ما سيناريوهات دخول إسرائيل بريا إلى رفح؟

دبابات
دبابات

 يتصاعد التهديد الإسرائيلي بالدخول البري إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، على الرغم من وجود موقف دولي وإقليمي رافض ومُحذّر من مغبة الخوض في عملية عسكرية، ما يضع العديد من السيناريوهات حال الاقدام الإسرائيلي على ذلك.

السيناريو الأول: عملية واسعة:

الشكل الذي يوحي الاحتلال بنيّته تنفيذه هو عملية واسعة ومعمقة تستهدف وصول جيش الاحتلال لكل محاور محافظة رفح، ما يعكسه الحديث عن نية تفكيك الألوية الأربعة الناشطة في رفح، وهي ألوية منتشرة على طول أراضي رفح من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها، والحديث عن القضاء عليها وتفكيكها يتطلب التعمق إلى أقصى حد في المحافظة على غرار ما جرى في خانيونس.

يتطلب تنفيذ مثل هذا السيناريو الوصول إلى أجوبة حول العديد من النقاط، أولها مرتبط بمصير عشرات آلاف النازحين، وثانيها مرتبط بالتوافق مع مصر على عملية بهذا الحجم على حدودها وتضمُّنها بدرجة أساسية السيطرة مجدداً على محور فيلادلفيا الفاصل ما بين الأراضي المصرية وقطاع غزة، وهي نقاط عالقة لا يوجد صيغة واضحة حتى الآن لتجاوزها.

 السيناريو الثاني: عملية محدودة في الشريط الشرقي:

كنوع من إظهار الجدية والالتزام بالتعهدات العلنية وعدم إظهار أي بقعة وكأنّها حصينة أمام جيش الاحتلال، يمكن أن يلجأ جيش الاحتلال لتنفيذ عملية عسكرية تستهدف التعمق لمساحة كيلو إلى كيلو ونصف على الحدود الشرقية لقطاع غزة، مما يُسهم في استكمال الشريط العازل الذي عمل جيش الاحتلال على تثبيته على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، إذ عمل على تسوية كل المنشآت والمباني والأراضي الزراعية على امتداد كيلو متر مربع من الحدود الشرقية في كل أراضي القطاع، باستثناء رفح.

تُحقّق عملية مشابهة الهدف من استكمال إنشاء المنطقة العازلة الساعية لتأمين غلاف غزة من أي هجمات محتملة مستقبلا، إضافة لكسرها تابو عدم وجود أي محافظة في قطاع غزة بقيت محصّنة ولم تتعرض لاجتياح صهيوني مباشر، إلى جانب تحقيق مثل هذه العملية هناك ضغط كبير على المقاومة الفلسطينية عبر الضغط على المحافظة التي باتت مأوى للكم الأكبر من النازحين.

 السيناريو الثالث: عمليات خاطفة ومُركزة في عدة محاور داخل محافظة رفح:

على غرار بعض العمليات في مناطق شرق محافظة غزة، يمكن أن يسعى جيش الاحتلال إلى شن عمليات مُركزة وخاطفة تستهدف التعمق بشكل رأسي داخل محاور محددة في محافظة رفح تشكّل عناوين الارتكاز للألوية الأربع التي تحدث عنها قادة الاحتلال، مما يُسهم في استنزاف هذه الألوية وكشف مكامنها وتسهيل استهدافها من الجو واستنزافها دون الاضطرار للتعمق الواسع داخل أحياء رفح بمدينتها ومخيّمها، إضافة لمجموعة من العمليات الخاصة التي يُمكن أن تستهدف تحرير أسرى الاحتلال (على غرار عملية تحرير أسيرين في مخيّم الشابورة وسط رفح قبل أيام) أو عمليات اغتيال/ اعتقال محددة بعمليات كوماندوز.

يُحقّق هذا الشكل من العمليات الهدف العملياتي الذي يسعى الاحتلال له عبر ضرب الألوية الناشطة في رفح واستنزافها واستهداف بنيتها التحتية، دون الاضطرار لإخلاء محافظة رفح من النازحين فيها، بل نقلهم من مربع إلى آخر عبر سياسة إخلاء “البلوكات” التي اعتمدها جيش الاحتلال في محاولة دعائية لتجاوز الضغط الدولي الناتج عن اخلاء محافظات بأكملها دفعة واحدة، في ما يتجاوز هذا السيناريو إغراق جيش الاحتلال في عمليات قتالية واسعة وتعرضه لضربات مؤثرة من المقاومة ووقوعه في كمائنها.

