المجرم المنبوذ.. بقلم د. لؤي ديب
طبيعي لا يوجد عدالة في العالم تخلو من تدخل سياسي ، قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي جاء بعد جهد وعناء بدأ قبل حرب الابادة في غزة بسنوات ، كان في غرفة الاموات بسبب الضغط السياسي وخرج من الغرفة لان الدول الاوروبية الغربية وجدت فيه ورقة قوية في يدها في وجه ترامب القادم بكل العداء لحليفة امريكا السابقة اوروبا .
بكل الاحوال القرار لا يمس بنتنياهو وغالنت فقط والملحق السري لاوامر اعتقال قيادات اخرى ، بل يفرض عزلة سياسية على اسرائيل ، وباستثناء امريكا التى تتحدي العالم للحفاظ على زعامتها بالقوة لن تجرؤ دولة غربية بعد اليوم على تزويد اسرائيل بالسلاح لانها سوف تعتبر شريكة في الجريمة ، لن يجرؤ زعيم اوروبي او غربي بوضع يده في يد نتنياهو ويجعل من نفسه فريسة سهلة للقضاء والمعارضين في بلده .
القرار لم يضع بداية لنهاية الافلات من العقاب ، بل شكل ضربة سياسية لنتنياهو الذي كان يأمل بخلق التطبيع مع الدول العربية وتزعمه ، فلن تستطيع هذه الدول حتى لو رغبت في ذلك بصنع السلام المزعوم مع نتنياهو ، وكأن المحكمة اهدت كل جهود نتنياهو لمعارضيه لجنى ثمار جرائمه ، القرار ايضا وضع الدولة العميقة في اسرائيل بالاختيار بين العزلة السياسية وخسارة عمقها السياسي في اوروبا او التضحية بنتنياهو وهذا ما يدرك نتنياهو خطورته وان ضربة الجنائية كانت بمثابة ضربة تحت الحزام لم يتلقاها نتنياهو من قبل .
قرار سيفتح الباب على مصراعيه للتحقيق والتحدث العلني عن الجرائم التي سيعمل نتنياهو على زيادة وتيرتها كعادته لتوحيد المجتمع الصهيوني خلفه وان كان لا يحتاج لذلك كثيراً ، فقد برهنت كل الاحزاب الصهيونية في ردة فعلها انها فاشية وتجلس في اسفل اليمين المتطرف ، وانها مهشمة بمطرقة نتنياهو .
القرار سيفتح شهية المتطرفين للنيل من ما تبقي من السلطة باعتبارها الموقع الرسمي بالانضمام باسم دولة فلسطين ، لكنه قرار لن تنجو منه اسرائيل وستحتاج لسنوات من العمل لتخطي عواقبه .
نتنياهو الذي تحدث باسم شعوب العالم بدون تخويل منها ليصف يوم المذكرة باليوم الاسود مأزوم حداً لا يتصوره احد ، امريكا سوف تتخذ خطوات للتضيق على المحكمة لكنها لن تنجح في تقويض القرار الذي تحدي كل جهود الموساد التي وصلت حد التهديد بالقتل لكل منّ ساهم في خروج القرار .
قرار ازال عن صدورنا حاجز صلب في ملاحقة ( 27 الف) مرتزق و (58 الف) مزدوج الجنسية يخدمون في الجيش الاسرائيلي ، باب عريض يجعلني ادعو كل فلسطيني وكل حر يتواجد في اي دولة في العالم للتوجه الي اقرب مركز شرطة وتقديم شكوى بحق منّ شاء من الضباط الصهاينة واتهامهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية ، خلط الاوراق القانونية مطلوب ليجعل منها سيلاً جارفاً في وجه اي خطوة تحاول اسرائيل القيام بها للالتفاف على القرار .
لن ينجو نتنياهو وحكومته من الاثار البعيدة للقرار الذي يشكل تمهيداً غير مسبوق لمحكمة العدل الدولية لتقول كلمتها في جريمة الابادة ، قرار شكل فرصة لكل دول العالم الجنوبي لتتفاعل معه بقوة وتبرهن بارادة قوية ان المحكمة الجنائية الدولية لم تؤسس لتحاكم الافارقة وتشكل حصانة للمدللين من الغرب .
خطوة تشكل طريقاً واقعياً للنضال العقلاني الذي يتناسب مع ادوات القوة الفلسطينية دون الدخول في ممرات الهلاك التى تفتقد لموازين القوى ، قرار لم يضع نتنياهو وحده في الزاوية بل اخذ معه كل منّ راهن عليه عربيا واقليمياً ودوليا فهو قرار صنع منه المجرم المنبوذ .
انتهى