دموع شيماء محمد التلباني .. عبرات أبلغ من آلاف الكلمات / بقلم أحمد المشهراوي

دموع شيماء محمد التلباني .. عبرات أبلغ من آلاف الكلمات / بقلم أحمد المشهراوي
دموع شيماء محمد التلباني .. عبرات أبلغ من آلاف الكلمات / بقلم أحمد المشهراوي

دموع شيماء محمد التلباني .. عبرات أبلغ من آلاف الكلمات / بقلم أحمد المشهراوي

لعلها من المرات القليلة التي بكيت فيها، بكيت كطفل صغير يتذوق طعم اليتم لتوه، بكاء في فراق الأحبة، كتينك العينين اللتين سالت عبراتهما ألماً وحسرة، سالتا من فتاة لا زالت في عمر الورود، إنها شيماء محمد عليان التلباني، التي افتقدت شقيقها عليان، وأي افتقاد، لقد أفجعها القتلة المجرمون أمام بصرها، بعد أن ماتت بصيرتهم، إنه افتقاد الأخ الشقيق الغالي الذي رأته للمرة الأخيرة مدرجاً بدمه داخل بيته الآمن، البيت الذي كان سيجمعه بعروسه بعد اشهر قليلة، مشهد لم يتوافق مع حرمة شهر رمضان المبارك، ولا المعروف الذي قدمه " الشهيد عليان" لتلكم القتلة الذي لم يصونوا أي حرمة.

يوم الأربعاء الماضي  9-10-2013 كنا على موعد مع ندوة عقدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في فندق "الكمودور" لمناقشة قضية "الإعدام"، لقد كان المكان صاخباً بين من يريد تنفيذ الإعدام، وآخرون يريدون تنفيذه، أجل فالكل أجمع على قتل من أفجع شعبنا، كان المكان خليط متنوع من قضاة حقوقيين، وعاملين في الحكومة ووزارة الداخلية، ومختصين، وأباء وأمهات وأخوة مكلومين، وأمهات ثكلى خارج ساحة النقاش يرفعون صور فلذات أكبادهم يتوقون لرؤية حبل المشنقة تلتف على رقاب القتلة، القتلة الذين لا زالت دماء عليان على شفاههم، لقد التهموا جسده الغض الطري بأسنان قذرة، لم يرحموا يده النضرة التي قدمت لهم كل ما تملك من الحنان والرحمة، فعضوها، بل قطعوها إلى دون عودة، لتغيب شمس عليان.

لم أعرف عليان يوماً، ربما رأيته يوم تكريم مؤسسة العودة للإعلاميين قبل عدة سنوات، لكنني أعرف الوالد المكلوم، الذي صافحته، وواسيته، فوجدته كالجبل الأشم، رضي بقضاء الله وقدره، قضاء الله في فراق عليان الشاب المؤدب المتعلم صاحب الشهادات العليا من كبريات جامعات بريطانيا.

وقفت "شيماء" شامخة تتعالى على جراحاتها، وقلبها الملكوم أمام الحضور ممن يكبرونها في العمر والشهادات لكن تلكم الفتاة كبرتنا في العزيمة والإرادة، بدأت كلامها بالثناء والحمد على الله، بدأت كالطود الأشم، وبعد الثناء على الله، والقبول بقدره، توجهت بناظريها صوب والدها الحاج محمد التلباني، لتشيد بهذا الرجل الذي كسا الشيب لحيته ورأسه، واصابه الهم والحزن على الطريقة التي خطف فيها "عليان" من بين راحتيهن لكنه بدأ قوياً متماسكاً.. كان ناظري يتنقل بين شيماء الفتاة، ووالدها المحتسب، وأحد أولاده الذي تعرفت عليه من ملامحه، ولعل الأم كانت متواجدة في المكان، لكن لم يكتب لي أن اتعرف إليها، لأواسيها على فراقها.

كان الله بعونك أيتها الأم، وكان الله بعونك يا أبي، ويا أختاه "شيماء" وأشقاء عليان أحبته وأقاربه وصحبته، أما المواساة فهي لخطيبته، التي كتب عليها أن تبقى حزينة طالما بقي هؤلاء القتلة.. إنها حقاً فاجعة، لا أستطيع تصورها.. شاب بعمر الورود أنهى جامعته لتوه، يترقب أن يبدأ أسرته الصغيرة في بيت الزوجية، شاب في بيته قضى يومه في الصوم وليله في الصلاة وطاعة الله يقتل على يد مجموعة من الثعالب داخل بيته، إن الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزير الداخلية الاستاذ فتحي حماد / مطالبة بأن تبحث أبعاد هذه الجريمة التي اقترفها مجموعة من القتلة لإنسان داخل منزله، وأن وتوقع بهم اشد العقوبات.. واستذكر قول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه، والله لو أهل العراق اجتمعوا جميعاً على قتل رجل لقتلتهم جميعاً.

أعود لشماء وقلبي يتفطر ألماً على نحيب تلكم الفتاة، بأبي وامي أنت يا شيماء، من أيقم من ربيع طفولتك وأبكاك.. قالت شيماء: بكلمات وعبرت بعبراتها ودموعها، دموع ونحيب يفوق آلاف الكلمات التي سأكتبها، قالت: لقد قتلوا عليان الذي قدم للقاتل كل مساعدة وخير، كيف لفتاة مثلي لا تبلغ سن الـ17 عاماً، أن ترى شقيقها مسجى امامها وقد خرج مخه من راسه بفعل الأسلحة الرشاشة التي أطلقها المعتدون، تساءلت شيماء كثيراً، كيف لي ارى اخي قتيلاً دون مراعاة لحرمة رمضان، وأنا لا زالت في مقتبل عمري، يجب ان تقع عيني على كل جميل.. كيف لأمي التي يتلوى قلبها حسرة، وهي ترى ابنها مدرجاً بدمه، أم كيف لخطيبته وهذا الخبر الصعب يقع على مسمعها.. كيف، وكيف، وكيف الكثير من الاستفسارات ساقتها شيماء، ولا رد عليها إلا والقتلة ينالون جزاءهم وعقابهم.


سيدي أبو العبد هنية ..

سيدي وزير الداخلية فتحي حماد..

إن قتل هؤلاء القتلة كل يوم ألف مرة، لا يشفي غليل هذه الأسرة المكلومة، ولا يفي حقها، ولا يعيد عليان، ولا ترضى هذه الأسر ولا شعبنا أمام هذه القضية التي باتت رأي عام، أن يقتلوا أشد قتلة، لأن ذلك لا يعيد لهم ابنهم، لكن هذا اقل وابسط الحقوق أن ينال القتلة جزاءهم، وينفذ حكم الله من فوق سبع سموات، وأن يعاد بناء الكعبة، لأن دماء عليان أغلى من الكعبة التي يلتف حولها أكثر من 4 مليون مسلم، لكنه القصاص لتبقى حياة لأولى الألباب.. لن استطيع أن افي دمعة سالت من عيني شيماء، لكن حاولت أن أنقل ما أصابني واصاب كل أبناء شعبي.. الذي يترقبون ان يصدح بحكم السماء.. أما أنت يا شيماء فصبرٌ جميل.


أحمد خليل المشهراوي

إعلامي فلسطين- قطاع غزة

0599401550