تركيا بين الحلم الأوروبي والبديل الروسي

تركيا بين الحلم الأوروبي والبديل الروسي
تركيا بين الحلم الأوروبي والبديل الروسي


تعتبر رغبات الحكومة التركية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من قبيل أحلام اليقظة التي تراود هذه الحكومة فهي تنظر لأوروبا بعين "كعين الذئب محتالة" ترنو إلى تلك الاقتصادات الغنية "لتهبش" منها أكثر ما يمكن من امتيازات ولكنها في الوقت ذاته تخشى من أن تتحول هذه الأحلام إلى حقيقة تجردها من مقوماتها القومية والثقافية باندماجها في المجتمعات الأوروبية التي تضع كل الملفات الدينية على رفوف واقع الحياة وتسلخ عنها إيديولوجيا "الإسلام السياسي" لتتعرى أمام الأرقام الباردة والجافة للنمو الاقتصادي

بقلم سامي إبراهيم

 

لعبة الغرب مع تركيا

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا يرضى الغرب عن تركيا بالرغم من تكامل المصالح الاقتصادية التي تربط بينهما؟ حيث تجري خطوط نقل الغاز والنفط من أسيا الصغرى إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي التركية لما فيه من فائدة للدول الغربية ولتركيا أيضا كونها بحاجة ملحة لحوامل الطاقة لتلبية احتياجات اقتصادها المتنامي بسرعة كبيرة وتركيا عضو في حلف الناتو منذ العام 1952 وتملك ثاني أكبر جيش فيه بعد الولايات المتحدة وتدعم خططه حيث له قاعدة في أزمير وأخرى في اسطنبول مخصصة للقوات الأطلسية سريعة التدخل وفي العام 2011 وضعت تركيا على أراضيها منظومات الدرع الصاروخية الموجهة ضد إيران وكانت تركيا منذ انضمامها لهذا الحلف وخلال فترة الحرب الباردة منطقة عازلة تحد من تأثير الاتحاد السوفييتي على العالم العربي وحصلت مقابل ذلك على أسلحة أمريكية تزيد قيمتها عن ثماني مليار دولار بالمجان ودون مقابل.

 

أسباب الابتعاد الغربي

إلا أن تركيا في الوقت ذاته لا تسمح لنفسها أن يكون لها رأيها الخاص فحسب بل وتسير أحيانا بعكس التيار في طريق يتعارض مع شريكها الأكبر، فهي لم تفتح ممراتها البحرية مباشرة أمام السفن الحربية الأمريكية في العام 2008 أبان الحرب الجيورجية في آسيتيا الجنوبية وقبل ذلك رفضت تركيا في العام 2003 وضع أراضيها تحت تصرف الحلف الأطلسي والقوات الأمريكية لشن الحرب على العراق وفي غضون خلافات الغرب مع إيران حصلت تركيا على النفط الإيراني بأسعار استثنائية ما أعطى دفعة قوية لنمو اقتصادها وطورت تعاونها مع إيران في شتى المجالات حيث ابتاعت بمليارات الدولارات من النفط والغاز الإيرانيين واستثمرت أموالا كبيرة في قطاع استخراج النفط الإيراني ما مكن إيران من تجاوز العقوبات الغربية على قطاعها المصرفي ورفضت تركيا الالتزام بالقيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير المعادن لإيران وعلى استخدام النفط الإيراني في السوق الداخلية وصرحت بأن القيود الغربية والأمريكية لا يمكن أن تلزم تركيا بشيئ.

وكان دعم تركيا للبرنامج النووي الإيراني بمثابة المسألة الأكثر استفزازا للغرب وانطلقت تركيا بموقفها هذا من أنه إذا تمكنت إيران من صنع الأسلحة النووية فسوف يخلق انتشاره في المنطقة مشكلة من الصعب التغلب عليها وستبدأ أنقرة حينه بالعمل على تحقيق برنامجها النووي أيضا وعلى العكس من ذلك إذا اضطرت طهران إلى وقف برنامجها النووي ستكون تركيا أكثر حاجة وارتباطا بمصادر الوقود الخارجية.

