إعادة إعمار قطاع غزة .. تحديات وفرص - شذا قرموط

جامعة غزة.jpg
جامعة غزة.jpg

إعادة إعمار قطاع غزة .. تحديات وفرص - شذا قرموط
غزة / المشرق نيوز

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدّمة

أدّى الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في أيار/مايو 2021، إلى تدمير البنية التحتية نتيجة قصف المباني والمنشآت. وبعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، بدأ الحديث عن إعادة إعمار ما دمره الاحتلال؛ فقد أعلن عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري، عن تقديم منحة قيمتها 500 مليون دولار لإعادة الإعمار[1]، وأكد بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة جمهورية مصر، في 4 أيلول/سبتمبر 2021، أن "أعمال التشييد والبناء في قطاع غزة ستبدأ خلال أيام"[2]، وأفاد ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال العامة بغزة، في 25 آب/أغسطس 2021، بأن الوزارة تنتظر فتح المعابر، وإيفاء المانحين بتعهداتهم المالية، معلنًا عن منحة قطرية قيمتها 500 مليون دولار.[3]

وفي هذا السياق، صرح أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، أثناء جولته للمنطقة، في 24-25 أيار/مايو 2021، بالحاجة إلى إعادة الإعمار، شرط ألا تصل الأموال إلى حركة "حماس".[4]

وتشكل قضية إعادة الإعمار مطلبًا فلسطينيًا، فقد صرح يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، في 20 أيار/مايو 2021، بأن "الحركة ستفتح المجال أمام الدول الراغبة في المشاركة في إعادة الإعمار من دون أن تأخذ دولارًا واحدًا".[5] فيما أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في اجتماع مجلس الوزراء، بتاريخ 25 أيار/مايو 2021، ضرورة تقديم الإغاثة الفورية، وخلق فرص عمل وإعادة النشاط للاقتصاد بعد الدمار الذي سببه العدوان.[6]

تثير الخسائر التي لحقت بقطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي، في ظل حالة التشظي الفلسطيني مجموعة تساؤلات، حول التدخلات الدولية والإقليمية لإعمار قطاع غزة في ضوء الرفض الإسرائيلي. ورغم كل التصريحات بضرورة إعادة الإعمار، تبقى التحديات التي يفرضها الاحتلال والاشتراطات الدولية قائمة، ما تؤخر عملية إعادة الإعمار آنيًا، وقد تعيق العملية بشكل كلي أو جزئي مستقبلًا، بفعل ارتباطها بمفاوضات وقف إطلاق النار.

إعادة الإعمار من جديد

واجه قطاع غزة خلال أربعة اعتداءات عسكرية إسرائيلية، أولها العام 2008، ثم عدوان 2012، ثم 2014، وآخرها عدوان 2021. ونتج عنها دمار كبير للبنية التحتية والمباني والمنشآت السكنية، ومنها ما دمر بشكل كلي أو جزئي، وبعضها لم يُعد إعماره إلى الآن منذ عدوان 2008. أما في العدوان الأخير، فكانت الاعتداءات أشد قسوةً ودمارها أوسع، فهدم الكثير من المباني التي قدرت بـ (1.148) مبنى، وبعضها هدم للمرة الثانية، والوحدات السكنية قدّر عددها (14.918).[7] وقد أعلن مكتب الإعلام الحكومي بقطاع غزة أن الضرر الواقع على المنشآت، بشكل عام، تجاوز 14% من إجمالي عدد المنشآت الفاعلة في القطاع.[8]

نتيجة كل هذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة، جاءت التصريحات الدولية والإقليمية، من أجل عملية إعادة الإعمار، واقترنت العملية بتثبيت الهدوء بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعملية الإنعاش الاقتصادي للقطاع، وفق تصريحات بلينكن، بعد أيام من موافقة إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة على وقف إطلاق النار "إذا لم نتمكن من إيجاد سبيل لمساعدة الفلسطينيين على العيش بمزيد من الكرامة والأمل، ستتكرر هذه الدوامة على الأرجح، وهو أمر لا يصب في مصلحة أي طرف كان".[9] أما النظام المصري، فقد أكد أهمية تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، بحسب تصريحات بسام راضي، موضحًا أن القمة المصرية الأردنية الفلسطينية، تناولت جهود إعادة الإعمار بغزة، وجاءت استمرارًا للمشاورات بين الدول الثلاث، مشيرًا إلى تثبيت الهدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتهدئة الشاملة في القدس والضفة، ووقف الأعمال العدائية والاستيطان.[10]

وهذه ليست المرة الأولى التي تناقش فيها الدول الداعمة عملية إعادة الإعمار، فبعد كل اعتداء يتم عقد مؤتمرات ولقاءات من أجل إعادة ما دمره الاحتلال، فقد عقد مؤتمر للمانحين في مدينة شرم الشيخ المصرية بعد عدوان 2008، الذي حضره أكثر من 75 دولة أوروبية وعربية، وشدد على ضرورة إنهاء الحصار وتحقيق المصالحة الفلسطينية.[11]