 السيناريو الرابع: احتلال محور فيلادلفيا والشريط الشرقي:

أن يُنفّذ الاحتلال مناورة برية واسعة لاحتلال كل الشريط الحدودي شرق وجنوب رفح، بما يشمل احتلال محور فيلادلفيا ودفع النازحين إلى مناطق شمال رفح وجنوب خانيونس، إضافة لاستكمال المنطقة العازلة شرق رفح، ومن ثم تحويل هذين المحورين إلى رؤوس جسور لجيش الاحتلال لتنفيذ عمليات إغارة داخل أحياء محافظة رفح الصغيرة جغرافيا، حسب الحاجة.

يُحقّق هذا السيناريو عدة أهدافاً إسرائيلية أولها السيطرة على محور فيلادلفيا، وبالتالي، الإجهاز على أي عملية تهريب يدّعي أنّها تجري من تحت الأرض على طول الشريط الحدودي، ومن جانب آخر يتحكم بكل معابر ومنافذ قطاع غزة البرية وبأي اتصال لها مع العالم الخارجي، ويُطبق حصاره عليها بشكل كامل، كما يحقق له مواقع تمركز تسمح له بتنفيذ عمليات إغارة وتحقيق مبدأ حرية الحركة والقضم التدريجي لمحافظة رفح وحصار ألوية المقاومة داخل بقعة جغرافية صغيرة في ظل استمرار التمركز في محاور متعددة من محافظة خانيونس المحاذية لرفح من شمالها، كما يستكمل إنجاز المنطقة العازلة شرق رفح.

 يحتمل كل سيناريو من السيناريوهات المذكورة العديد من جوانب الضعف والقوة، في ما تُشكّل الكتلة البشرية من السكان والنازحين العائق الأكبر في وجه غالبية السيناريوهات وهو ما يتطلب إيجاد صيغة واضحة لشكل التعامل معه والبحث عن وسيلة ومكان لإخلاء رفح من النازحين إليها مما يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات التهجير القسري إلى خارج القطاع رغم كل العوامل التي تتعارض مع احتمالية نجاح هذا الخيار، في ما تنحصر الخيارات الأخرى لتعامل الاحتلال مع هذه المعضلة في الانسحاب من خانيونس ودفع النازحين إليها، أو السماح ولو جزئياً بعودة أهالي شمال قطاع غزة إلى أماكن سكنهم، ولكنّه خيار لا يريد الاحتلال منحه بشكل مجاني بل بحث عنه ضمن صفقة وفق شروطه ومعاييره.

🔻 السيطرة على محور فيلادلفيا، والتي تقع في صلب السيناريو الأول والرابع، لا يمكن أن تتمّ دون توافق وتفاهم مع المصريين، والذين يبدون حتى الآن موقفاً متصلباً رافضاً لمثل هذا الخيار، وتجاوز الاحتلال لخيار التوافق مع الطرف المصري على مثل هذه الخطوة يمكن أن يضعه في أتون المخاطرة بتوتير العلاقة مع المصريين، وهو ما لا يريده أي مكون من مكونات المشهد السياسي الصهيوني الذين يرون في الحفاظ على العلاقات الإيجابية مع مصر هدفاً استراتيجياً مهما، كما أنّ مثل هذه السيطرة ستعني حسم الاحتلال لخيار البقاء مطولاً في قطاع غزة وترسيخ نظام احتلال داخل القطاع وتحمُّل مسؤولية السكان داخل القطاع، وهو عنوان لا يُشكّل موضع إجماع في مجلس الحرب الصهيوني بل عنواناً خلافياً كبيراً مع الولايات المتحدة وعبئاً كبيراً لا يبحث الاحتلال عن تحمله.

🔻 يبقى السيناريو الثاني والثالث وإمكانية الدمج بينهما هما الأكثر رجوحاً من بين السيناريوهات المذكورة بما يتيح للاحتلال هامشاً واسعاً من المناورة والتعامل التدريجي مع مشكلة النازحين ودفعهم للانتقال من شرق ووسط رفح إلى غربه ومن ثم عبر الشريط الغربي لأي مكان آخر يمكن أن ينهي جيش الاحتلال عملياته فيه، ويسمح الدمج بين السيناريوهين إلى حد كبير بتصدير الاحتلال لدعاية تحقيق أهدافه الميدانية بالقضاء على ألوية المقاومة الناشطة في رفح وتفكيك بنيتها التحتية، واستكمال الشريط العازل شرق رفح، وإدعاء تنفيذ عملية تراعي المتطلبات الدولية بكونها “عملية مخطط لها” وفق التوصيف الأمريكي.