في يوم الصحافة العالمي: 143 صحفيا شهيدا وثقوا الحقيقة بدمائهم خلال الحرب على غزة

وقفة الصحفيين في رفح
وقفة الصحفيين في رفح

مع حلول في يوم الصحافة العالمي ارتفع عدد الشهداء الصحفيين الى 143 صحفيا شهيدا، بعد الاعلان عن استشهاد المصور الصحفي إبراهيم الغرباوي في قصف إسرائيلي على مدينة حمد جنوب قطاع غزة، والصحفي محمد بسام الجمل متأثرا بجروح أصيب بها إثر غارة إسرائيلية على منزل شرق رفح الكاتبة والصحفية آمنة حميد وطفليها في قصف إسرائيلي طال منزلا لعائلتها في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

وكانت القناة 14 العبرية قد نشرت منذ أيام صورة الصحفية حميد هي زوجة الناشط الإعلامي سائد حسونة الذي أفرج عنه مؤخرا من قبل القوات الإسرائيلية التي أبعدته إلى رفح، ضمن مقطع بثته للتحريض ضدها وضد مجموعة من الفلسطينيين من غزة ممن كانوا بداخل مجمع الشفاء الطبي قبيل العملية الإسرائيلية الأخيرة بداخله.

الصحفيون سددوا ثمنا باهظا

وقد سدد الصحفيون في غزة ثمنا باهظا من دمائهم وأرواحهم وأسرهم وممتلكاتهم، من أجل وقف مسيرتهم المهنية التي أغاظت الاحتلال وأثارت غضبه بسبب كشفهم لفظائع وجرائم اسرائيل، حيث عاقبهم على ذلك باغتيالهم واستهداف أبنائهم وأسرهم، وقصف منازلهم ومقارهم الإعلامية، دون أن ينكسروا بل وتمسكوا بشعار "التغطية مستمرة".

تعمد استهداف الصحفيين

بعد 204 ايام على العدوان الإسرائيلي على القطاع، لم يمر اسبوع إلا وفقدت غزة أحد صحافييها، لتسجل هذه المرحلة منحدراً أليماً في تاريخ الصحافة العالمية وسط صمت عالمي مطبق،، بينما الصحفيون الغزيون يرحلون مع افراد عائلاتهم بعد ان أصبحوا بنك أهداف متعمداً لنيران جيش الاحتلال، في عدوانه المتواصل على مدار 7 شهور حيث اغتال واستهدف 143 صحفيا وعائلاتهم وسياراتهم ومقراتهم ومؤسساتهم بصواريخ الطائرات وقذائف الدبابات في مجازر بشعة، وسط كارثة إنسانية في القطاع.

وثقت المؤسسات الحقوقية والحكومية الفلسطينية ونقابة الصحفيين وقوع مئات الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق الصحفيين ووسائل الاعلام في الضفة الغربية وغزة، من ضمنها استشهاد 143 شهيدا من الصحفيين والعاملين في قطاع الاعلام، الى جانب عدد من المفقودين، وإصابة اكثر من 100 صحفي بجروح، وقصف منازل عائلات 68 صحفياً، وتدمير مقار70 مؤسسة ومكتب صحفي، وتعطيل عمل 25 إذاعة محلية، واغلاق وتقييد عمل 3 وسائل إعلامية، واعتقال 65 صحفيا وتحويل أغلبهم للاعتقال الإداري.

 

النقابة تعتز بالصحفيين

وعبر الدكتور تحسين الاسطل نائب نقيب الصحفيين في تصريح صحفي للقدس، عن اعتزاز النقابة بالصحفيين الذين يواصلون عملهم رغم ان الموت والبطش يحيط بهم من كل جهة، مؤكدا بان رواية الحق والحقيقة لن تغيب، وان صوت فلسطين سيبقى صادحاً وسامياً وسيتنصر على آلة القتل.

وأكد الاسطل، أن النقابة تبذل كل جهودها على مستويين، الأول توفير ما يمكنها من مقومات الصمود والحياة واستمرار عمل الصحفيين في قطاع غزة وضخ الحقائق، والثاني قيادة الجهد الدولي لوقف حرب الابادة واستهداف الصحفيين وتوفير الحماية لهم كمهمة عاجلة، والتأسيس لمحاسبة ومعاقبة قادة الاحتلال في المحاكم الدولية.

