دولة العواجيز العميقة

دولة العواجيز العميقة
دولة العواجيز العميقة

كتب / عبد الرحمن التميمي

 نزل الشباب العربي الى الشارع في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، وفعلا استطاع اسقاط أنظمة هذه الدول ولكن الذي تفاجأ به هؤلاء الشباب أنه بعد الهدوء النسبي للعاصفة بدأت الدول العميقة بشخوصها وبناها وقدراتها تظهر من جديد، ورجع نظام العواجيز أو من أفرزتهم الدول العميقة لكل من مصر وليبيا وتونس واليمن، وأصبح هذا الشباب الثائر خارج التأثير بل أحيانا أداه في يد بنى الدول العميقة.

أما في الحالة الفلسطينية فدولة العواجيز ما زالت تمسك بزمام المجلس الوطني ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية.

وقد انتقل نظام العواجيز العميق من المنظمة الى السلطة بعد نشوئها فقد ورثت السلطة الترهل الإداري ونظام الزبائنية التي كانت تخضع له أجندة المنظمة التي تعاني من خلل بنيوي، ورثت السلطة هذا الخلل وما زال الشعب الفلسطيني يدفع الثمن من الترهل الإداري والبيروقراطي والمحسوبية والزبائنية.

ان الدعوة لعقد جلسة مجلس وطني اعتيادية ومن ثم تحويلها الى طارئة في حال لم يكتمل النصاب ليست الا محاولة لدولة العواجيز العميقة التي فقدت شرعيتها القانونية والمجتمعية وحتى الثورية التي كان يرتكز لها الكثيرون، فقد مضى تسع سنوات على آخر انتخابات رئاسية ومثلها على التشريعي ولم يعقد المجلس الوطني منذ عشرين عاما، اذا لا بد من حركة لتجديد شرعية العواجيز وانتخاب لجنة تنفيذية يتحكم بها بنية العواجيز العميقة سواء بالتوريث للأولاد او بتوريث الزبائن من النخب المنافقة، ومع الاحترام والتقدير لتاريخ جزء كبير من هؤلاء العواجيز الا ان هذه المحاولة لخلق استمرارية لبنى عميقة قديمة لن تنجح لأسباب كثيرة. ان الأزمة الفلسطينية أحد مظاهرها شرعية المؤسسات ولكن الأزمة الحقيقية هي فشل المشروع السياسي الفلسطيني في اقامة دولة مستقلة، ولهذا فان البنى القديمة أو التي ستنتج من خلال مهندسي البنى القديمة ستقود الى نفس النتيجة لأنها محكومة بعوامل ذاتية وعوامل اقليمية ودولية.

ان محاولة اعطاء الانطباع بأن انتخاب لجنة تنفيذية جديدة هو تجديد للشباب وشرعية النظام السياسي هي محاولة فاشلة أولا بسبب انطباع الجمهور، ان هذه مسرحية ولسبب آخر هو أن الشرعيات تجدد فقط

بالإنتخابات لمجلس تشريعي ووطني ورئيس ما عدا ذلك لا شرعية لأحد لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وبسبب تهميش أجهزة المنظمة بدأت مؤسسات السلطة تأخذ تركيبة بيروقراطية في الحكم ولهذا فان تجديد اللجنة التنفيذية لن يترك الأثر الكبير على حياة الناس وعلى الأداء السياسي، الأمر الذي سيجعل التغيير في الوجوه أمرا شكليا في نظر المجتمع المحلي والدولي.

تأسيسا على ما سبق يجب عدم خلق الأوهام من أن انعقاد المجلس الوطني سواء كان عاديا أو غير عاديا هو الحل فسيبقى نظام العواجيز العميق، وستبقى أزمة المشروع الوطني العميقة، وستبقى أزمة السلطة المهترئة عميقة، والحل الشافي إعادة هيكلية كافة البنى لتخدم مشروع التحرر والاستغلال وهذا يأتي من الانتخابات أولا ومن تجديد ثقة الناس ثانيا وأخيرا من اسدال الستار على مرحلة تاريخية سابقة أثبتت فشلها لأسباب عديدة.