا جندت كتابها لتسخيف الحدث.

وبالمناسبة تخترع حماس في كل المناسبات مصطلحات سياسية لا تخطر على بال أحد، فهل يمكن لفصيل مقاوم وضخم كحماس أن يكتفي بكلمة "عاطفي" وماذا تعني في قاموس السياسة؟

إن حماس تسخر من تحرك الرئيس السلمي الدولي كرد على سخريته من صواريخ المقاومة، وهذه مناكفة كسرت ظهر الفلسطينيين.

يصعب ربما على الباحثين المتخصصين قراءة وتحليل ردات فعل الشارع الفلسطيني لمعرفة مدى انسجامه مع قيادته السياسية، ففي رام الله اجتمع بعض المواطنين المؤيدين للرئيس أمام شاشة كبيرة لمشاهدة الخطاب وهو تقليد تكرر لأكثر من مرة واحتفلوا سلميا.

لكن في الخليل خرج ملثمون من كتائب شهداء الأقصى وأطلقوا مئات الطلقات النارية في الهواء احتفالا بالخطاب السلمي.

لو عرف الرئيس بفعلتهم وهو الذي أكد أنه لن يستخدم العنف بل سيلجأ للطرق القانونية والسلمية، لغضب. فما معنى صوت الرصاص المحتفل بخطاب سلمي يلجأ للقانون الدولي والمحافل الدولية.

الاندفاع نحو الخلف

في خطابه أمام أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة وبتاريخ 26 أيلول 2014، قال الرئيس محمود عباس في آخر جملة من خطابه " هناك احتلال يجب أن ينتهي الآن، وهناك شعب يجب أن يتحرر على الفور. دقت ساعة استقلال دولة فلسطين وأعتقد أنكم تسمعون لدقاتها".

وبعد سنة وثلاثة أيام ومن على ذات المنصة وبنفس المناسبة يعلن الرئيس عباس أنه لن يستمر بالالتزام باتفاقيات أوسلو ويدعو إسرائيل لتحمل مسؤولياتها كسلطة محتلة، معلنا فلسطين دولة محتلة لا دولة مستقلة.

إنه الاندفاع إلى الخلف بكل ما يحمله من ضعف تعاني منه القضية الفلسطينية في ظل إلحاح عربي على ضرورة إعطاء ملف سورية والاتفاق النووي وداعش أولوية.

تلك الأولويات تأتي على حساب قضية فلسطين التي بلغت سن الشيخوخة بما يقرب من 70 عاما فلا مشكلة لو انتظرت عشر سنوات أخرى، فالموتى العرب في سورية والعراق وليبيا واليمن يفوق بأضعاف مضاعفة ما يقتله الإسرائيليون من الفلسطينيين.

وليس من الجيد التعويل على الاتحاد الأوروبي فقد غرق في أمواج الهجرة واللجوء، التي بلغت أرقاما غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

وليس من الجيد أيضا التعويل الآن على الولايات المتحدة التي تتحضر للسباق الرئاسي. كما ليس صحيحا أن قضية العرب الأولى هي فلسطين.

لقد تأخر الفلسطينيون 15 سنة، وربما عليهم أن ينتظروا رئيسا جديدا للولايات المتحدة قد يكون على أجندته إنهاء نظام الأسد واختبار الاتفاق النووي وإضعاف داعش. وربما علينا الاحتفاظ بما نحن عليه الآن 15 سنة أخرى، قد تكون كافية لإنهاء الانقسام والنهوض من جديد.