لمن تدق الطبول؟ بقلم: يحيى رباح

لمن تدق الطبول؟ بقلم: يحيى رباح
لمن تدق الطبول؟ بقلم: يحيى رباح

تقرع الأجراس للسلام، ولكن أجراس السلام هامدة هذه الأيام، لا صوت لها، وأسراب الحمام تتساقط مذبوحة ابتداء من مخيم قلنديا الفلسطيني على مداخل القدس، وصولاً إلى أبعد نقطة في جبال اليمن، وشوارع بغداد، وريف دمشق، واغتيالات تونس العاصمة، وهجمات الإرهاب الدولي الذي يرتدي القناع الإسلامي في سيناء.
و لكن طبول الحرب تدق، بصوتها الرهيب المفجع، تدق طبول الحرب وعلى إيقاعها الرهيب يتحول البحر الأبيض المتوسط إلى حظيرة واسعة تزدحم بالسفن، والطرادات، وحاملات الطائرات، والغوصات.

و تقترب أسراب الطائرات القاذفة إلى أقرب نقطة من سوريا، لأن الأقوياء، الظالمين، المعربدين، يريدون لسوريا العربية، القلعة العربية، عبقرية المكان العربي، آخر ما تبقى من السيوف، يريدون لها أن تكون الضحية، بنفس التهم التي تستثير ذاكرتنا العربية جداً عما جرى للعراق، حين اتهموه وضربوه ومزقوه وحولوه إلى أشلاء متناحرة، ثم ثبت بعد قليل أن كل التهم لم يكن لها أساس على الإطلاق، فلم يعتذروا، وهل يعتذر الأقوياء؟

الضعفاء وحدهم يعتذرون، يذرفون دموع الندم عن شيء لم يفعلوه قط، يلطمون خدودهم على جرائم لم يرتكبوها قط.
يعذبون أنفسهم بلا طائل، ويرتدون أحياناً ليمزقوا أشلاء بعضهم كما تفعل قطعان الذئاب الجريحة حين تترك العدو الأصلي، المعروف بالعلم والضرورة، ويفتكون ببعضهم، أو ليس فاجعة الفواجع أن ترى قطعان الإسلام السياسي يصعدون من شهوتهم الوحشية هذه الأيام، وهم يقدمون الإغراءات والمعلومات والاستعدادات لأميركا وحلفائها، وإسرائيل ومن والاها، لتأتي وتضرب سوريا، وتأتي وتضرب مصر، وتأتي وتمزق كل هيكل من هياكل العروبة، على أساس أن العروبة شقيقتهم في الدم هي العدو، وأن أميركا عدوتهم في الميراث هي ألصق الأصدقاء.
الجوقة المعادية صاخبة الصوت، متداخلة الإيقاعات.

و دون مقدمات طويلة أو شروحات فلسفية فإن ضرب سوريا وهو هزيمة للعرب، من كانوا متفقين مع النظام السوري أو كانوا على خلاف معه، ضرب سوريا هو فقدان للعمق الحيوي العربي، ومن يقول بغير ذلك فإنه يتجرد من نظرية الأمن القومي العربي بأبسط أشكالها، وهؤلاء المتنطعون ضد سوريا دون حدود،عليهم أن يقنعونا بأي شيء مهما كان بسيطاً يبرر موقفهم، هل التدخل العسكري المعادي في العراق أفادنا؟
هل التدخل العسكري المعادي في ليبيا أفادنا؟

هل التهديدات ضد مصر الشقيقة الكبرى يصب في مصلحتنا في أية رؤية قريبة أو بعيدة؟
و الأجوبة كلها معروفة حتى للأطفال الصغار، ولأن الموقف العربي كان متأخراً، وكان باهتاً، وكان ينتظر الاذن من الأخر، فإن اللعبة في سوريا لم تعد لعبة داخلية بين النظام ومعارضيه، سواء المعارضة الأصلية التي لها مطالب عادلة ومعقولة أو المعارضة المدفوعة والمؤلفة والمفتعلة من خارج الحدود.

لقد تحولت اللعبة في سوريا إلى لعبة الأمم، كل من له ثأر قديم يحاول أن ينتقم.
وكل من له طموح غير مشروع يحاول أن يقامر، وكل من يعتقد أن تقسيم سايكس بيكو استنفد وقته يريد تقسيماً جديداً، الدول إلى دويلات، والشعوب إلى أشلاء طائفية وعرقية، وبذلك تصبح إسرائيل أقوى دول الطوائف، وسيدة الجميع بلا استثناء.
على الأقل: إن لم يستطع العرب بدولهم إخماد دقات طبول الحرب، فليتبرأوا منها، ليكونوا مع سوريا بقلوبهم إن كانوا عاجزين عن الوقوف بسيوفهم، وهذا هو أضعف الإيمان.