بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الدكتور حيدر عبد الشافي بقلم الكاتب نعمان فيصل

بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل  الدكتور حيدر عبد الشافي     بقلم  الكاتب نعمان فيصل
بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الدكتور حيدر عبد الشافي بقلم الكاتب نعمان فيصل

بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل

الدكتور حيدر عبد الشافي

 

بقلم الكاتب نعمان فيصل

 


لقد عرّفَ برناردشو الوطنية على أنها (قناعتك بأن وطنك أرقى بلاد العالم، لأنك ولدت فيه)، وهذه أيضاً قناعة شعب فلسطين، ولا غرابة أن يكون الدكتور حيدر من هؤلاء الأبناء المخلصين لوطنهم وأمتهم، ها هو يخاطب غزة هاشم مسقط رأسه قائلاً:

مدينتي أحببتها محبة البنين

 

وإن نسيت عهدها لتنسني اليمين

فهو مثل الزعماء الكبار الذين حملوا كاريزما المناضل الهادئ الحازم بدون ضجيج، آمن بقضية شعبه وبالمبادئ الرئيسية لحركة التحرير الوطني في العالم، وهي تحرير الأرض والشعب من الاستغلال، وإن كلمة السر لديه ونظافة اليد سر قوته والصدق في المصارحة نزهته عن تبرير الأخطاء السياسية أو تجميلها، جاب العالم تاركاً حيثما حلَّ جهوداً مثمرة، ونشاطات خيرة وأعمالاً ناجحة سرعان ما جعلت منه قطباً من أقطاب رجال السياسة في القرن العشرين؛ فكان عنواناً سياسياً بارزاً في سماء النضال الفلسطيني، وعندما اختير ليرأس الوفد الفلسطيني في مدريد عام 1991 لم يكن اختياره من فراغ، بل لأنه كان عموداً للقضية الفلسطينية، فكان للحق لفظاً وسلوكاً، وهذا ما يميزه عن الآخرين، وهو لم يدخل السياسة من بابها التقليدي بل من باب الأخلاق، وهو كثيراً ما يردد قول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

 

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولد الدكتور حيدر عبد الشافي في مدينة غزة عام 1919، (سليل عائلة وجيهة وكريمة، ظهر منها علماء وفقهاء، فوالده المرحوم الشيخ محيي الدين الذي عُرف بعلمه الغزير ومواقفه الوطنية). أنهى الدكتور حيدر دراسته الثانوية في الكلية العربية في القدس عام 1937، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، وحصل على بكالوريوس الطب عام 1943، وبدأ حياته العملية طبيباً في مدينة يافا، ثم في الكتيبة الثانية بالجيش الأردني، ثم انتقل إلى غزة، ولم تستهوه الإغراءات المالية للعمل في دول الخليج العربي، عمل مديراً عاماً لإدارة الصحة خلال الفترة (1957-1960)، وفي عام 1957 تزوج من السيدة هدى غالب الخالدي، وفي نوفمبر من عام 1956 اختير عضواً في مجلس بلدية غزة برئاسة رشدي الشوا، ونظراً لما عُرف عنه من سماحة خلقه وإيثاره للتفاهم وميله إلى المجاملة وتمسكه الشديد بما يراه حقاً حتى لو أغضب صديقاً أو عظيماً، فقد نُحي عن عضوية المجلس البلدي في مارس من عام 1957، وكذلك عن منصب مدير عام إدارة الصحة. وفي عام 1962 أصبح رئيساً للمجلس التشريعي لقطاع غزة، وحينما حاول المجلس إبراز الكيان الفلسطيني، وجعل غزة قاعدة لهذا الكيان قامت الإدارة الحاكمة بقطاع غزة وقتها بإفراغ المجلس التشريعي من العناصر الفاعلة والنشطة فيه وعلى رأسهم الدكتور حيدر ومعه: جمال الصوراني، وفاروق الحسيني، وآخرون... يقول حسين أبو النمل: "لا يمكن التغاضي عن عملية إفراغ المجلس التشريعي من العناصر الفاعلة والناشطة فيه والتي كانت وراء القرارات (المحرجة) التي صدرت عنه، والتي كانت تتناقض وتصورات الإدارة القائمة، ومن تتبع نقاشات المجلس التشريعي حتى العام 1965 يتضح لنا أن هناك أعضاء كانوا يشكلون محور النقاش والاقتراح والتصدي، ويأخذون زمام المبادرة دائماً، هؤلاء الأعضاء أبعدوا عن المجلس التشريعي... فحيدر عبد الشافي وفاروق الحسيني وجمال الصوراني استوعبوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير..". كان عضواً فاعلاً في المؤتمر الفلسطيني الأول بالقدس عام 1964 في عهد (أحمد الشقيري) مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، واختير عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعندما قدم الشقيري استقالته من اللجنة التنفيذية في المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة في حزيران عام 1965 لم يُشارك الدكتور حيدر في اللجنة التنفيذية. وفي عام 1969 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإبعاده إلى سيناء المصرية، كما فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله مرات عديدة.

