رسائل الرمال الساخنة والمياه الدافئة.... بقلم: عائد زقوت

عائد زقوت.jpg
عائد زقوت.jpg

غزة/ المشرق نيوز

المتتبع للعلاقات المصرية التركية منذ اسقاط حكم الإخوان في مصر والموقف العدائي الذي اتخذه الرئيس التركي ارد وغان الذي أورث نفسه صفات النبوة دون وحي، فقد أظهر نفسه مَلِكاً أكثر من الملك نفسه، بترصده لمصر في كافة المحافل الدولية وتوفير كافة الدعم اللوجستي للمعارضة المصرية مما أدى إلى ازدياد حالة الاستقطاب واستعار أمواج الشحن والتحريض، وتخلت تركيا عن البراغماتية في التعامل مع التطورات الداخلية في مصر وغيرت خطابها الاستراتيجي ولغتها تجاه مصر، واشتد الصراع بين الدولتين في ساحات متعددة اهمها على الرمال الساخنة في ليبيا والمياه الدافئة في شرق المتوسط، حيث ساندت مصر الجيش الليبي بقياد حفتر ودعمت تركيا رئيس المجلس الرئاسي الليبي السراج وأخذ الواقع الميداني يروح ويجئ بين الطرفين إلى أن استطاع حفتر حصار طرابلس وأصبح سقوطها منتظراً بين عشية وضحاها مما استدعى تدخلاً تركياً حيث ركبت قطار البرق وسارعت لتوقيع اتفاق مع السراج يسمح لها بالتدخل العسكري في ليبيا، وشمل الاتفاق تسوية الحدود البحرية بينهما وقدم هذا الاتفاق عرضاً لمصر منحها مزيداً من المزايا في المنطقة الاقتصادية  الليبية المصرية في المتوسط إلا أن مصر رفضت الاتفاق، وتحولت الرمال الساخنة إلى لهيب، أدى إلى تراجع قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر، مما استدعى تدخل الرئيس المصري بإعلانه أن منطقتي سرت والجفرة خط أحمر ولن تسمح مصر لأحد أن يتخطاه، فتراجعت القوى المقاتلة المدعومة من تركيا،  وعادت الأوضاع على الأرض إلى ما تم رفضه سابقاً من السراج المتحالف مع تركيا على الصعيدين السياسي والأمني وأخذ الحل السياسي طريقه في ليبيا بعد أن فرضته مصر مرتكزةً على موقفها السياسي والعسكري عبر حوار دار بين المخابرات المصرية والتركية ؟!

وفي ذات السياق وبشكل موازٍ مع رسائل الرمال الساخنة كان هناك رسائل أخرى أكثر تأثيراً  أبرقتها المياه الدافئة لشرق المتوسط حيث الصراع على مخزون الغاز الطبيعي وما يفرضه من تسوية لرسم الحدود المائية بين دول المنطقة حيث نجحت مصر في عزل تركيا ووقعت اتفاقية لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، سبيلاً إلى انشاء منتدى الشرق الأوسط للغاز والذي ضم إلى جانب مصر واليونان وقبرص كل من الأردن والسلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، وبهذا تكون مصر عزلت تركيا من أهم منتدى اقتصادي شرق أوسطي لطالما كان مطمحاً لتركيا أن تصبح سيدته أو على الأقل لاعباً رئيساً فيه، وفي ذات الوقت نأت مصر بنفسها عن النزاع بين تركيا واليونان حول ترسيم الحدود البحرية، حيث أصرت مصر على استثناء  مناطق الخلاف بين تركيا واليونان من الاتفاق الموقع بينهما، فترك هذا الاستثناء انطباعا ايجابيا لدى تركيا مفاده أن مصر غير طامعة في الاستيلاء على مناطق نفوذها البحرية، فترجمت تركيا الاشارات المصرية في ليبيا وشرق المتوسط إلى مواقف معلنة فبادرت على لسان المسئولين في الوزارات السيادية وكذلك القصر الرئاسي الحديث عن امكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر مع الإشادة بمصر ومكانتها إلى الحد الذي وصف فيه الرئيس التركي الخلاف مع مصر على أنه سوء تفاهم يمكن معالجته، ولا يمكن الاستغناء عن مصر ودورها في المنطقة، فهل هذا التحول التركي ناجم عن البحث عن مصالحه التي أُهدِرَت نتيجة تحالفات مؤدلجة ثبت فشلها، أم أنه ناتج من إدراك تركيا أنه دون عمقها العربي والإسلامي لا يمكن لها أن تحقق شيئا لجهة الريادة في المنطقة، وأن الاحتكام  إلى الأجندات الوظيفية يقودها للسقوط في مستنقع العبث، أو قد يكون هذا التحول لا يعدو كونه مجرد مناورة من تركيا في محاولة منها لإفشال الاتفاق المصري اليوناني ومن ثم اضعاف منتدى المتوسط للغاز، لحساب تحالف تركي مصري، فعلى كل الأحوال، لا بد لتركيا أن تقدم براهين على جدية هذا التحول، فهل لتركيا ان تقبل أن تدفع مهراً لترميم علاقاتها مع مصر و الخليج العربي، وان تحظى بعضوية منتدى شرق المتوسط للغاز،  بمراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول واحترام سيادة القانون والأمن القومي العربي، وأن تنأى بنفسها عن التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية واخلاء القوات التركية من ليبيا والعراق وسوريا، والتخلي عن احتضان الإخوان المسلمين، وضبط القنوات الإعلامية الموجهة ضد مصر والتي تتخذ من تركيا مقراً لها وتسليم المطلوبين أمنياً،  فالأيام حُبلى بالأحداث والزمان كفيل بولادتها .

أخبار متعلقة