امريكا مشاركة في الجريمة

وتابع الاسطل ردا على سؤال القدس حول تصريحات الناطق باسم الخارجية الامريكية حول عدم وجود دلائل على تعمد الاحتلال قائلا: استهداف الصحفيين في حرب الإبادة على غزة يشكل دليلاً اضافياً على الشراكة الامريكية الكاملة في الجريمة المستمرة ضد شعبنا وصحافينا، وهي محاولة دنيئة لتمرير رواية الاحتلال الكاذبة التي تفندها وقائع الميدان، حيث يظهر الاحتلال الإسرائيلي قلقه البالغ من نشاط الصحفيين في قطاع غزة، لئلا يوثقوا جرائمه البشعة وفظائعه الوحشية التي ارتكبت هناك.

واضاف: بعد مرور 7 شهور على حرب الإبادة التي لا تلوح في الأفق اية بوادر لوقفها، تتعاظم جرائم الاحتلال بحق الصحفيين واعتبارهم اهدافا مشروعة لعمليات الاغتيال الواضحة وفق ما عبر عنه مسؤولون في الاحتلال، فمنذ اليوم الأول لهذه الحرب منحت حكومة الاحتلال لجيشها ضوء أخضر باستهداف الصحفيين، وكل من يحمل كاميرا في الميدان، وهو ما وصفته "لجنة الحريات" في نقابة الصحفيين بأنه "استهداف أصحاب عين الحقيقة".

الصحافة ترعب الاحتلال

وبدوره أوضح عبد الناصر ابو عون عضو الامانة العامة للنقابة أن الاحتلال يبدي مخاوفه من دخول صحفيين أجانب إلى قطاع غزة، للحد من كشف ملامح الدمار وعدم نقل الصورة وكشف الوجه القبيح لاسرائيل، مشيراً إلى أن ذلك قد يدفع العالم لإجبار إسرائيل على وقف الحرب.

وتابع ابو عون في تصريح للقدس: يتضح هذا القلق من خلال استهداف الصحفيين وعائلاتهم، ولعل وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة ومدير مكتبها في غزة أبرز من استهدف من عائلات الصحفيين، فقد قصفوا في منزل لأسرته التي نزحت إليه وسط قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد زوجته وابنه وابنته وحفيده، ثم محاولة اغتياله واصابته بيده في خانيونس، قبل ان يقتل الاحتلال ابنه الصحفي حمزة في رفح.

سنستمر في الرسالة

الصحفي المصور امجد الفيومي الذي يعمل لصالح عدة جهات اعلامية عالمية، لا يخفي قلقه الشديد على حياته وحياة وأسرته، ولا يستبعد ان يستهد في الحظة كما استشهد زملائه من الصحفيين في الميدان، وهو ايضا يخشى وزملاءه في قطاع غزة من استهداف منازلهم أوالانتقام منهم  بقتل أسرهم.

واكد امجد في حديثه للقدس ان استهداف الصحفيين لم يصبه بالجبن والتراجع عن أداء رسالته المهنية، وملاحقة تطورات الميدان، وما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم مروعة، وانه لن يغادر الميدان.

واوضح الفيومي انه منذ اندلاع الحرب نزحت عائلته التي تقطن حي التفاح بغزة نزحت 4 مرات واستقر بها الحال في منزل مستأجر بمدينة دير البلح وسط القطاع، وامه لم يقضي معهم سوى  ايام قليلة، حتى النوم لا يستطيع ان ينال منه قسطا وافرا، لأنه يلاحق تطورات الميدان لحظة بلحظة، ويوثق بالصوت والصورة تداعيات عدوانا هو الأعنف من بين كل الحروب السابقة على غزة.

وتابع الصحفي الفيومي: استهدف الاحتلال شركتي الاعلامية غرين التي اسسها قبل عام في حي الرمال وسط مدينة غزة، ودمر كافة معداتي من كاميرات واجهزة ومعدات واستوديوهات وديكورات وكلفتني اكثر من 100 الف دولار.

