سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ... بقلم: طلال عوكل

سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ... بقلم: طلال عوكل
سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ... بقلم: طلال عوكل

سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ... بقلم: طلال عوكل

التحذير الذي أطلقه المنسق الأممي لعملية السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة روبرت سري، من احتمال انهيار التهدئة بين إسرائيل وقطاع غزة، كان قد سبقه تحذير صريح من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، الذي تحدث عن عدوان إسرائيلي وشيك على قطاع غزة.
سري وضع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في كفتي ميزان المسؤولية بالتساوي، فلقد ازداد عدد الصواريخ التي تسقط فوق إسرائيل، التي بدورها زادت من عدد عملياتها ضد القطاع، واراد أن يتجنب تحميل المسؤولية عن ذلك، وأن يتجنب أيضاً الحديث عن الدوافع والأهداف التي تقف وراء احتمال انهيار التهدئة، وشن عدوان جديد واسع على قطاع غزة.
عريقات اصاب كبد الحقيقة، حين قال: "إن الحكومة الإسرائيلية تتجه لشن حرب جديدة على قطاع غزة بهدف إفشال خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للسلام خصوصاً إذا شعر نتنياهو بأن هناك خطة سيقدمها كيري تستند إلى القانون الدولي".
حين يكون الحديث على هذا المستوى من المسؤولية، وعلى هذا القدر من الجدية ومن مواقع المعرفة القريبة من دوائر المعلومات والقرار، وبما ينسجم والتهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف، ينبغي أن نتوقف قليلاً، لكي نبحث في سبل المواجهة الإجبارية، التي يحاول الفلسطيني أن يتجنبها، وتحاول إسرائيل كل الوقت، أن تبادر إليها، ليس لأسباب لوجستية أمنية وحسب بل لأسباب سياسية أيضاً.
من حيث المبدأ، لا ينبغي لفلسطيني، أي فلسطيني أن يستبعد عدواناً إسرائيلياً على قطاع غزة، أو على أي قطاع فلسطيني، فإسرائيل المحتلة، والعدوانية هي ذاتها تمارس طبيعتها، ولم يتغير عليها شيء.
وهي دولة معروفة ومعرفة بعدم احترامها للمواثيق والعهود الدولية، وغير الدولية، دولة تتصرف على أنها فوق القانون.
تتحدث اسرائيل عن تزايد اعداد الصواريخ التي تسقط عليها خلال شهر كانون الثاني الماضي، ووصلت إلى ثمانية وعشرين صاروخاً، وهي نسبة أعلى من معدلاتها في الأشهر التي سبقت، ولكن المتابع، سيخلص إلى نتيجة أن إسرائيل لم تلتزم بالتهدئة التي أبرمت بعد حرب 2012، وأنها خرقتها منذ الأيام الأولى، وواصلت ذلك على مدار الوقت، وقتلت وجرحت عشرات الفلسطينيين، غير أن المسألة في الجوهر ليست على هذا النحو.
في أحيان ليست قليلة اعترفت مصادر مسؤولة إسرائيلية، بجدية التزام حركة حماس بالتهدئة، وبضبط عمليات إطلاق الصواريخ، لكنها حين كانت تفعل ذلك لم تخف نواياها إزاء تحريض حماس على المجموعات الأخرى، وبهدف إدخال الساحة في صراعات دموية، ولتشويه سمعة الكل الفلسطيني.
بشكل عام يمكن فعلاً أن نتوقع عدواناً إسرائيلياً واسعاً، وأكثر بشاعة وقسوة من عدواناتها الوحشية السابقة على قطاع غزة، فمن منظور المصالح الاستراتيجية، كان يمكن لإسرائيل أن تتحمل سقوط الكثير من الصواريخ، لأن لديها أهدافاً سياسية أكثر أهمية، وتستحق أن تدفع ثمنها مقابل الثمن الاستراتيجي الذي ستحققه.
كانت إسرائيل تراقب ما يجري في قطاع غزة، من عمليات تسليح متواصلة راكمت المزيد من القدرات القتالية، والتجهيزات اللوجستية، التي لم تتعود إسرائيل على الصمت عنها، لولا أنها تعاملت مع الانقسام الفلسطيني كذخر استراتيجي، سيؤدي في نهاية المطاف، وبتخطيط إسرائيلي إلى فصل قطاع غزة نهائياً، وخلق الظروف المناسبة لتحويله مع أجزاء من سيناء أو دون ذلك إلى وطن الدولة الفلسطينية.
