لا تنسوا غزة ...روبرت تيرنر

لا تنسوا غزة ...روبرت تيرنر
لا تنسوا غزة ...روبرت تيرنر

لا تنسوا غزة ...روبرت تيرنر

من المستحيل أن لا تكون قد تأثرت بالمشاهد المروعة التي ظهرت في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا . ذلك المخيم المحاصر والمعزول منذ عدة أشهر، حيث تبدو الصور مشهد لملحمة تمس الجميع في آن واحد، حيث تشاهد صفوفاً متراصة من الأوجه الهزيلة وقد لطختها الأوساخ، أعداد مهولة قد أنهكها الجوع ،وطابور من الأطفال في انتظار طرد الأونروا الغذائي ،وجه أم كسته ملامح الحزن لفراق طفلها، وهنا وجه أب كسته دموع الفرح بعد أن التأم شمله مع ابنته المفقودة منذ فترة طويلة، جميع هذه المشاهد الوحشية باتت المشهد المعتاد للنشرات الإخبارية المسائية.

في الوقت الذي تتابع فيه كاميرات التصوير هذا الصراع الدائر كما تجري العادة، فان موازنات المعونات بدورها تتبع الكاميرات. ان المؤسسات الدولية الداعمة تمقت الفراغ الإخباري، حيث ترغب الجهات المانحة أن تكون مساعداتها النقدية متصدرة لعناوين الصحف، و كذلك فان توجه الأونروا لنداء إلى المجتمع الدولي لتمويل صندوق الطوارئ في سوريا لتصل قيمة المساعدات إلى أكثر من 400 مليون دولار أمريكي قد لاقى استجابة سخية بين الحكومات المانحة . هذه الأخبار جيدة نسبياً ونحن في غاية الامتنان لذلك.

الأخبار السيئة هي أن الأونروا تعمل في أماكن أخرى حيث هناك ،مثل سوريا ، حالات طوارئ قد طال امدها، و التي انتقلت كاميرات التصوير بعيدا عنها. أصبحت غزة أحد هذه الأماكن.

في غضون الستة أشهر الأخيرة من العام 2013 ، ارتفعت معدلات البطالة في غزة من اقل من 28% إلى ما يزيد عن 38 % --خلال ستة أشهر فقط . وبالنسبة للاجئين فان معدلات البطالة الرسمية وصلت 41% ونسبة 56% من نصيب شريحة الشباب، أما بالنسبة للنساء اللاجئات فقد وصلت النسبة إلى 88%، ولكن المعايير التي استخدمت في الحصول على هذه المعلومات لا تعني اننا استطعنا شمل العمالة الغير مكتملة (العمالة الناقصة)، حيث أن هناك أشخاص من عمر15 عاما وما فوق و الذين عملوا لمدة ساعة على الأقل أسبوعياً و يعتبروا من الفئات العاملة، ولكنهم غير مدرجين ضمن هذه الإحصائيات. تصوروا ولو للحظة معنى ذلك بالنسبة للعائلات في غزة.

في الوقت الذي لا يوجد فيه صور قاهرة أو أوضاع يائسة من غزة كالتي يشهدها مخيم اليرموك، فان الناس يعيشون هنا في أوضاع مماثلة حيث يقبعون تحت الحصار منذ أكثر من ست سنوات، حيث تم فرض هذا الحصار بشكل صارم مطلع شهر يونيه من عام 2007، والذي دمر اقتصاد غزة و الذي كان ديناميكيا، منتجا ً وتجارياً بالإضافة إلى ما يرتبط بذلك من القدرة على توفير فرص عمل. 

وقد أدى ذلك إلى دفع الغالبية العظمى من السكان إلى حالة انعدام الأمن الغذائي، بحيث لا يبقى خيار آخر امامهم سوى الاعتماد على المساعدة. و من دون رفع للحصار و تمكين غزة من الوصول الى اسواقها التقليدية—الضفة الغربية و اسرائيل—فان اي عملية تعافي مستدامة للاقتصاد المحلي تبقى بعيدة المنال. 

و بذلك ستستمر الحلقة المفرغة من البطالة، و انعدام الامن الغذائي و استمرار الاعتماد على المساعدات، و ما ينجم عن ذلك من تقويض للتنمية في قطاع غزة. إن الرسم البياني للتقلبات الاقتصادية في اقتصاد غزة على مدى العقد الماضي من الزمان يشابه ذلك الخاص بليبيريا أو سيراليون.

لقد نجم التدهور الكبير في الأوضاع هنا مؤخراً عن التغيرات التي حدثت في مصر العام الماضي، وإغلاق الأنفاق التي تربط بين غزة وجارتها الجنوبية ,r] شكلت هذه الأنفاق شريان حياة أساسي بالنسبة لغزة نظراً لحالة الفقر فيها- فالبضائع القادمة من مصر أرخص ثمناً، وخاصة الوقود والأغذية الأساسية- إضافة إلى المواد التي لا تسمح إسرائيل بحرية دخولها إلى غزة وأهمها مواد البناء

. أما المواد لصالح القطاع الخاص فقد كانت تدخل عبر الأنفاق بمعدل 7,500 طن متري يومياً تقريباً، داعمة بذلك الجزء الوحيد من الإقتصاد الذي كان قادراً على خلق فرص عمل. وقد وضع إغلاق الأنفاق فعلياً حداً لمشاريع البناء في القطاع الخاص.

