من الذي خوّلكم؟ ...د. صبري صيدم

من الذي خوّلكم؟ ...د. صبري صيدم
من الذي خوّلكم؟ ...د. صبري صيدم

من الذي خوّلكم؟ ...د. صبري صيدم

لا يخلو بيان صادرٍ عن جهة حزبية أو دينية أو عسكرية أو طائفية في عالمنا العربي، إلا ويتحدث هذا البيان باسم الشعب استمداداً للقوة واستئساداً على الناس، برغبة مسروقة من الشعب وتفويضٍ افتراضيٍ من المغلوبين على أمرهم واستجارة بمن لم يستجر من مسحوقي العالم العربي.
حتى القنوات الفضائية العربية، خاصة الدينية الطائفية منها تصادر صوت الشعب وحق الشعب ورؤية الشعب وقرار الشعب ورغبة الشعب! الشعب المسكين المسلوب الإرادة الذي يتاجر فيه أصحاب البيانات الرنانة والمواقف العنترية والبطولات الوهمية. باسم الشعب نقتل ونبطش ونسلب ونضرب، وباسمه نقصف ونكسر وندمر حتى نحقق إرادتنا.
وكم من دماءٍ سفكت وأرواحٍ زهقت ونفوس قتلت وبيوتٍ دمرت وكنائس أُحرقت ومساجد قصفت ومصانع نهبت ومدارس فجرت وسجونٍ نصبت وأطفال يتمت ونساءٍ رملّت وقلوبٍ عذّبت وجامعاتٍ عطلّت.. كل ذلك باسم الشعب المسحوق اليائس الذي خارت أركانه فلا يقوى على سحق بعوضة. الطمع والجشع وحب الكراسي وعقدة السلطة كلها الأساس للتطاول على الناس ومصادرة مواقفهم ونزع إرادتهم. ولو صدقت هذه البيانات والمواقف وكان الشعب مسؤولاً عن كل الدم الذي سال، خاصة خلال العقود الماضية والخمسة أعوامٍ الفائتة لاستحق الناس وبجدارة أن يكون مصيرهم جهنم وبئس المصير.
لكن من يحاسب من العالم العربي خاصة مع سواد الجهل وغياب الإنتاج المعرفي وسطوة الفراغ الفكري وانعدام التطور العلمي واندثار الإنتاج الثقافي واستماتة الناس جراء الخوف على اقتصار حياتها (ولا ألومها) على توفير كسرة الخبز وأمنها الشخصي؟
من يحاسب من في ظل استسهال الاستشهاد بالناس والاتجار باحلامهم واحتلال أمسياتهم بحلقات السباب والذم والقدح على فضائياتنا العربية التي تدعي الحياد ولا تمتلك منه شيئاً.
تجهيلٌ علمي وفكري وعقائدي يعيشه العرب اليوم في خريف ربيعهم وشتاء صيفهم واختلاف فصول الكون حتى أنهم باتوا ضحايا الفصول كلها، فصول النكبة والنكسة وفنون ‘الوكسة’ وما جمعته اليوم من دمارٍ شاملٍ فكريٍ وعقائديٍ وقيمي حتى تحولنا من عالمٍ قيمي إلى عالمٍ عدمي تسلب مع أبطال الفضائيات وشيوخ العنتريات بقايا الإرادة. وينسى أصحاب البيانات والمتحدثون باسم الشعب المسحوق بأن ضالتهم لن يجدونها في كنيسة يفجروها ولا مسجد يدمرونه ولا جمهورٍ يشترونه ببعض الخطب والأوهام وإنما ضالتهم في القدس ومساجدها وكنائسها التي تنتظر الدعم والتحرير.
كفى استهزاءً بمصائر الناس وأمانيها وطموحاتها وكفى ‘استهبالاً’ لبسطاء العالم العربي وتسطيحاً لأحلامهم إما بالخطب أو بالقتل على أرضية الولاء السياسي أو الانتماء الديني.. العالم وصل إلى مجراتٍ جديدة ونحن ما زلنا في رحلة البحث عن جهنم!

‘ كاتب فلسطيني