وقدرت تكلفة الأضرار الناجمة عن عدوان أيار/مايو 2021 بمليارات الدولارات، وسارعت قطر إلى الإعلان عن تقديم 500 مليون دولار لإعادة الإعمار، بينما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 360 مليون دولار من المساعدات الفلسطينية، مع تخصيص جزء كبير للجهود التي تبذلها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كما أعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والصين عن دعمهم، إلى جانب مناشدة الأمم المتحدة تقديم 95 مليون دولار بشكل طارئ للاحتياجات العاجلة وتوفير أساسيات الاحتياجات الإنسانية.[12] لم تنفذ الدول المانحة تعهداتها بدفع الأموال بشكل كامل التي أقرت في المؤتمر، وإنما دفعت بعض الدول تلك التعهدات، منها السعودية، والكويت، وبعضها لم يتم الدفع.

العدوان الأخير وإعادة الإعمار

بدأ العدوان الأخير من حيث انتهى العدوان السابق (عدوان 2014)، حيث شمل قصفًا للأبراج السكنية، وكانت الاعتداءات في مدة قصيرة، وبحجم دمار كبير، إلى جانب تأخر التعهدات المالية الخاصة بعملية إعادة الإعمار، واقتصرت بشكل مباشر على المساعدات الإنسانية العاجلة، وليس المواد اللازمة لبناء ما تم تدميره.

لعبت مصر دورًا حاسمًا في التوصل لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وبدأت بإدخال بعض المواد كنوع من المساعدة العاجلة في إعادة الإعمار، ما يشير إلى أن هناك نية لمصر بأن تلعب دورًا رئيسيًا في الساحة الفلسطينية، وتساهم في جهود عملية إعادة الإعمار، والمشاركة، بقوة، في كل ما يتعلق بقطاع غزة، فيما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي، في 20 أيار/مايو 2021، أنهم ملتزمون بالعمل مع الأمم المتحدة لتوفير المساعدات والدعم لأهل قطاع غزة من أجل إعادة بنائه بعيدًا عن "حماس".[13] وصرح بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع الأمم المتحدة، وأصحاب المصلحة الدوليين لتقديم المساعدات الإنسانية، وحشد دعم دولي لشعب غزة، وجهود إعادة الإعمار، إلى جانب بناء شراكة كاملة مع السلطة الوطنية الفلسطينية بطريقة لا تسمح لحماس بإعادة تخزين أسلحتها العسكرية.[14]

تتفاوض الأطراف الدولية، وبخاصة مصر، مع السلطة الفلسطينية، ومع حركة حماس في قضايا عدة؛ أهمها تثبيت وقف إطلاق النار، وسير عملية إعادة الإعمار، من أجل تحسين ظروف الحياة في قطاع غزة، وإدخال المنحة القطرية التي تعطلت بفعل التعنت الإسرائيلي شهورًا، لكن هناك تعطيلات بفعل الأحداث الواقعة، منها التظاهرات على الحدود، وتشديد الحصار على القطاع بعد العدوان الأخير (منع دخول الأسمنت من مصر)، وهذا يشير إلى أن عملية التفاوض من أجل إعادة الإعمار معقدة، لاختلاط العوامل والمتغيرات، وتداخل الأبعاد الإنسانية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب تشابك المتغيرات المحلية بالإقليمية والدولية، والواقع السياسي الانقسامي في فلسطين.

التحديات الدولية والمحلية

بعد مرور أكثر من خمسة شهور على التهدئة غير المشروطة بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي، لا يوجد تقدم إيجابي في عملية إعادة الإعمار في ظل التحديات والإشكاليات بين الأطراف حول الآلية التي يجب أن تتم فيها إعادة الإعمار، ومواقف مختلفة من المجتمع الدولي، ومن أهم التحديات التي تواجه إعادة الإعمار في قطاع غزة:

التحديات الدولية: أشارت التجارب السابقة في آلية الإعمار، والواقع السياسي القائم، وطبيعة المفاوضات الجارية حول سير عملية الإعمار، إلى أن قضية الإعمار ليست قضية فلسطينية خالصة، فهناك مجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين والدول المانحة، التي لم تلتزم بتقديم كافة الأموال التي منحتها لإعادة الإعمار سابقًا، وهو ما حدث في توزيع المنحة القطرية. فبعد استعداد قطر لدفع المنحة، فإنها لم تستطع نتيجة رفض إسرائيل الآليات المتبعة لكيفية صرفها بعد العدوان الأخير، ولجأت إلى وضع قيود عليها، ما أدى إلى تأخر صرفها. وقالت وكالة الأنباء القطرية إن هذه الأموال هدفها مواجهة التحديات المعيشية للقطاع، والمساهمة في بناء المرافق الخدمية والمنازل المدمرة في غزة.[15]