ويتابع هذا المصور الشاب، الذي فقد الكثير من زملاءه الصحفيين ابرزهم بلال جاد الله، الذي قتله الاحتلال بقصف سيارته بحي الزيتون جنوب غزة: هذا الاستهداف يأتي في سياق خلق حالة ترهيب للمصورين بغرض الابتعاد عن الميدان لتكون جرائم الاحتلال دون شهود وشواهد وبلا توثيق وضمن خطة ممنهجة.

واضاف: شعرنا بالخطر منذ اليوم الأول باستهداف المكاتب الصحفية في عدة بنايات مما أدى الى الابتعاد عنها وعدم قدرتنا على أخذ كافة المعدات اللازمة وهذا أثر على عملنا حيث لم نجد مكانا سوى محيط مستشفى الشفاء للتواجد بها، وعشنا ليالي مرعبة ومخيفة وكنا شهودا على استشهاد زملاء لنا، ثم انتقلنا مرغمين الى محيط مستشفى ناصر في خانيونس وسط القطاع، فيما رحل العديد من الزملاء الى محيط مستشفى ابو يوسف النجار، مع اقتحام الاحتلال لمدينة خانيونس واقترابها من المستشفى الا انني قررت البقاء وعدم المغادرة مجددا رغم المخاطر الجمة.

صحفيون في الميدان

ويعمل في القطاع قرابة الف صحفي فلسطيني مسجلين في نقابة الصحفيين، يحملون أرواحهم على أكفهم وهم يتنقلون في الميدان ، من بينهم مئات المصورين، حيث يعمل في الميدان لتغطية العدوان نحو 1500 صحفي وصحفية، نتيجة اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية بتطور الأحداث، وعدم السماح للصحفيين العرب والأجانب بالدخول للقطاع بغرض التغطية.

الصحفي وائل الدحدوح

ويعتبر الصحفي وائل الدحدوح مراسل الجزيرة، المثال الأبرز لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بعد استهداف منزل تسقيم في عائلته مما ادى الى استشهاد زوجته وابنه محمود وابنته شام وحفيده آدم ثم اصابته في محاولة لاغتياله حيث استشهد زميله المصور سامر ابو دقة، ثم استشهاد نجله حمزة بعملية اغتيال مقصودة.

وقال وائل الدحدوح لمراسل القدس خلال لقاء سابق جمعهما في خانيونس قبيل سفره للدوحة للعلاج: الاستهداف لنا أصبح واضحا حيث تم استهداف المنزل الذى نزحنا إليه ثم بيتي في حي الزيتون فى غزة ثم استهدافي أنا وزميلى سامر رحمة الله عليه ثم مكتب العمل وأخيرا اغتيال ولدى حمزة، وهي رسائل ضغط حتى لا نقوم بمهمتنا الاعلامية الإنسانية النبيلة.

وذكر وائل الدحدوح، الاحتلال يتحدث عن أن الصحفيين جزء من المعركة، وهم يرون أنه فى كل مرة يستهدفوننا لن يغير من مضمون التغطية، ورغم كل شيء نتمتع بأعلى درجات المهنية ونريد أن نذكر العالم الذى لا يريد إلا أن يستمع لرواية واحدة كما أنه لا يحرك ساكنا تجاه ما يتعرض له الصحفيون.

لجنة الحريات بالنقابة

ووفق ما رصدته ووثقته لجنة الحريات بالنقابة، فان جيش الاحتلال لم يترك وسيلة لاستهداف الصحفيين وعائلاتهم ومقارهم إلا واستخدمها بكل عنف، فقتل وجرح عشرات الصحفيين، ودمر عشرات المقار لمؤسسات إعلامية.

ووفق تقديرات النقابة فان نحو 85% من الصحفيين نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه، نتيجة الاستهداف الكبير لهم، خاصة، عندما تساقطت القذائف على مقربة من خيام الصحفيين في محيط مستشفى الشفاء بمدينة غزة.