يعتبر من مؤسسي المجتمع المدني الفلسطيني منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين حيث بادر إلى تأسيس جمعية الهلال الأحمر بغزة عام 1969، والتي لم يُسمح لها بالعمل إلا في صيف 1972، وترأسها لعقود طويلة حتى وفاته.

 كلفته منظمة التحرير الفلسطينية رئاسة الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد في عام 1991، كما أسندت إليه مهمة رئاسة الوفد الفلسطيني المفاوض في مباحثات واشنطن على امتداد 22 شهراً خلال عامي 1992-1993 إلى أن استقال من الوفد في أبريل 1993 لأسباب موضوعية.

 بعد عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لأرض الوطن خاض أول انتخابات تشريعية في 20 كانون الثاني عام 1996، وحصل على أعلى أصوات الفائزين من أعضاء المجلس التشريعي، إلا أنه استقال في آذار 1998 من عضوية المجلس التشريعي نظراً لما عُرف عنه من جرأة وصلابة في مواقفه الوطنية، وفيما يتعلق بكرامته الشخصية.

اختير من قبل شخصيات وطنية ومؤسسات خيرية في العالم العربي والإسلامي ليكون مسؤولاً ومفوضاً لتوزيع مبالغ مالية على أُسر الشهداء والفقراء والطلاب المحتاجين؛ ولما عُرف عنه من نظافة اليد وصفاء السريرة.

أسس في عام 2002 المبادرة الوطنية الفلسطينية مع الدكتور مصطفى البرغوثي والأستاذ إبراهيم الدقاق.. وآخرين، وتولى مهمة أمينها العام. ودعم المرشح مصطفى البرغوثي في ترشحه لمنصب الرئاسة الفلسطينية في الانتخابات التي جرت في كانون ثان 2005، ورأى فيه مناضلاً جديراً لهذا المنصب السياسي الكبير.

عرفته جيداً وقد لعب القدر دوراً هاماً في الجمع بيني وبين الدكتور حيدر، لبناء صداقة من أثمن ما حققت في حياتي، وكنت ألتقيه دائماً في المكتبة الهاشمية بغزة.. إضافة لذلك ربطته صداقات حميمة مع كل الوطنيين والأحرار في هذا العالم.

 في عام 2006 أُصيب بمرضٍ عضال، وأذكر أن الرئيس محمود عباس قد تناوب على زيارته في منزله مرات عديدة للاطمئنان على صحته تقديراً لجهود هذا المجاهد الكبير.

قضى نحبه بعد حياة حافلة بالعطاء متفيئاً ظلال شهر رمضان المبارك في 25/9/2007، ووري الثرى في مقبرة الشهداء الإسلامية شرق مدينة غزة، وفقدت فلسطين بوفاته وجهاً عربياً كريماً ووطنياً كبيراً، ونعته القيادة الفلسطينية، وله ثلاثة أبناء وبنت وهم: (خالد، طارق، صلاح، هند).