اللطم على غزة ...د. عبدالله السعافين

اللطم على غزة ...د. عبدالله السعافين
اللطم على غزة ...د. عبدالله السعافين

اللطم على غزة ...د. عبدالله السعافين

حفلات اللطم التي يعلن عنها جوقة ممن يكتبون في صحف ومواقع الضفة، وبعضهم من غزة، بين الفينة والأخرى تحت شعار غزة على وشك الانهيار، هي ما يدفعني لكتابة هذه السطور.

ان ما تعيشه غزة كارثة إنسانية وبيئية وصحية وسياسية لم يسبق لها مثيل منذ عام 1948. تقارير الأمم المتحدة تقول ذلك، ويقوله أهل غزة أيضاً. لكن عرض هذه المعطيات المعروفة من قبل بعض الكتاب في سياقات مغرضة وانطلاقا من أرضيات مشوهة وفرضيات منقوصة هو الذي ينبغي فضحه والتصدي له. هؤلاء الكتاب أحجموا –ونتفهم هذا- عن توجيه النقد لدور مصر في حصار غزة، وأحجموا عن توجيه النقد لسلطة المقاطعة في رام الله التي ما زالوا يتلقون منها راتب (مدير عام). وهؤلاء متحاملون تاريخياً وأيديولوجياً على حماس، ونتفهم كراهيتهم السياسية لحماس، لأن مصالحهم التنظيمية وامتيازاتهم الشخصية هي مع الطرف المعادي لها، حتى لو تنازل هذا الطرف عن فلسطين وحارب المقاومة –وهو ما يضع وطنيتهم على المحك- ووقوفهم قلباً وقالباً في معسكره، الرافض لنتائج انتخابات فازت بها حماس –يضع أيضاً ايمانهم بالديمقراطية على المحك.
ما يمكن فهمه ويصعب تفهمه، هو أنهم في المحصلة يشبكون أيديهم بأيدي دبيكة التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومفاوضي العبث في سلطة الكبتشينو، ويرددون في حفلات اللطم والولولة أن المتسبب في معاناة غزة هو "حماس".
لا شك ان وجود حماس في إدارة غزة يشكل مبرراً وسبباً عند كل من مصر وإسرائيل ومحمود عباس لمحاصرة غزة وتعذيبها ومعاقبتها، وهذا هو بالضبط ما دفعني شخصياَ وسيظل يدفعني لمطالبة حماس بحل السلطة وتشكيل إدارة وطنية في غزة مع انتخابات بلدية عامة والتفرغ للمقاومة، لأن هذا في رأيي هو الموقف الوطني والأخلاقي والديني الذي يجب أن تقفه حماس رداً على هذا الحصار القاتل.
بيد أن هؤلاء الكتاب يتغافلون عمداً أو جهلاً عن عدة حقائق أبرزها أن التنظيمات السياسية التي ينتمون لها رفضت المشاركة الديمقراطية في الحكومة العاشرة بعد فوز حماس في الانتخابات، وبهذا ساهموا عملياً وفي وقت مبكر في حالة الاستقطاب التي قادت الى الانقسام الذي يولولون ليل نهار مطالبين -ونحن نطالب معهم- بانهائه.
يتجاهل هؤلاء أن حماس انخرطت في لعبة الانتخابات وخاضتها بشروط وتحت مظلة اتفاق أوسلو، وليس بعد ذلك مرونة أو براغماتية، أو انبطاح (من وجهة نظري). لكن الطرف الآخر أي فتح هو من رفض المشاركة في حكومة تشكلها حماس، وراهن على اسقاطها، وبدأ قادتها بممارسة استراتيجية (الخمسة بلدي) ، و (خللي حماس تطخني)، ومهاجمة المؤسسات وحرقها كما حدث بالضفة، وكنت شاهد عيان على اشراف أعضاء في ثوري فتح على عمليات اطلاق نار على مقر التشريعي ومجلس الوزراء في رام الله احتجاجا على فوز حماس في الانتخابات، ورفض موظفو السلطة التعامل مع الإدارة الجديدة، بما شكل عصيانا مدنيا في الوزارات والمؤسسات، تكلل بحالة من الإرهاب والقتل على اللحية والهوية في غزة، مما شكل انقلاباً دموياً مكتمل الأركان على الانتخابات ونتائجها. هذه الحالة من الانفلات الأمني المتعمد والمخطط دفعت الجناح العسكري في حماس الى حسم الأمور على الأرض ووضع حد لهذا العبث بالقوة المسلحة، مع إبقاء الإدارات والوزارات المؤسسات كما هي. لكن الانقلابيين الحقيقيين، ومنهم جوقة اللطامين المولولين، استنكفوا عن وظائفهم وأعمالهم امعاناً في الانقلاب، الذي دعمته فتح عن طريق استمرار دفع رواتب هؤلاء حتى الآن وهم جالسون في بيوتهم كالأسمال البالية.
حماس بسطت الأمن في قطاع غزة، و طردت قوات (ابقوا في اماكنكم لتردوا الصاع صاعين) و (قناصة مش قناصة)، التي كانت تطارد المقاومين، وتحمي دوريات إسرائيل على الحدود وتتوسع في شقق الاسقاط والدعارة في غزة، في حين صمت هؤلاء الكتاب صمت الفطائس، وغاب دورهم الإنساني والوطني والأخلاقي تماماً.
هؤلاء اللطامون الذين يريدون أن تكون ذاكرة الشعب قصيرة، يصفون تصدي حماس للانقلاب بالانقلاب!!، ويصرون أن هذا الانقلاب هو سبب الانقسام، وبالتالي فأن الانقسام وحماس والانقلاب – هكذا رزمة واحدة وباصرار غبي- سبب معاناة غزة!!!
ولكي لايسيء فهمي كتاب اللطم والولولة ومن ينخدع بكلامهم، أؤكد أن حبهم للوطن واخلاصهم للقضية ليسا موضع شك، لكن موضع الشك هو ترجمة هذا الحب والإخلاص الى صدق مع النفس، وتحمل لأمانة الكلمة، طالما اختاروا أن يكونوا من صناع الرأي العام، ومن مغاوير السلطة الرابعة.
ان أخلاق المهنة تقتضي أن لا يحدث الكاتب الناس عن معاناتهم فحسب، فهم يعيشونها بمشاعرهم ولحمهم ودمهم، لكن المطلوب منه أن يشرح لهم كيف يمكن التخفيف منها أو انهائها. ان لم يكن الحديث عن المعاناة بهدف الإعلان عنها ورفع مستوى الادراك لها، وايصالها لمن يمكن أو يجب أن يساهم في انهائها، يبقى في حدود اللطم الذي كانت تمارسه النسوة رياءً في عزاء أحد الأقارب!!