الرئيسية| اقتصاد| التفاصيل

تركيا قلب اوربا النابض حيث الماضي يعانق الحاضر

تركيا قلب اوربا النابض حيث الماضي يعانق الحاضر
تركيا قلب اوربا النابض حيث الماضي يعانق الحاضر

اسطنبول : مشرق نيوز / اخلاص محمد

امتزج الدين بالتاريخ والجمال .. وتلاقت الحضارة القديمة مع المدنية الحديثة .. ولاحقت الاساطير التكنولوجيا .. تلك هي تركيا آل عثمان التي تتارجح بين قيم الاسلام والشرق وضرورات المدنية والغرب .. مناظرها الخلابة تأسر  القلوب .. ومساجدها وقصورها تسنحضر التاريخ للعقول .. تحكي مدنها تاريخنا الاسلامي الذي مازالت معالمه واضحة في قصورها الفاخرة ومساجدها العتيقة .. ولكل قصر حكاية ولكل مسجد رواية .. هي بامتياز بلاد التلريخ القديم والحديث ، ولما لا وقد امتدت امبراطوريتها العثمانية لمعظم ارجاء العالم حيث كانت الآستانة مقرا لها .

والزائر لتركيا يكتشف في كل مرة جديدا وسحرا .. فما أن وطأت قدماي اسطنبول اخيرا بعد نحو ثماني سنوات على آخر زيارة لي للمدينة وجدتها وقد تغير وجه الحياة فيها تماما وان ظلت محافظة على اصولها الشرقية .. فهي المدينة التي تربط بين قارتي آسيا واوربا حيث يربط مضيق البوسفور والبحر الاسود  ببحر مرمرة وخليج القرن الذهبي.

واسطنبول التي كانت في السابق عاصمة لثلاث امبرطوريات هي الرومانية والبيزنطية والعثمانية تحتضن في ثناياها تراثا غنياً، هذه المدينة تعد المركز الاقتصادي لتركيا لا تمتاز فقط بكونها غنية من ناحية الميراث التاريخي بل تمتاز ايضا بكونها المدينة التي يقصدها وتغادرها بواخر المسافرين والسفن التجارية وحركة وسائط النقل فيها.. فعلى بعد كيلومترات معدودة فقط من هذه المدينة التي تشهد حركة دائبة ومتواصلة، هناك الغابات والسواحل الممتدة لكيلومترات طويلة وتعد اماكن مثالية للسياحة والاستجمام، فالمتاحف والكنائس والقصور والجوامع والاسواق والثروات الطبيعية الكثيرة تكاد لا تحصى ولا تعد، ولدى تأملك لغروب الشمس في مضيق البوسفور يمكنك استنتاج دوافع البشر الذين استوطنوا على مدى التاريخ في هذه المدينة التي تعد اكثر مدن العالم سحرا وجمالا وتألقا، ذلك المضيق المتعرج الذي ي فصل اوربا عن آسيا تعرض ضفتيه للناظر مزيجا مدهشا من الماضي والحاضر، فالاطلال التي تعود الى الماضي البعيد تجاورها الأبنية الفخمة التي تعود للحاضر القريب ..الفنادق الحديثة الى جانب الفيلات الخشبية على خط الساحل ..والقصور الرخامية تتاخم الحصون المصنوعة من الحجر البسيط والمجمعات السكنية الانيقة.. إن أفضل وسيلة لمشاهدة البوسفور هي ركوب احدى القوارب السياحية التي تنطلق في خط متعرج بين الضفتين والتي تتكلف ذهاباً وإياباً مبلغاً معقولا من المال وتستغرق ست ساعات.

 

