عودة غير محمودة ...بقلم: طلال عوكل

عودة غير محمودة ...بقلم: طلال عوكل
عودة غير محمودة ...بقلم: طلال عوكل

عودة غير محمودة ...بقلم: طلال عوكل

غير مرحب به، يعود وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة بعد اسبوع واحد على مغادرتها، فالإسرائيليون يريدون منه أكثر مما يقدم لهم، رغم ان ما يقدمه لهم يعبر عن انحياز أميركي صارخ، اما الفلسطينيون فإنهم لا يرون في اقتراحاته بشير خير.

يعود كيري للمنطقة لكي يسمع رد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على مبادرته الأمنية الاقتصادية، التي لم تنجح حتى الآن في ردم الهوة بين الطرفين أو تقريب وجهات النظر.
بعد ان انهى زيارته السابقة، كان كيري قد عبر عن تفاؤله بإمكانية تحقيق السلام الذي بات بالنسبة له اقرب من اي وقت مضى، ومثله فعل رئيسه باراك اوباما، لكن وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان رد عليه على الفور، حيث نفى ان تكون المفاوضات قد حققت تقدما، او ان ثمة إمكانية لتحقيق سلام استراتيجي او حتى مرحلي مع الفلسطينيين.
ولم يكن ليبرمان وحيدا، فلقد آزره كل من نفتالي بينت، وزميله وزير الدفاع، اللذين اكدا انه من غير الممكن تحقيق السلام او التنازل عن اراض للفلسطينيين، وبأن مفتاح الحل يكمن في اعتراف الفلسطينيين ابتداء بيهودية الدولة.
الممارسة العملية على الأرض، تؤكد ما يذهب اليه ليبرمان وزملاؤه، فالاستيطان تتضاعف وتائره بالقياس لما كان عليه في العام الماضي. في الواقع فإن اسرائيل تمارس ابتزازا مكثفا على الطرفين الأميركي والفلسطيني، فمن ناحية فرضت اسرائيل أولويتها الأمنية على وزير الخارجية الأميركي، الذي جاء باقتراحات تتصل بمتطلبات اسرائيل الأمنية لاسترضاء حلفائه الإسرائيليين.
ليس هذا وحسب بل ان الموقف الأميركي عموما شهد تراجعات حادة وجادة ازاء عدد من القضايا الأساسية:
أولا: جاء التراجع الأساسي على لسان الرئيس باراك اوباما الذي تحدث عن امكانية اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وترك قطاع غزة الى حين.
والجميع يعلم ان الدولة التي يرى اوباما امكانية قيامها لن تكون على كامل الأراضي التي احتلتها اسرائيل العام ١٩٦٧، فاذا تم اقتطاع اراضي المستوطنات (سواء في اطار تبادلية اراض او غير ذلك) والأراضي التي يصادرها جدار الفصل العنصري، بالإضافة الى ما تنطوي عليه متطلبات اسرائيل الأمنية في منطقة الغور وفي الضفة، فإن هذه الدويلة ستكون بمواصفات اسرائيلية كاملة.
دولة منزوعة السلاح، على جزء من اراضي الضفة، دولة فاقدة السيادة ويقع عليها انتداب امني اسرائيلي لفترة طويلة، وربما ارادت اسرائيل من الدولة الفلسطينية ايضا، ان تواصل تعاونها الأمني مع الدولة العبرية.
ثانياً: خضوع الولايات المتحدة للابتزاز ولأولويات الأجندة الإسرائيلية التي تصر على أولوية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، حتى بعد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في جنيف بين ايران والدول الست الكبرى. ان مبادرة جون كيري ذات الطابع والأولوية الأمنية بدون ربطها بالقضايا والملفات السياسية، هي استجابة للابتزاز الإسرائيلي، الذي تفوق متطلباته الأمنية، حدود فلسطين.
ويبدو ان كيري يراهن على امكانية تطويع الجانب الفلسطيني، الذي لا يملك خيارات كثيرة، وبالمقابل فإنه لا يمارس اي مستوى من الضغط على اسرائيل لوقف سياساتها الاستفزازية.
ثالثا: خضوع وزير الخارجية الأميركية للابتزاز الإسرائيلي ازاء استحقاق الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، حيث يبدي استعدادا للموافقة على دمجها بالدفعة الرابعة، الأمر الذي يعكس ايضاً، تعاطفاً مع اسرائيل واسترضاءً لها من ناحية، وممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين.
وبالإضافة الى ذلك، فإن ثمة شكلاً آخر من اشكال الضغط على الفلسطينيين، حيث يجري الحديث عن إمكانية، او الحاجة لتمديد المفاوضات لتسعة اشهر اخرى، وهو امر محرج للغاية بالنسبة للقيادة الفلسطينية التي غامرت بالموافقة على استئناف المفاوضات اصلاً، في ظل معارضة واسعة. وبالإضافة الى ذلك ايضاً، فإن الولايات المتحدة تواصل رفع الفيتو، امام اي محاولة من الفلسطينيين، للانضمام للمؤسسات الدولية، او تفعيل اي ملف في الامم المتحدة، وتعتبر ذلك خطاً احمر.
هكذا تدفع الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية في زاوية حرجة جداً، فلا هي قادرة على الانسحاب من المفاوضات، ولا هي قادرة على مواصلتها، ولا قادرة على تفعيل اوراق القوة لديها والتي تتمثل في اتمام المصالحة، والانتقال بملفاتها الى مؤسسات الأمم المتحدة. وفي ضوء كل ذلك تعوز السلطة المبررات المقنعة، لمواصلة المفاوضات العبثية الجارية، التي لم تحرز بعد اكثر من اربعة اشهر اي تقدم، ولا تشير اروقتها الى اية بارقة امل، او تفاؤل.
وبالمناسبة فإن الولايات المتحدة لم تستنفد كل اوراق الضغط على السلطة، حيث بإمكانها ان تمارس الخنق المالي في ظل محدودية الدعم العربي، اما اسرائيل فبإمكانها ان تلعب على ورقة التمثيل الفلسطيني. في ضوء هذا المشهد المتردي والبائس ينبغي على القيادة الفلسطينية ان تأخذ قراراً جريئاً يوازي جرأتها ازاء قرار استئناف المفاوضات فتذهب الى المصالحة، ونحو اعادة تجميع وترتيب اوراق قوتها.