قد تتمكن الأونروا والمؤسسات الدولية العاملة الأخرى من تعويض بعض من تلك الخسارة في فرص العمل من خلال مشاريع البناء الخاصة بنا ولكن تظل قدرتنا على القيام بذلك محدودة بسبب الإجراءات الإسرائيلية المطبقة.

في الربع الثالث من عام 2013، تمكنت الأونروا من خلال مشاريع البناء من خلق 5,000 فرصة عمل، ولكن تم تعليق دخول مواد البناء في أكتوبر 2013، ومنذ شهر فبراير 2014، تم استئناف العمل في بعض المشاريع التي حصلت على إعادة الموافقة. 

لدينا مشاريع بقيمة تصل إلى نحو 40 مليون دولار أمريكي وافقت عليها إسرائيل وجاهزة لبدء العمل فيها، كما أن هناك 38 مشروعاً آخر بقيمة تزيد عن 111 مليون دولار أمريكي في انتظار موافقة السلطات الإسرائيلية لنتمكن من إدخال مواد البناء اللازمة لها. إذا سنحت الفرصة، يمكننا إعادة الآلاف من أبناء قطاع غزة للعمل وبذلك يقل اعتمادهم على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

إن الأونروا مكلفة بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في غزة، والذين يمثلون أكثر من 70% من إجمالي السكان البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة. وفي مساعيها لتلبية الاحتياجات الإنسانية الناتجة عن هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان، تقدم الأونروا المساعدات الغذائية لأكثر من 800,000 شخص، أي ثلثي عدد اللاجئين أو لما يقرب من نصف إجمالي سكان القطاع.

في عام 2000، عندما كان الإقتصاد يسير بشكل طبيعي أكثر، فإن 80,000 لاجئ فقط تقدموا بطلبات للحصول على المساعدات الغذائية منا. إننا نقدم هذه المساعدات بناءاً على الحاجة، ونقوم بكل ما بوسعنا لضمان وصول المساعدات لأولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها، ولكن مع الأخذ بعين الإعتبار التغيرات هنا خلال الأشهر الماضية، فإننا نتوقع أن تزداد عدد الحالات المحتاجة للمساعدات الغذائية بنسبة 10-20% خلال هذا العام، ليصل العدد إلى حوالي مليون شخص.

في الوقت الذي تحتم فيه الظروف علينا التوسع في المساعدات، فإننا نواجه عجزاً في موازنة الطوارئ لدينا بحوالي 30 مليون دولار أمريكي. وهذا يمثل حوالي ربع إجمالي الموازنة لدينا، والخاصة بالمساعدات الغذائية بصورة أساسية. 

إذا لم نحصل على مساهمات إضافية غير منظورة، فستضطر الأونروا لتقليص عملياتها الطارئة في قطاع غزة بشكل كبير. لقد اضطررنا بالفعل لاتخاذ قرارات صعبة للغاية، بما في ذلك تعليق برنامج التغذية المدرسية لدينا، والذي كان يقدم وجبة واحدة في اليوم الواحد إلى ما يقرب من ربع مليون طالب وطالبة في مدارس الأونروا في غزة.

ويمكن تفهم إعياء الجهات المانحة. فالأونروا تفضل إنفاق الأموال على التنمية البشرية في غزة، وخاصة برنامج التعليم، بدلاً من إنفاقها على المساعدات الطارئة للتخفيف من آثار السياسات التي هي من صنع الإنسان كالحصار غير الشرعي. إلا أنه لا يسع الوكالة إلا الإستمرار في مساعدة الذين يدفعون ثمن هذه القضايا السياسية العالقة.

وأود أن أنهي هذا المقال بتحذير : فلقد شهدنا مراراً وتكراراً كيف أن حالة اليأس في غزة تقود إلى العنف. فبالإضافة إلى إطلاق الصواريخ، وهو أمر تدينه الأمم المتحدة باستمرار، توجد أشكال أخرى من العنف في مجتمع غزة والمرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بالمأزق الإقتصادي الذي يعاني منه السكان في غزة وحيث واجهنا في الأونروا هجوماً عنيفاً بسبب ما ينظر إليه على أنه اقتطاعات للخدمات. 

وفي الوقت الذي أصبحت فيه عملية السلام حديث الجميع، فيجدر بنا جميعاً معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف في غزة ..ولكن مع الافتقار للإرادة السياسية لتحقيق ذلك، فيجب علينا أن نحرص على الإستمرار في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية.



- مدير عمليات الأونروا في غزة