خليني ساكت احسن .... / بقلم د.ناصر اللحام

خليني ساكت احسن .... / بقلم د.ناصر اللحام
خليني ساكت احسن .... / بقلم د.ناصر اللحام

خليني ساكت احسن .... / بقلم د.ناصر اللحام

أوجز علماء الاجتماع المعاصرون في وصف الانسان العربي انه مصاب بمرض "حب المعاشرة"، فهو يتصل بالاخرين بقوة والحاح وبسبب او من دون سبب، ولا يستطيع المواطن العربي بشكل عام السفر في طائرة لمدة ساعة دون ان يتفاعل مع المسافرين بجانبه واجبارهم على سماعه وسماع قصصه وبطولاته من جهة او معاناته ومشاكله التي لا تنتهي من جهة اخرى، والبوح لهم بمكنونات صدره. والغريب ان اي عربي يجلس بجانبك من هيثرو الى نيويورك ويتحدث لك عن مشاكله وافكاره وبطولاته 7 ساعات متواصلة وقبل ان تهبط الطائرة في امريكا يقول عبارته الشهيرة: خليني ساكت احسن !!!!

وفي سيارة الاجرة يتصادق مع السائق، وعلى الحدود يتبادل مع ضابط الجمارك رقم الهاتف، وفي المطعم يتبادل العربي كرت التعارف مع اي عابر سبيل ويشرح له ما يجوز وما لا يجوز، والسبب في ذلك التربية منذ الصغر حيث يمنع الاهل اية حالة تأمل عند الطفل، ولو وجد الاهل اي طفل ينظر الى السماء او الى الاشجار لتأملها وتعلم الالوان والموسيقى في حركاتها لسارعوا بقوة الى منعه ونقله فورا الى وسط مجموعة غوغائية من الاطفال ليتفاعل معهم، فيخرج لدينا جيل لا يتأمل، ولا يفكر لوحده. وانما يتفاعل بسبب او من دون سبب. وقمة الفشل اذ تسأل احد عن ابنه ان يقول لك : الحمد لله فهو يستطيع ان "يبطح" جميع الاود الحارة الان !!! وهذا يعني انه انجب بغلا او جملا فلماذا التفاخر؟

وفي العاصفة الاخيرة تعلّمنا درسا هاما، فقد ظلّت غزة من دون كهرباء وكان شعب كامل يعاني ويتألم ونحن منشغلون اذا كان اسم العاصفة أليكسا او يالو او بترا او ..... واكتشفنا جميعا ان غزة اكبر من فصيل او رئيس حكومة او رئيس، وان حل مشاكل غزة لا يتعلق بحل مشكلة الكهرباء او الوقود او المايونيز او معبر رفح، وانما يحتاج حل مشاكل غزة الى جامعة الدول العربية كلّها او الى الامم المتحدة بكل قوتها، وانه من نافل القول مواصلة طريقة التفكير الحالية لانها سوف تقتل روح المواطنة وتدفع الناس الى الجنون.

ولا يحق لاحد في هذا العالم ان يسأل المواطن في غزة اذا كان يحب الرئيس او يؤيده مقابل خدمات اساسية تحق له ولاولاده، ولا يجوز لعاقل ان يسأل اي مواطن في غزة اذا كان يحترم حماس او يؤيدها لتلبية احتياجاته الاساسية...

حل مشاكلنا لم يعد ممكنا بالطرق القديمة، وانما بتغيير طريقة تفكيرنا، وطريقة عملنا، وتغيير ادواتنا، فالشعارات التي نسمعها من القادة والمسؤولين - نفس القادة والمسؤولين ونفس الشعارات ونفس الكاميرات ونفس الشاشات - منذ عشرين عاما لم تعد تكفي.

ان حل مشكلة غزة، بل ان حل مشكلتنا تحتاج الى طريقة تفكير جديدة، لاننا اذا واصلنا التفكير بنفس الطريقة، سيكبر اطفالنا ويصبحون شيوخا ونحن نناقش نفس الموضوع دون جدوى.

خليني ساكت احسن.