كما أكد وزير الخارجية الأميركي الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين، بشرط ألا تصل إلى "حماس"[16]، كل ذلك يشير إلى توفر الإمكانيات والتمويل، لكن ضمن الشروط المطلوبة، وهذا يعيق سير العملية، وإلى الآن لم تحقق المفاوضات نجاحًا ملحوظًا، ولا يتغير الواقع بوجود تعهدات وتصريحات فقط، إضافة إلى رؤية الممثل السامي للاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، في 18 أيار/مايو 2021، أن القطاع يحتاج إلى إنهاء موجة العنف وحل الصراع الأساسي، وتحقيق الأمن الدائم بين إسرائيل وفلسطين[17]، وقال: إنه لا يمكن أن يتوقع من الاتحاد الأوروبي تمويل إعادة إعمار قطاع غزة في كل مرة يتم تدميره، دون وجود حل للنزاع بشكل أساسي.[18]

التحديات الإسرائيلية: تضع إسرائيل شروطًا تعجيزية تعيق سير عملية إعادة الإعمار؛ أهمها تشديد الحصار، وفرض القيود على المعابر، وقضية الأسرى والمفقودين الإسرائيليين لدى حركة حماس.[19] وفي هذا السياق، أكد بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي، "أن عملية إعادة الإعمار مرهونة بتسوية قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى في القطاع".[20] وهذا يشير إلى حرب اقتصادية تجاه قطاع غزة حتى بعد وقف إطلاق النار الأخير، مع استمرارها في شن هجمات محدودة ودائمة في قصف القطاع بين الفترة والأخرى.

التحديات الداخلية: تتمثل هذه التحديات في الانقسام الفلسطيني وما صاحبه من خلافات سياسية داخلية، وافتقار لخطط شاملة تجمع الكل الفلسطيني، كما تتمثل في التعارضات السياسية، والتنافس على إدارة عملية الإعمار، وغياب سلطة وطنية ضمن خطة إستراتيجية وطنية موحدة لإعادة الإعمار. وقد أوضح الرئيس محمود عباس موقف السلطة من عملية الإعمار أثناء خطابه في اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2021، مؤكدًا أن دولة فلسطين هي العنوان الشرعي لإعادة الإعمار.[21] وصرح في لقائه مع وزير الخارجية الأميركي في رام الله أن حكومته مستعدة للعمل مباشرة في إعادة بناء غزة، أو إنشاء حكومة وفاق وطني، ولكن بشرط الالتزام بالشرعية الدولية.

وفي ظل الخلافات على ملف إعمار غزة، رفضت "حماس" قرار الحكومة بتشكيل فريق وطني يدير ملف الإعمار، واستقال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة من الفريق؛ ذلك أن حماس تريد أن يكون لجهاتها الإدارية في الوزارات دور في إدارة الأمر، وإتمامه من خلال توافق وطني، ولكنها امتنعت عن التعامل مع الفريق الوطني، ما أدى إلى تعقيد الملف أكثر، وصعّب وصول الأموال إلى المتضررين.[22]

إضافة إلى تصريح "حماس" بأن انسحاب السلطة من اتفاق التمويل القطري لقطاع غزة، خطوة تعمق الأزمة الإنسانية بدلًا من حلها، طلبت السلطة تعهدًا رسميًا من الحكومتين الإسرائيلية والأميركية بعدم ملاحقتها في المحاكم الدولية، أو البنوك التي ستحول إليها الأموال، بتهمة تمويل الإرهاب، ولكنها لم تحصل على تعهد، وهذا ما دعاها إلى الانسحاب، وصرحت اللجنة القطرية في بداية شهر أيلول/سبتمبر بأنها تعمل حاليًا على وضع آلية لحل الخلاف، وإيجاد طريقة بديلة لصرف المنحة.[23]

خاتمة

تعد عملية إعادة إعمار قطاع غزة عملية سياسية اقتصادية تنموية، تعمل على إعادة بناء القطاعات والمنشآت المدمرة في القطاع، وهذه العملية تأتي في ضوء واقع سياسي منقسم، ما يساهم في تباطؤ عملية إعادة الإعمار، ويقدم ذريعة للدول المانحة للتباطؤ في تنفيذ تعهداتها، إضافة إلى الشروط الإسرائيلية التي تعيق عملية الإعمار وتتحكم بها، وتدخلات المانحين المشروطة في إعادة عملية الإعمار، دون تقدم في عملية التسوية السياسية وإحقاق الحقوق الفلسطينية، ما ينتج عنه اعتداءات جديدة بفعل السياسات والإجراءات الإسرائيلية.