مصر على خطى سوريا- للكاتب إلياس مرديني

مصر على خطى سوريا- للكاتب إلياس مرديني
مصر على خطى سوريا- للكاتب إلياس مرديني

تعيد المشاهد التي بثتها قنوات العالم إلى الذاكرة الأيام الأولى من الحراك في سورية، عندما أراد أحدهم إراقة الدماء وجر البلاد إلى مستنقع العنف. اليوم المشهد يتكرر في مصر، لكن وكما في سورية تتحمل الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين المسؤولية أيضا عن العنف إلى جانب الحكومات، فمشروع الجماعة تدمير الفكر القومي والوطني وحماية حدود إسرائيل

بقلم إلياس مارديني

 

مشاهد قندهار وطورا بورا في القاهرة

تشي مشاهد القتلى والجرحى والدمار الذي تناقلته جميع قنوات التلفزة العالمية بأن مصر خطت خطوتها الأولى على الطريق السوري، وكما هو الحال في بلاد الشام تبدو أرض الكنانة ضيقة على أبنائها، البعض يؤكد إنطلاق ثورة جديدة في وجه الاستبداد الديني والدولة الشوفينية والإخوان المسلمين الذي لا يعترفون بالحدود الوطنية أصلا، فيما يرى أنصار الجماعة أن أيام وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والرئيس المؤقت عدلي منصور باتت معدودة، فالشرعية شرعيتهم وشرع الله سبيلهم.

عندما تابعت مشاهد ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة أحسست بأنني عدت إلى قرون ما قبل التاريخ، لا يخطر ببالك حتى أن تصور أنك متواجد في مصر الحضارة، وهذه الصور بالذات هي التي نراها في سورية أيضا، عندما تظن نفسك ترى طورا بورا وليس حلب أو دمشق.

ليس لدي أدنى شك أن جماعة الإخوان المسلمين دموية في تاريخا وسياساتها ورجالاتها، ورغم ذلك فإن استخدام العنف في فض اعتصامات "رجالات الله على الأرض" قد لا تكون الأفضل، لكن في الوقت ذاته قد يكون ضروريا لوضع حد لحملة التحريض والطائفية التي كان يروج لها قيادات الإخوان، وذلك بعد رفضهم كل الوساطات الأوروبية والأمريكية والخليجية وحتى دعوات الأزهر، فلم يكن لدى الإخوان أي رسالة، كما لم يكن لديهم قبل ذلك أي مشروع، إلا "إننا نريد عودة محمد مرسي، ونحن هنا حتى نموت " ، في حين أن تكديس السلاح في الميادين كان على أشده، وأنصار الرئيس المخلوع متمترسون خلف سواتر بنوها بتدمير الأملاك العامة. مراكز للشرطة في العديد من المدن تعرضت لهجمات بمختلف أنواع الأسلحة ومنها الثقيلة، وكما في سوريا قتل رجال الشرطة تحت صيحات "الله أكبر" وتم تصوير جثث شهداء مصر كي يتم المتاجرة بهم على شبكات التواصل الإجتماعي فيما بعد، ناهيك عن تدمير العديد من الكنائس في مختلف المدن المصرية انتقاما "للمجاهدين" الذين تم تفريقهم في القاهرة.


المواقف الدولية هي ذاتها.. متناقضة

المواقف الدولية جاءت كما العادة، تنديد باستخدام العنف وفرض حالة الطوارئ، ودخول الجيش على خط الأزمة والنار. روسيا وكالعادة دعت إلى ضبط النفس، أما من دعم حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي، هلل وطبل كما هو الحال مع الأمريكان والأوروبيين والقطريين والأتراك، والأخيرة تعتبر نفسها الوكيل الشرعي المعتمد للدفاع عن الإخوان المسلمين حتى لو وجدتهم على المريخ، ففي حين هددت واشنطن أنها قد تعيد النظر في المساعدات لمصر وتلغي التدريبات المشتركة بعد الأحداث الأخيرة، دعا سلطان البيت العالي رجب طيب أردوغان الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي لوقف ما أسماه بالمجزرة في مصر، متناسيا كيف تعامل مع ميدان تقسيم ومحتجيه.

أما من دعم الحكومة الجديدة والعسكر كالسعودية والإمارات فالتزموا عمليا الصمت في انتظار النتائج وتطورات القادم من الأيام، فدول الخليج لا تستطيع تقبل فكرة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم لأن ذلك سيشكل خطرا على الأسر الحاكمة، فكما ذكرنا سابقا مشروع الإخوان لا يعترف بالحدود الوطنية وهو تنظيمي وحزبي، أما الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز فقال مؤخرا إن المملكة "لن تقبل إطلاقا" بأحزاب لا تقود "إلا للنزاع" أو بأن يقوم "متطرفون" يعملون لمصالحهم الخاصة باستغلال الإسلام، وهذا الرجل وأسرته يريدون الديمقراطية والحرية لسورية ومصر.

وإنطلاقا من العلاقة بين العربية السعودية والإخوان يبدو موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية لافتا، فهي ترى في أي عدو لآل سعود صديقا لها، وزارة الخارجية الايرانية دانت أيضا ما وصفته بالمجزرة في مصر محذرة من عواقب خطيرة. اللافت في هذا المشهد هو موقف طهران الانتهازي، هي تغازل الإخوان في مصر وتؤيد ضربهم في سورية بكل قوة، فطهران تدرك أن أي حكومة غير إخوانية في القاهرة ستتآلف إقليميا مع الرياض ضدها، وعليه فإيران قد تدعم الجماعات الجهاديين في سيناء في القادم من الأيام دون النظر إلى ارتباطهم وعلاقتهم بالجهاديين في سورية.

الأحدث الأخيرة ستزيد من احتمالات التدخل الخارجي في الشأن الداخلي المصري، لكن لا مخرج آخر. تعطيل البنوك وتراجع حاد في مؤشرات البورصة المصرية سيفتح الأبواب مجددا أما المساعدات الخليجية ومبعوثي البنك الدولي كي يفرضوا شروطهم على السياسات المصرية لا سيما الإقليمية، أما اقتصاديا فلا توجد حلول سحرية للأزمة، والحل الوحيد هو إعادة الأمن والاستقرار السياسي إلى البلاد .


مصر ساحة جهاد كما سورية

نعم، جميع من سقط مصريون، ودمهم سيكون وقودا لما هو أعظم في القادم من الأيام، التجربة السورية حية ترزق، لكن بلغة السياسة والأرقام عندما يقتل حوالي 500 شخص ويجرح حوالي 3000 لفض اعتصامات تراوح عديدها في محيط ميدان رابعة العدوية وحده إلى ما بين 300 إلى 500 ألف شخص، فالرقم ليس خياليا، أما استقالة نوبل السلام الدكتور البرادعي نائب الرئيس الموقت عدلي منصور، قد تعطيه مؤهلات اضافية لخوض المعركة الانتخابية المقبلة لرئاسة مصر، فكل بحساباته.

فوضى دموية تحقق أحلام إسرائيل بتوريط الجيش المصري في حرب ومعركة داخلية، فيما حماة حدود الإحتلال من الإخوان منذ تأسيسهم في الثاثينيات من القرن الماضي والقاعدة منذ خلقها نهاية الثمانينيات من القرن نفسه، ومن يدور في فلكهم يستعدون لساحة جهاد جديدة، تعيد رسم السيناريو السوري حيث باتت بلاد الشام مكب نفايات لجميع حثالات العالم من المتأسلمين، ومصر اليوم على الطريق.