حينذاك، ستكون مسؤولية الأمن في دولة غزة، في عهدة مصر، التي ستتكفل بتحويل الأسلحة المتراكمة في القطاع إلى وجهة أخرى، ولظنها أنها ستكون وبالاً على الفلسطينيين والمصريين على حد سواء.
الآن لم يعد الانقسام الفلسطيني ذخراً استراتيجياً بالقدر الذي أرادته إسرائيل، لكن استمراره مطلوب لتلبية مصلحة إسرائيلية ذات علاقة بالمفاوضات والشريك الفلسطيني الذي ينبغي أن يظل ضعيفاً وغير قادر على مقاومة الضغوط الهائلة، التي تستهدف إخضاعه لمتطلبات الشروط والأهداف الإسرائيلية، فإن شعرت إسرائيل أنها ليست قادرة، أو لم يعد مجدياً لها توظيف الانقسام على هذا النحو، فإنها ستنظر إلى قطاع غزة كتهديد أمني استراتيجي يتطلب المعالجة.
في المرة الأولى التي دخل فيها حزب إسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور ليبرمان، إلى الحكومة وأبرم مع الليكود اتفاقاً، تضمن ذلك الاتفاق في بنده الخامس هدفاً يتحدث عن القضاء على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وسحق المقاومة فيها، ولم يكن ذلك من أجل السلام، ولا هو هدف للتنفيذ العاجل، إذ شنت إسرائيل على القطاع حربين منذ ذلك الحين، ولم يكن الدافع تنفيذ هذا الهدف.
الآن صدقوا ما يقوله الإسرائيليون بهذا الشأن، فإذا كانت حكومة نتنياهو لا تثق ولا تقبل بضمانات وجود عسكري أميركي أو أطلسي لحماية أمنها في منطقة الغور وعلى الحدود الفلسطينية الأردنية، فإن من الغريب وغير المتوقع أن تقبل بضمان وجود اتفاق تهدئة مع قطاع غزة، وإذا كان الحديث المتفق عليه من الجميع أن الدولة الفلسطينية في حال قيامها، عبر اتفاق تسوية، ستكون منزوعة السلاح، فإن قطاع غزة الذي سيكون جزءاً من الدولة الفلسطينية، سيبرز كمشكلة أمام كل الأطراف، فإما أن تبادر إسرائيل إلى تدمير بنية المقاومة وإمكانياتها وإما أن تقوم إدارة الدولة الفلسطينية بذلك، سواء بالقوة والصراع، أو بالتوافق، هذا فيما يتعلق بالعام المرتبط برؤية إسرائيل لمصالحها، وكيفية تعاملها مع نواتج الانقسام ولكن ماذا لو أن الفلسطينيين حققوا المصالحة، واستعادوا وحدتهم في ظل وجود الكتائب من كل المسميات، والأسلحة من أنواع تنظر إليها إسرائيل بخطورة بالغة؟
بكل الأحوال لم يعد ثمة ما يمنع إسرائيل من شن حرب جديدة بشعة ومدمرة على قطاع غزة، فإذا كانت تسعى وراء استفزاز الفلسطينيين في الضفة لاتخاذ خطوات فعالة في مواجهة الحرب الاستيطانية والتهويدية التي تشنها إسرائيل في الضفة بلا هوادة وصولاً إلى إمكانية وقف المفاوضات، فإنها أي إسرائيل ستصعد من عدوانها حتى يخرج الفلسطينيون عن صبرهم.
وكما يقول الدكتور عريقات، فإن إسرائيل قد تلجأ لشن عدوان على قطاع غزة في محاولة منها للتهرب من المفاوضات، ومن أجل خلط الأوراق، وصرف الأنظار عن فشل هذه المفاوضات فإن لم يكن كذلك، فإن مثل هذا العدوان، سيكون له هدف الضغط المباشر على الفلسطينيين من أجل تمرير الشروط الإسرائيلية البكتيرية، إذاً ومن حيث المبدأ، يكون العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة محتملاً في أية لحظة، خصوصاً في ظل الأوضاع العربية المتردية، وفي ظل المناخ العدائي بين حماس ومصر، ويظل السؤال هو متى يمكن لإسرائيل أن تبادر إلى ذلك؟
هنا علينا أن نفتح عيوننا على سير المفاوضات، وإن كنا لا نتوقع ما توقعه الدكتور عريقات، من أن كيري قد يقدم خطة للتسوية تستند إلى القانون الدولي، والسؤال المهم هو كيف لنا أن نحضر أنفسنا لمجابهة عدوان كهذا، وهل تحضير النفس مقصود به تحميل مسؤوليتها أهل غزة، أم ان المسألة تحتاج إلى جهد وطني، يبدأ بتنفيذ المصالحة على كل ما في الاتفاق بشأنها من ثغرات يمكن معالجتها لاحقاً في اطار المؤسسة، أو ان يشرع الفلسطينيون بحوار جدي من أجل سد هذه الثغرات؟.