واعتبر الاسطل،  أن ذلك جاء في سياق مخطط إسرائيلي لإفراغ مناطق غزة وشمالها من الوجود الصحفي، بهدف ارتكاب المجازر والجرائم بعيدا عن عدسات المصورين وأقلام الصحفيين، بهدف طمس الحقيقة وهذا ما اتضح لاحقا.

وتتابع نقابة الصحفيين الجرائم التي دأبت على وصفها بأنها "أكبر مقتلة في تاريخ الجرائم ضد الصحافة عبر العالم وفي أقصر فترة زمنية"، وترصدها في تقارير يومية، حيث تصل هذه التقارير بصورة مستمرة للأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية الصحفية والحقوقية، وللنقابات الصديقة.

وتحضر النقابة بالتنسيق مع الاتحاد الدولي للصحفيين للتقدم بشكوى ثالثة لمحكمة الجنايات الدولية، بعدما كانت تقدمت في العام 2022 بشكايتين، ضد الاستهداف الإسرائيلي للصحفيين وعائلاتهم ومقارهم الصحفية والإعلامية.

ويستخدم "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" الوصف ذاته بالإشارة إلى ما يتعرض له صحفيو غزة من جرائم إسرائيلية بأنها "أكبر مقتلة في التاريخ الحديث"، وقال رئيس المرصد الدكتور رامي عبدو: إن هذا الاستهداف الممنهج هدفه فرض تعتيم إعلامي شامل على قطاع غزة بأكمله.

وأكد رامي عبدو أن الاحتلال ينتهك بشكل صارخ كل المواثيق والقوانين الدولية التي تنص على وجوب توفير الحماية للصحفيين، لافتا إلى أن "إستراتيجية الاحتلال في حروبه على الدوام هي استهداف الصحفيين من أجل إخفاء الصورة وكتم صوت الحقيقة".

وقد دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية التعبير، إيرين خان، إلى حماية الصحفيين في قطاع غزة وضمان سلامتهم في وجه الانتهاكات التي يتعرضون لها، خلال الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على القطاع التي أدت لاستشهاد عشرات الصحفيين، وأفراد من عائلاتهم.

وأعربت إيرين، وهي الخبيرة بالأمم المتحدة المكلّفة بالدفاع عن الصحفيين، عن تضامنها مع الصحفيين في غزة، وأشارت إلى أن مهنة الصحافة قد أصبحت ضمن أكثر المهن خطورة في شتى أنحاء العالم.

وقد وجهت سلطات الاحتلال الإسرائيلية اتهامات للصحفيين في قطاع غزة بـ"التواطؤ" مع المقاومة، متهمة إياهم بنقل تفاصيل الوحشية التي يتعرض لها أهالي القطاع جراء العدوان، بينما يتواصل عداد الصحفيين الذين يفقدون حياتهم جراء هذا العدوان بالارتفاع يومياً.

ونشر وزير الإعلام الإسرائيلي شلومو كارهي تغريدة على حسابه بموقع إكس ينتقد فيها وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك "نيويورك تايمز"، و"سي إن إن"، ووكالة "أسوشييتد برس"، و"رويترز".

واتهم الوزير وسائل الإعلام تلك بتواطؤ مراسليها مع المقاومة الفلسطينية، ويُظهر هذا الانتقاد الشديد تصاعد التوتر بين الحكومة الإسرائيلية ووسائل الإعلام الدولية، مع محاولات "تل أبيب" اتهام الصحفيين بعدم الحياد، وتقديم تغطية مفبركة للأحداث في القطاع، رغم أن الواقع أسوأ بكثير مما ينقل على شاشات التلفزة.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن الصحفيين يعدون "شركاء في جرائم ضد الإنسانية". وفضلاً عن ذلك، اتهم عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الصحفيين بالوقوف كمتفرجين في "مسرح المذبحة"، مشيراً إلى تورطهم في الأحداث بشكل غير مباشر.

ومن جهة نظر عدد من المراقبين، تعتبر استهدافات جيش الاحتلال للصحفيين في قطاع غزة محاولة لمنع نقل المجازر التي يرتكبها ضد الفلسطينيين.

انتهى

القدس-غزة: كتب علاء المشهراوي