وقبل مغادرتي ابوظبي نصحتني احدى صديقاتي بزيارة القصور الشهيرة لأتعرّف على عراقة هذا المكان وعظمته، وبالفعل كان برنامجنا يتضمن زيارة اشهر القصور وهو قصر " طوب قابي " المكون من مجموعة من المباني التي كانت تشكل مركزا للامبرطورية العثمانية ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر، وفي هذه البيئة توالى السلاطين وحاشيتهم وعاشوا حياتهم المترفة .. وللقصر فناء خارجي تشكل حديقة رائعة مزدحمة بالزهور والاشجار المتنوعة.. وفي منتصف القرن التاسع عشر بنى السلطان عبد المجيد قصر " دولمة باغجة " الذي يبلغ طول واجهته 600 متر على امتداد الشاطئ الاوروبي لمضيق البوسفور حيث يشعر الزائرون والسواح بالدهشة والانبهار لدى دخولهم قاعة الاستقبال الواسعة التي تضم 56 عمودا وثريا تزن اربعة اطنان مضاءة ب 750 مصباح، وفي هذا القصر توفي مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك في ا لعاشر من نوفمبر تشرين الثاني 1935م، ويمكن زيارته طوال ايام الاسبوع ما عدا الاثنين والثلاثاء..، وهناك قصر " يلدز " الذي استكمل بناؤه السلطان عبد الحميد الثاني وقصر كوك صو والذي اشتق اسمه من جداول المياه القريبة والمحيطة به والذي يصب في مضيق البوسفور، ولمن يرغب في استكشاف المزيد من المعالم فيتوجب عليه زيارة المساجد الاسلامية مثل جامع رستم باشا وجامع الفاتح وجامع السلطان احمد الذي يقع في الجهة المقابلة لايا صوفيا وهو ذو المآذن الستة والذي قام بانشائه المهندس المعماري محمد بين عام 1609 و 1616 ويشتهر هذا الجامع باسم الجامع الازرق بسبب وميض جداره الداخلي المكسو بقطع بيضاء وزرقاء من السيراميك التي جلبت من منطقة أزنيك..  ويعتبر هذا الجامع من اجمل جوامع السلاطين في اسطنبول وفي داخله يوجد المحراب والمنبر المصنوعين من الرخام الابيض المزخرف بنقوش دقيقة والنوافذ ذات الزحاج المصبوغ التي تعطي الوانا للضوء الداخل منها.. وهناك الكثير من المتاحف الاسلامية كالمتحف الفني التركي الاسلامي الذي بني في العام 1524 من الحجر الاسود ويعتبر من اضخم الابنية الت ي شيدت في عهد الامبراطورية العثمانية، ويمكن ايضا زيارة متحف الموزائيك الذي يحافظ الى الان على ارضيات مرصوفة بالفسيفساء التي يعود تاريخها الى القرن الخامس والسادس والتي بقيت من العهد البيزنطي والمتحف البحري والمتحف الحربي.

ولمحبي التسوق، يمكنهم زيارة  سوق قابالي جارشي (البازار) وهو عبارة عن متاهة من الشوارع الضيقة والممرات المتشابكة ويضم اكثر من اربعة آلاف دكان فهو المركز الرئيسي للتسوق لانه يحتوي على ما يتناسب مع كل شرائح المجتمع من مصنوعات يديوية ومصوغات وسجاد وفخار وسيراميك وصناعات جلدية وبطانيات المرغز ذات النوعية الفاخرة، وفي سوق "مصر جارشسي أو سوق التوابل هناك ستشعر انك انتقلت الى سحر الشرق الغامض ففي هذا المكان يمتزج الهواء بروائح القرفة والكراوية والزعفران والنعناع والزعتر وكل ما يمكن تخيله من التوابل والاعشاب.

اما سوق اسطنبول للفنون فيمكنك مشاهدة الصناع والفنانين في اثناء قيامهم بانتاج مصنوعاتهم حيث يمكنك شراء ما ترغب.

اما زيارتي لجزيرة الامارات فقد كانت رائعة فقد اكتشفت فيها انه من يحب الاسترخاء والاستجمام يمكنه زيارة تلك الجزيرة وهي احدى الجزر التسعة من ارخبيل بحر مرمرة، الذي كان في الماضي منفى لامراء البيزنطنيين اما اليوم فيزورها اغنياء اسطنبول خلال اشهر الصيف لغرض الاصطياف والاستمتاع بنسيم البحر المنعش، وتشتهر هذه الجزر بابنيتها الانيقة التي يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر.. اما اكبر هذه الجزر فهي جزيرة "بيوك أدا" وفيها ركبنا عربة تجرها الخيول في رحلة بين اشجار الصنوبر.  ولكن بعد زيارة الامكان التراثية والمساجد والماحف والاسواق لابد من ان يكون من ضمن برنامج الرحلة زيارة كيليوس التي تقع على بعد 25 كيلومتر خارج اسطنبول على الساحل الاوربي للبحر الاسود، والتي تتميز بشواطئها الرملية العريضة التي تجذب سياح اسطنب ول اثناء اشهر الصيف. والى الداخل من الساحل الاوروبي للبحر الاسود تقع غابة بلغراد وهي اكبر غابة حول اسطنبول، ففي نهاية الاسبوع يقوم سكان اسطنبول بنزهات عائلة تتخلها الاكلات الشعبية المعروفة وهي شي اللحم على المناقل وفيها مركز للفروسية يضم 500 اسطبل مما يتيح للجميع القيام برحلة ممتعة على ظهور الخيل.. وعلى شاطئ البحر الاسود وعلى بعد 70 كيلومترا من اسكي دارا توجد شواطئ شيلا الرملية والقريبة من اسطنبول والتي تجعل منها مطاعم السمك والفنادق واحدة من امتع اماكن الراحة والاصطياف وفي هذه المنطقة تتم صناعة شيلا بيزي وهو من القطن الخفيف الذي يحظى باعجاب السائحين.

