الوجهة في السياسة اهم من السرعة.. بقلم لؤي ديب
بالتأكيد هذه الصدمات تعيد تشكيلنا ليس وحدنا فحسب بل العالم اجمع ، لقد كان الحدث الأول الذي اعاد تشكيل التركيبة الجمعية للسياسة العالمية هو احداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتى ظلت تداعيات ارهاصات الرد الامريكي عليها حتى جاء الحدث الثاني وهو السابع من اكتوبر ونيرانه خرجت من حدود فلسطين والقت بظلالها على الانتخابات الامريكية وجلبت ترامب مع كل التغيرات التى تجتاح العالم كعاصفة بلا توقف .
رغم مركزية القضية الفلسطينية في الكثير مما يحدث في العالم ولعل اهم تأثير هو شهادة الوفاة التى تكتبها اسرائيل يوميا على ورق الغرب للقانون الدولي والتى ستمتد ارهاصاته الي تغيرات عميقة في مفاهيم الحقوق والامن الدولي والسيادة واعادة تعريف قوانين الحروب بما يضمن افلات اسرائيل من العقاب ، مركزية لكنها تتقدم ببطء وتميل بنا الي كف سلبي ، حتى عندما تحرك العالم لمؤتمر من اجل الدولة سنحظى فيه باعتراف افتراضي من اكثر من 95% من البشرية فستحظى اسرائيل ايضا باعتراف الدول العربية والاسلامية المشاركة عملياً وليس افتراضياّ .
المحيط العربي ايضا يشهد تغيرات جذرية تعيد تعريف ( العقيدة الاقليمية ) للخليج العربي وتغير اولوياتها باتجاه دمشق مروراً بالعراق لا الاردن وابتعاد عن مصر واجراءات ملموسة لاطلاق طريق بري يمر بكل دول الخليج ويقطع العراق الي سوريا ومنها لسواحل المتوسط وهذا يعني الامن المشترك لهذه الدول ومنافسة حقيقية بين الخليج وتركيا ما بين الاستحواذ التركي او الاحتواء الخليجي وما بين اسرائيل التى ترفض وستفعل المستحيل كي لا تكون سوريا بوابة الشرق للغرب وبوابة الغرب والشرق وهو ما تفعل اسرائيل المستحيل منذ زمن كي يكون من نصيبها .
تغيرات تتطلب منا ان لا نتسرع ونكون فرائس سهلة لكل يد تطبطب علينا وتأخذ منا ما تحتاج في الترتيبات الجديدة ، هناك اعادة تموضع اقتصادي عالمي وعربي ايضا وهذا يفرض اعادة تموضع عسكرى وامني وسياسي ، ولعل الاطراف الاكثر تضرراً في اعادة التموضع العربي والصراع الاسرائيلي مع تركيا وايران والعرب ، هي فلسطين ومصر والاردن باعتبارها الاكثر احتكاكاً بالمشروع الصهيوني المتطرف .
وهذا يفرض عصف فكرى لدي قيادات هذه الدول للاحتماء باتحاد كونفدرالي اقتصادي وامني وسياسي يضع اسرائيل امام خيار الانضمام له باتفاقية مشتركة او الذهاب وحيدة في صراع مع عالم لن ينتظرها وينتظر حروب نتنياهو .
الفلسطيني منهك وضعيف ويستند سياسيا على الخواء وليس من صالحه البقاء وحيداً ، والمصري يواجه بانضباط مرهق احلام الفاشية الصهيونية ويدرك انها تدفع باتجاه التصادم معه والاهم انه يدرك ان مصالح الخليج اصبحت تتعارض مع مسلمات اساسية في امنه القومي ، والاردني ليس ببعيد عن ارتدادات المشروع الصهيوني في الضفة الغربية والانسحاب الخليجي الهاديء من الالتزامات التاريخية تجاه الاردن ناهيك عن التهديد الامني الاسرائيلي وارتداد الاحداث على الداخلين المصرى والاردني ، اشياء كثيرة تجعلنا كفلسطينيين ومصرين وأردنيين عالقين سويا في الوسط ويجب ان يستقوى كلا منا بالاخر بخطة عقلانية تكسر طموح اليمين الصهيوني وتكسره وتكون مستعدة لفرض شروط تفاوضية تكون قادرة على الوصول لاتفاق شامل بعيداً عن التدخل الخليجي الذي ادمي الملف وزاد ازماته .
كل الدعم الخليجي والذي كان سخياً جداً لمصر والاردن وفلسطين لم ينعكس على حياة المواطن في اي من الدول الثلاث لانه دوما كان مشروط بمطالب سياسية تكلفتها الاقتصادية على المدى الطويل اكبر باضعاف ، بل مع كل الشكر لدول الخليج ومزاج دولها المختلف اصبح من الضروري ان تعتمد الشعوب الثلاث على نفسها في اندماج اقتصادي وتحديات عالمية جديدة ، تحالف يكون مستعد لقبول اسرائيل بعد ان تتخلص من المتطرفين لديها .
ما زلت انادي بهذه الكونفدرالية الشاملة لانني اري فيها طوق نجاة من التغيرات القادمة ونأي بالنفس عن صراعات جديدة ستنشأ وفرصة لنكون خارجها بدل ان تحطمنا ، هذا العالم لا يحترم الضعفاء ، اقوانا مصر لكنها ايضا بدوننا تُسلب قبضتها السياسية ، وعندما لا يعرف الانسان مخرج الطواريء يركض في كل الاتجاهات وهذا حال الفلسطيني الان وعواقبه ثقيلة و الذين يمشون على حواف الاشياء مصيرهم السقوط مهما ظنوا انهم ماهرون .
وفق مجلة ذي ماركر بلغت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان إلى ١.٨ مليار دولار خلال العام ٢٠٢٤، وتشكل ١٢٪ من مجمل الصادرات الإسرائيلية ، ولو دقننا قليلاً سنجد ان الحكومة السودانية اشترت اسلحة من اسرائيل لتحارب ميلشيات الدعم السريع التى تسلحها دولة عربية اشترت السلاح من اسرائيل ، لا احد من شعوب الدول الثلاث يريد ان يدخل نادي ( البلهاء ) ولا يناسب ثقافتنا وتركيبتنا ان نبقي في نادي ( الضعفاء ) ، وسيكون لزاماً على اللون السياسي في اسرائيل القادمة اصلاح الكثير ويجدر الاستعداد له .
هناك عالم مساكين في غزة الخبز فيه الان يتقدم اولوية الوطن ، وهناك عالم اوهام لا يجلب الا المعاناة ، وليس من اللائق ان يتجه عالم السياسة فينا الي الوقوع في الفخاخ ويفترض ان يكون عميق يدرس الاشياء بدقة كي لا تكسر رقبتنا بعد ان قُطعت ايدينا وارجلنا .
وتذكروا مهما فعلت بنا اسرائيل ما زالت يدنا في فمها واصبعها في عيننا ، ولا بد ان يكون هناك مشروع سياسي طموح وقوى يتلقف اول فراغ قادم من اسرائيل التى تدرك جيدا ان الشعب الفلسطيني اصبح غير قادر على ايذاء احد الا نفسه .
الوجهة في السياسة اهم من السرعة
انتهى