كتب ابراهيم ملحم .. وماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا؟!!

كتب ابراهيم ملحم  .. وماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا؟!!
كتب ابراهيم ملحم .. وماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا؟!!

كتب ابراهيم ملحم -

الصورة المدوية التي احتلت الصفحات الاولى للصحف العالمية واكتظت بها المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي طيلة الايام الماضية ستطيح عاجلا ام اجلا بالسياسات الغربية الباردة التي اسهمت بصمتها ولا مبالاتها في بلوغ المآساة السورية هذا المستوى من الفجيعة تماما كما اطاحت صورة الطفلة الفيتنامية "كيمفان" وهي تركض محترقة بقنابل النابالم الامريكية عام 1972 بدعاة استمرار الحرب في فيتنام.

لن تسقط صورة ايلان المسجى على حافة الموج بكامل اناقته، وعميق غفوته، وسحر نومته، لن تسقط من ذاكرة التاريخ كشاهد على ظلم ذوي القربى، وهو الظلم الذي دفع الاف الاسر العربية الى ركوب البحر هربا من اوطان اصبحت مقابر لشعوبها، وبلاد جارت على اهلها حتى باتت امواج البحر أرحم لها من بطش ملوكها وحكامها، الذين ساموا الناس خسفا وذلا وظلما فمات اطفالهم امام اعينهم وفي احضانهم جوعا وحرقا واختناقا.

يذهب ايلان وشقيقه ووالدتهما الى مثواهم الاخير بينما ما زال الالاف من اترابهم يتضورون جوعا وهلعا من كآبة المنظر وسوء المنقلب في كارثة لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية.

مأساة الرضيع ايلان تختصر مأساة أمة كانت خير أمة اخرجت للناس قبل ان يتوزع نثارها على صحراء التيه وبحر الظلمات، لتصبح بلاد الغرب اوطانا لشعوب طالما تغنت بـ "بلاد العرب اوطاني"!!

ما الذي يمكن ان يقوله عمر ابن كلثوم لو عاد اليوم ورأى البحر وقد امتلأ بالسفن المكتظة بالهاربين من جحيم الاوطان، والبر وقد ازدحم بالخيام، واستحالت الاوطان خرائب يموت فيها الناس عطشا وجوعا، ويسامون فيها ذبحا وسبيا وذلا، بينما تخر الجبابر لهول الصور الصادمة المدوية لاطفالنا الطالعة من البحار وقد قذفت امواجها باجسادهم الطرية على رمال الشواطئ الغربية في اوسع تغريبة عربية لا تبدو اية اضواء في انفاقها المظلمة.

هذه ابيات من المعلقة الملحمية من الشعر الجاهلي لعمرو بن كلثوم سيد قبيلة تغلب ويقال إنّ قصيدته المعلقة كانت تزيد على ألف بيت أنشأ الشاعر قسماً منها في حضرة عمرو بن هند ملك الحيرة لحل الخلاف الناشب بين قبيلتي بكر وتغلب، بينما استشاط الملك غضباً حين وجد أن الشاعر لا يقيم له وزناً.

وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً... وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا

 

إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً... أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِيْنَـا

مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا... وماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا

إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا رضيع ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا