كبار المدراء التقنيين حول العالم غير مستعدين للتحول للعصر الرقمي

كبار المدراء التقنيين حول العالم غير مستعدين للتحول للعصر الرقمي
كبار المدراء التقنيين حول العالم غير مستعدين للتحول للعصر الرقمي

كبار المدراء التقنيين حول العالم غير مستعدين للتحول للعصر الرقمي 

 دبي /جمال المجايدة 

يقول الخبراء إن العصر الرقمي، وهو الاسم الذي يطلقونه على الحقبة الثالثة من التقنية المعلوماتية المؤسسية، قد بدأت بالفعل؛ بَيْدَ أن دراسة استطلاعية عالمية موسَّعة أجرتها مؤخراً وحدة برامج التنفيذيين لدى «جارتنر» لرصد آراء كبار المديرين التقنيين حول العالم أظهرت أن غالبية كبار المديرين التقنيين غير مستعدين بعد لذلك العصر. إذ أظهرت الدراسة أن العديد منهم يبدون غير مهيئين الآن للمهمة المزدوجة الماثلة أمامهم المتمثلة في بناء الريادية التقنية من جهة وإعادة ابتكار جوهر البنية التحتية المعلوماتية والقدرات حسب مقتضيات العصر الرقمي. كذلك أظهرت الدراسة الاستطلاعية أن 51 بالمئة من كبار المديرين التقنيين يشعرون بالقلق من عجزهم عن مواكبة السيول الرقمية المتدفقة، إِنْ جاز التعبير، فيما أعرب 42 بالمئة منهم عن قناعتهم أنهم لا يملكون القدرات اللازمة لمواكبة الحقبة المقبلة.

 

وفي هذا الصدد، يقول ديف آرون، نائب الرئيس وزميل «جارتنر» - المجموعة البحثية لكبار المديرين التقنيين: "يمثل 2014 عاماً مِفْصلياً يستلزم الكثير من التغيير إن كان كبار المديرين التقنيين حريصين بالفعل على دعم شركاتهم والهيئات العامة في عالم تهيمن عليه التقنية الرقمية".

 

وأشارت «جارتنر» إن الدراسة الاستطلاعية العالمية أُجريت خلال الربع الأخير 2013 واستطلعت آراء 2,339 من كبار المديرين التقنيين في 77 بلداً يديرون ميزانيات تتجاوز قيمتها حاجز 300 مليار دولار أمريكي. ويمثل التقرير الصادر عن «جارتنر» بعنوان: "ترويض التنين الرقمي: أجندة كبار المديرين التقنيين لعام 2014" الدراسة التحليلية الأشمل لأوليات الشركات واستراتيجيات كبار المديرين التقنيين للمرحلة المقبلة.

 

وخلال الحقبة الأولى من التقنية المعلوماتية المؤسسية انصبَّ الاهتمام على دور التقنية المعلوماتية في تسهيل إنجاز أشياء غير مسبوقة كانت أقرب إلى الخيال في حينه – مثل أتمتة العمليات لتسريع وتوسيع وتيرة الإنجاز، وتزويد قادة الأعمال بمعلومات لم تكن متاحة من قبل. وانتقل العالم خلال العقد المنصرم إلى الحقبة الثانية من التقنية المعلوماتية المؤسسية، وهي مرحلة تطوير التقنية المعلوماتية المؤسسية والارتقاء بموثوقيتها وشفافيتها وانفتاحها وتعزيز معايير التنبؤ بمسارها. ربما لا يختلف اثنان على أهمية الحقبة الثانية، غير أنها لم تشهد الابتكار المرجوّ بسبب تقليص ميزانيات إدارات التقنية المعلوماتية، كما نأت الشركات بنفسها عن المخاطرة أياً كان حجمها.

 

واليوم، وفي مستهل الحقبة الثالثة من التقنية المعلوماتية المؤسسية، نجد أن التوجهات التقنية والمجتمعية، مثل البوتقة التقاربية التي يتوقع خبراء «جارتنر» أن تجمع بين التقنية السحابية والتقنية التنقلية ومواقع التواصل الإنترنتية والمعلوماتية وكذلك مفهوم إنترنت الأشياء، قد بدأت تغيّر معالم الكثير من الأشياء من حولنا، ولا يقتصر ذلك على تمكين الشركات من الاستفادة بالشكل الأمثل من التقنية عبر توافر المعايير المرجوَّة على صعيد السرعة والتدرجية والكلفة التشغيلية المتدنية فحسب، بل تغيير جوهر الشركات من خلال المعلومات والتقنيات، وتغيير أسس المنافسة، بل وفي حالات عديدة ظهور قطاعات جديدة.

 

وفي هذا السياق، يقول آرون: "يتعين على الشركات أن تضع نُصب عينيها خلال 2014 تحقيق هدفين اثنين: مواكبة الاحتياجات الحالية على صعيد الفاعلية والنمو، وفي الوقت ذاته التحوُّل للاستفادة من منظومة رقمية تختلف في جوهرها عن كل ما سبق. وثمة مجازفة حقيقية في حال أهملت الشركات أياً من الهدفين".

 

من جانبه، قال غراهام والر، نائب الرئيس والشريك التنفيذي لدى وحدة برامج التنفيذيين في «جارتنر»: "ثمة العديد من المهارات المهمة التي باتت تتقنها الشركات خلال الحقبة الثانية من التقنية المعلوماتية المؤسسية، مثل التعامل مع الزملاء كعملاء، بَيْدَ أن تلك المهارات بحد ذاتها قد تشكل عقبة حقيقية تَحُول دون الاستفادة من العصر الرقمي. وفي عام 2014 لابد أن يتغلَّب كبار المديرين التقنيين على تحدٍ مهم يتمثل في التجسير بين الحقبتين التقنيتين الأولى والثانية. كذلك يتعين عليهم أخذ زمام المبادرة في بناء الريادة الرقمية والقدرات الثنائية، مع التأكيد على تحفيز ابتكار البنية التحتية المعلوماتية بما يتلاءم مع طبيعة العصر الرقمي".

 

وهنا يتابع آرون قائلاً: "يواجه كبار المديرين التقنيين العديد من التحديات منذ أعوام، ناهيك عن الحاجة إلى مواكبة الفرص والتغلب على التهديدات الرقمية الماثلة اليوم. ويثير العصر الرقمي الكثير من التساؤلات عن الاستراتيجية والنزعة القيادية والهيكلية ومهارات الموظفين والتمويل وأشياء كثيرة. وتشهد قطاعات الأعمال المختلفة حول العالم دَفْقاً رقمياً قد يحقق لكبار المديرين التقنيين شيئاً من طموحهم، وقد يمثل تحدياً قيادياً يحتم الكثير من التغيير". 

 

صحيحٌ أن غالبية الشركات قد أرست دعائم القيادة في مجال التقنية المعلوماتية، وتعمل ضمن استراتيجية وحوكمة محددتين، لكن تلك الشركات تعاني فراغاً في القيادة الرقمية. ومن أجل اقتناص الفرص الرقمية القائمة والناشئة والتحقُّق من جاهزية خدمات التقنية المعلوماتية الجوهرية، لابد أن تملك الشركة المعنية قيادة رقمية واضحة المعالم مقرونة باستراتيجية وحوكمة واضحتين، كذلك لابد أن يكون كافة التنفيذيين على امتداد الشركة المعنية من المُلمين بالتقنية الرقمية والمتابعين لها، بحيث لا يقتصر الأمر على التنفيذيين التقنيين فحسب. وليس أدلّ على أهمية ذلك من تنويه الدراسة الاستطلاعية لكبار المديرين التقنيين بأهمية أن يكون الرؤساء التنفيذيون على دراية وإحاطة بالتقنية الرقمية، حيث اعتبرت الدراسة الاستطلاعية أن ذلك بمثابة مؤشر مهم على أداء إدارة التقنية المعلوماتية، بل وأداء الأعمال في المجمل.

 

وهنا يتابع آرون قائلاً: "لابد أن نوجِّه كل ما يتعلق بالإنفاق على التقنية المعلوماتية وتوازن حزمة الحلول واختيار التقنيات والموظفين وخيارات التعهيد والقيادة والهيكلية والحوكمة التقنية نحو تعزيز مكانة وتنافسية الشركة. ولكن في مقابل الحاجة إلى تحقيق النمو المرجوّ، تعاني ميزانيات التقنية المعلوماتية ضغوطاً لابدَّ أن تؤخذ في الحسبان. وأظهرت الدراسة الاستطلاعية أن كبار المديرين التقنيين يتوقعون أن تظل ميزانيات التقنية المعلوماتية على حالها (في المعدل لن تزيد أكثر من 0.2 بالمئة) في عام 2014. ولا يختلف اثنان على التحديات الناجمة عن ذلك، فإدارات التقنية المعلوماتية بحاجة إلى تعزيز الابتكار الذي يجب أن يطالَ جوهر نظم وخدمات التقنية المعلوماتية، فضلاً عن استكشاف المزيد من الخيارات التقنية الجديدة".

 

ويقول كبار المديرين التقنيين إن رُبع إنفاق التقنية المعلوماتية خلال عام 2014 سيكون من خارج الميزانية المخصصة للتقنية المعلوماتية، وهذا هو الإنفاق الذي يحيطون به، وقد تكون النسبة أكبر من ذلك بكثير. وفي المقام الأول، مردُّ ذلك إلى الفرص الرقمية الجديدة المتماهية مع تجارب العملاء والزملاء، وقد يعكس ذلك في بعض الأحيان المخاوف من أن إدارات التقنية المعلوماتية ليست سريعة بشكل كافٍ أو ربما لا تتسم بالجاهزية الكافية بعد لاقتناص المزيد من الفرص الرقمية.

 

وفي هذا السياق، يقول والر: ""ثمة شد معتاد بين الرغبة بإنجاز مهام التقنية المعلوماتية بطريقة مُحكمة من جهة، وإنجاز تلك المهام بالسرعة الكافية؛ وكذلك ثمة شد معتاد بين النزعة نحو منظومة تقنية معلوماتية سليمة، والنزعة المقابلة نحو الابتكار في منظومة التقنية المعلوماتية. وخلال الحقبة الثانية من التقنية المعلوماتية المؤسسية انصب الاهتمام على التخطيط السليم للتقنية المعلوماتية، وتعزيز معايير التنبؤ بمسارها، واستحداث القيمة، وتعزيز التحكم، والحد من المخاطر المنطوية. ولكن من أجل اقتناص الفرص الرقمية المتأتية خلال الحقبة الثالثة، يتعين على كبار المديرين التقنيين التعامل مع مسائل مثل السرعة والابتكار وعدم اليقين. وهذا يستلزم قدرات ثنائية، أي أن تدير الشركة المعنية نمطين اثنين من التقنية المعلوماتية المؤسسية، أولهما ما يمكن وصفه بالتقنية المعلوماتية التقليدية والآمنة والثابتة، وثانيهما ما يمكن وصفه بالتقنية المعلوماتية السرعة والمرنة وغير النمطية".

 

ولتحقيق هذه النمطية المزدوجة خلال المرحلة المقبلة، يعتزم كبار المديرين التقنيين إحداث تغييرات مهمة في عام 2014 وما بعدها:

·        قام 25 بالمئة منهم باستثمار كبير في بيئة الحَوْسَبَة السحابية العامة، بل يتوقع غالبيتهم أن تُدار نصف أعمال الشركة عبر سحابة عامة بحلول العام 2020.

·          يعتزم 70 بالمئة من كبار المديرين التقنيين تغيير علاقاتهم على صعيد التقنية والتعهيد خلال عامين إلى ثلاثة أعوام المقبلة، بل يعتزم العديد منهم إقامة شراكة مع شركات صغيرة أو حتى ناشئة.

·        طبقت 45 بالمئة من الشركات منهجيات مرنة فيما يتصل بجانب من حزمة التطوير، ورغم ذلك يتعين على غالبية الشركات أن تفعل المزيد لإنشاء طواقم منفصلة متعددة التخصصات تعمل في ظل حوكمة مرنة ومهارات رقمية جديدة وأنماط تعهيد بديلة.

 

ويختم آرون قائلاً: "في حال نجحت هذه النقلة وتمكن كبار المديرين التقنيين من ترويض التنانين الرقمية، ستجد الشركات أمامها الكثير من الفرص السانحة، ومعها يتجدد دور كبار المديرين التقنيين وإدارات التقنية المعلوماتية وتزداد مصداقية الطرفين. ولكن في حال الإخفاق في ترويض التنين قد تتعثر مسيرة الشركة المعنية وعندئذ لا حاجة وربما لا قيمة لإدارة التقنية المعلوماتية".