اما مدينة بورصة فتعد من المدن التي تشتهر ببيوتها العثمانية القديمة المثيرة للاهتمام والتي تشتهر باسم بورصة الخضراء وهي مليئة بالحدائق والمنتزهات وتطل على وادي اخضر وتقع المدينة في مركز منطقة هامة لزراعة الفواكة كانت بورصة ولا زالت مشهورة بتجارة الحرير وصناعة المناشف وينابيع المياه الساخنة ومن الاطعمة التي تشتهر بها هي (اسكندر كباب) وتتكون من الخبز وعصير الطماطم وشرائح من اللحم المشوي والزبد واللبن وتعتبر الكستناء المطبوخة في السكر من الحلويات الشائعة في المنطقة  والعديد العديد من الامكان، الحقيقة...

ولن انسى رحلتي الى مدينة ايناأدا الواقعة على الحدود البلغارية والتي وصلناها بعد ثلاث ساعات من انطلاقنا من اسطنبول بواسطة الباص، بداية شعرنا بان الطريق ستكون طويلة ولكن المناظر الخلابة والقرى الصغيرة الممتدة على طرفي الطريق اختصرت المسافات الزمنية الى ان وصلنا الى المدينة العذراء التي تنضب بالجمال الخلاق بسهولها ومزارعها وجبالها المنبسطة الممتدة الى بحر مرمرة والتي يمتاز شاطئها الطويل بازدحامه ايام الصيف لاعتماده على السياحة الداخلية، وقد قامت ادارة الفندق باستضافتنا بافضل الغرف ورتبت لنا على شاطئ الفندق الباربكيو الجماعي مما ترك فينا انطباعا لن ننساه خاصة ونحن نتناول قطع اللحم والدجاج والسجق المشوي من على المنقلة مباشرة (المنقلة تعني المنقل باللغة التركية)، وعدنا ادراجنا الى مطار اسطنبول بعد ان امضينا يومين كاملين في تلك المدينة الرائعة، وه نا استقبلنا طاقم الخطوط التركية لاطلاعنا على احدى طائراته الجديدة والتسهيلات التي تتميز بها، دخلنا المطار بكل سلاسة واجراءات مبسطة واطلعنا على الطائرة 777 التي تتميز بخاصية اضافية عن باقي الطائرات وهي ان هذه الطائرة مضافا اليها مقاعد على الدرجة السياحية يمكن ان تفتح والاستلقاء او النوم عليها وعلمنا ان هذا النوع من الطائرات خصص فقط لرحلات المسافات الطويلة. وتابعنا الجولة في المطار ودخلنا المطبخ المخصص لاعداد وجبات الطعام التي تقدم على متن الطائرة، فكل شئ كانت تراه اعيننا ندهش له، النظافة، الترتيب، غسل وتعقيم المواد الغذائية على كافة المستويات، الاعداد، التنظيم، الترتيب للصحون، طريقة التقديم،،،، و ،،،، و،،،،  هذا الجزء من المطار يحتاج الى يوم اخر للكتابة عنه، على كل الاحوال كم تمنيت ان تنتهي رحلتي على هذه الطائرة ولكن لاتكفي الكلمات للكتابة ولا الصفحات للتعبير ولا المجلات للقراءة ولا الانترنيت للتصفح، لان كل ما ذُكرَ اعلاه، لا يمكن ان يعطي الاماكن حقها من التعبير عنها او وصفها لان الجمال يكمن بالتفاعل معه من خلال الاحداث والذكريات.