ويرى خبراء أن نمو الاقتصاد التركي مرتبط إلى حد بعيد بتوظيف الاستثمارات الأجنبية حيث تشير المعطيات إلى تدفق ستة مليارات دولار إلى تركيا خلال الأربعة أشهر الأولى من هذا العام وإلى دخول الشركات الأجنبية إلى القطاع المصرفي والسياحي بشكل رئيسي وأن 87 بالمائة من الاستثمارات قدمت من الاتحاد الأوروبي و13 بالمائة من بقية دول العالم وفي مقمتها الدول العربية الخليجية ولوحظ في الفترة الأخيرة انخفاض في تسرب الاستثمارات إلى تركيا بشكل واضح.

 

مؤشرات غروب شمس الطفرة الأردوغانية

وكما نرى إن الاقتصاد التركي مرتبط إلى حد كبير بالاستثمارات الأجنبية ويوظف جزؤها الأكبر في القطاع السياحي وأن أي هبوط في نشاط هذا القطاع يمكن أن يشكل صعوبات جدية أمام الميزانية التركية حيث أن الاضطرابات الشعبية أفرغت الفنادق في اسطنبول بنسبة 80 بالمائة من نزلائها كما تدعو بعض الدول مواطنيها للإمتناع عن السفر إلى تركيا ويقول مواطنون أتراك أن التراجع في القطاع السياحي لم يكن نتيجة للإضطرابات وأنهم شعروا به منذ النصف الثاني من العام الماضي نظرا لتفاقم الأوضاع على الحدود التركية السورية وعندما بدأت حكومة أردوغان تتدخل بجلافة في الشؤون الداخلية للدولة الجارة لها إلى جانب المعارضة السورية وقدوم الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين إلى تركيا ونتيجة لذلك جرى سحب 8 مليار دولار من الاعتمادات المصرفية وبشكل أساسي الأجنبية منها.

وأشار المواطنون إلى أن حكومة أردوغان تجر البلاد شيئا فشيئا نحو الأسلمة العامة ما يفرض تقييدا للحريات الشخصية ويثير الاشمئزاز لديهم ويلاحظ ازدياد عدد الجوامع في البلاد وعدد النساء المحجبات في في شوارع المدن التركية ويتسع نفوذ الإسلام التقليدي ويبدو للوهلة الأولى أن ما يجري هو عملية تحويل تركيا إلى إيران ثانية ما يثير المخاوف لدى المجتمع المدني التركي وينبأ بهبوط في مكانة الطفرة الاقتصادية التركية ويتوقع خبراء أن النمو الاقتصادي في هذه السنة لن يتعدى 3,5 إلى 4 بالمائة وقد يكون ذلك مؤشرا على غروب شمس المعجزة الاقتصادية لأردوغان.

 

البديل الروسي

لذلك تسعى تركيا جاهدة في البحث عن مصادر إضافية لتمويل اقتصادها وخصوصا في مجال حوامل الطاقة وهي تخطط لزيادة نسبة الطاقة النووية في اقتصادها إلى 10 بالمائة في العام 2023 حيث وقعت اتفاقية مع كونسيرتيوم "أتوم ستروي" الروسي على بناء محطة كهروذرية بثلاثة مفاعل باستطاعة عامة قدرها 4800 ميغاواط وبكلفة لا تزيد عن 20 مليار دولار ينتهي العمل بها في العام 2020.

لقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا في القرن الواحد والعشرين ووصلت الشركات الروسية إلى القطاعات الصناعية والتجارية والمصرفية التركية وتطور التبادل التجاري بين البلدين من 7 مليار دولار في العام 2003 إلى 35 مليار دولار في العام 2012 ومن المخطط له أن ترتفع هذه النسبة إلى 100 مليار دولار في السنة أي بثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن.

ولكن بالرغم من هذا التطور يبقى فضاء العلاقات التركية الروسية ملبدا بالغيوم السياسية وخصوصا تلك التي تحملها الرياح القادمة إلى تركيا من الجهة الجنوبية لها وإذا تمكن البلدان من تقريب وجهتي نظرهيما في السياسة الخارجية فيمكن للعالم أن يشهد تحالفا اقتصاديا وجيوسيسيا كبيرا جدا.