رجل المواقف.. اعتقل وأوقف عن العمل

عبد الستار قاسم.. قامة لم تنحن لتهديد الرصاص ولا لإغراءات الماس

عبد الستار قاسم.jpeg
عبد الستار قاسم.jpeg

عبد الستار قاسم.. قامة لم تنحن للماس و الرصاص 

رام الله / المشرق نيوز 

لم يكن رحيل الأكاديمي والمفكر السياسي البارز البروفيسور عبد الستار قاسم، رحيلًا عاديًا لرجل واجه في حياته الكثير من المتاعب والمخاطر بسبب مواقفه الرافضة للاحتلال ولنهج المفاوضات والتنسيق الأمني.

فها هو الرجل الذي اشتهر بمعارضته لاتفاق أوسلو، وانتقاده الصريح والجريء للسلطة الفلسطينية، ودعمه المقاومة، يقضي على أجهزة التنفس الصناعي متأثرًا بمضاعفات فيروس كورونا، بعد أسبوعين من وفاة شقيقه الأكبر بنفس المرض.

شغل قاسم الإعلام لأكثر من أربعة عقود، نال فيها الكثير من الأصدقاء والأعداء، لكن حتى أولئك الذين اختلفوا معه يكنون له الاحترام بسبب صدق مواقفه وجرأته في قول الحق.

وُلد عبد الستار توفيق قاسم الخضر في بلدة دير الغصون بمحافظة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة في عام النكبة، ومنها تشكل وعيه المبكر بالقضية الفلسطينية.

حصل على البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودرجتي ماجستير؛ الأولى في العلوم السياسية من جامعة ولاية كنساس، والثانية في الاقتصاد من جامعة ميزوري التي حصل منها أيضًا على درجة الدكتوراه في النظرية السياسية عام 1977.

عمل أستاذًا مساعدًا في الجامعة الأردنية عام 1978 لكن سرعان ما أنهيت خدماته فيها بعد عام واحد لأسباب سياسية على إثر الاجتياح الإسرائيلي لجنوبي لبنان.

التحق بعدها بالعمل في جامعة النجاح بنابلس منذ العام 1980 كما عمل لفترات قصيرة بشكل غير متفرغ في عدة جامعات فلسطينية، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير.

عرف بغزارة كتاباته وإنتاجه البحثي، إذ ألّف 25 كتابا، وأكثر من 130 بحثا نشرت في مجلات ودوريات علمية متنوعة، بالإضافة لآلاف المقالات المنشورة في المجلات والدوريات والصحف المحلية والعربية والدولية.

ويصف قاسم نفسه بأنه مفكر إسلامي وباحث استراتيجي، وصنفته إحدى دور النشر العالمية ضمن أفضل مائة كاتب في العالم، وهو حائز على جائزة عبد الحميد شومان للعلماء الشبان العرب لعام 1984.

وبسبب نشاطه السياسي والثقافي، اعتقلته سلطات الاحتلال عدة مرات، منها أربع فترات إدارية خلال الانتفاضة الأولى، ومنها اعتقالات قصيرة خضع فيها للتحقيق في الزنازين.

كما داهمت منزله في نابلس ودير الغصون عدة مرات، ووُضع تحت الإقامة الجبرية، ومُنع من السفر منذ عام 1981، بتهمة التحريض.

ودخل في صدام مع السلطات الأردنية بسبب مواقفه السياسية، وسحبت المخابرات الأردنية جواز سفره ومنعته من التنقل، وذكر ذات مرة أن شخصا نقل له رسالة تهديد بالقتل من المخابرات الأردنية عام 1984.

دفع قاسم مبكرا ثمن معارضته لاتفاق أوسلو، فتعرض لأكثر من ثمانية اعتداءات مباشرة تراوحت ما بين محاولة الاغتيال والضرب وتحطيم وإحراق مركبته، فضلاً عن رسائل التهديد اللفظية والمبطنة، في مسعى لإسكات صوته.

وكانت أولى تلك الاعتداءات إطلاق عناصر بالمخابرات الفلسطينية عام 1995 النار عليه وإصابته بأربع رصاصات، وكذلك محاولة اغتياله وهو داخل مركبته أمام منزله وبرفقته زوجته عام 2014.

كما تعرض للاعتقال سبع مرات لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية بين عامي 1996-2016.

وفي عام 1999 جاء اعتقاله على خلفية "بيان العشرين" الذي حمل تواقيع 20 شخصية فلسطينية، بينهم نواب بالمجلس التشريعي، ينتقدون فيه نهج التفاوض والفساد المستشري بمؤسسات السلطة.

ونظرا لتوجيهه انتقادات علنية مكتوبة لإدارة جامعة النجاح عام 2011، اعتقلته السلطة ثلاثة أيام، وأوقفته إدارة الجامعة عن العمل وأوقفت راتبه، لكنه عاد لعمله بعد أن برّأته المحكمة من التهم التي نسبت إليه.

واعتقل عام 2016 على خلفية مطالبته خلال مقابلة تلفزيونية بتطبيق القانون الثوري الفلسطيني الذي يقضي بإعدام كل من يتخابر مع "إسرائيل" أو يتعاون معها، وكذلك القانون الأساسي الفلسطيني الذي يحدد مدة رئاسة السلطة بأربع سنوات.

وترشح قاسم في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005، لكنه انسحب من السباق الانتخابي قبل انعقاد الانتخابات.

ورغم مكانته الأكاديمية والسياسية، إلا أنه لم ينس جذوره القروية، فحمل الفأس وواظب على فلاحة أرضه، وكان دائم التردد على مسقط رأسه دير الغصون.

ومنذ الإعلان عن وفاته، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات النعي من أكاديميين وسياسيين ومثقفين وعامة المواطنين، والذين أجمعوا على أنه صاحب كلمة الحق والصوت القوي والرأي الجريء.

وكتبت زوجته التي رافقته في مسيرة حياته الوعرة: "زوجي ورفيق دربي: رحلت عنا ولا اعتراض على حكم الله، ولكن سأبقى أبكيك ما تبقى من عمري".

مشروع سياسي لم يكتمل

ووصف النائب في المجلس التشريعي حسن خريشة الراحل قاسم بأنه "فارس فلسطيني وعروبي مقاوم بامتياز".

وقال لوكالة "صفا": "كان أخي الذي لم تلده أمي، وكنت ألجأ إليه في الملمات وعند التباس الرأي".

ولفت إلى أنه عرفه منذ زمن بعيد، وعمل معه في الانتفاضة الأولى، ورافقه في سجون الاحتلال التي تميز فيها بصلابته ومارس فيها دور التثقيف.

وأضاف "كان رافضا لمشروع التسوية بالكامل، وكان يصر على أن حدود فلسطين من النهر إلى البحر، وآمن بالمقاومة وتحالف مع المقاومين".

وأشار إلى أنه تعرض للكثير من الاعتداءات والتهديدات، لكنها فشلت في إسكات صوته، واستمر صوتًا للحق والحقيقة.

وعن رفضه اتفاق أوسلو قال خريشة: "كان يؤمن أن أوسلو مؤامرة حقيقية لشطب القضية الفلسطينية، وكان يطوف المدن والقرى والمخيمات يحذر من أوسلو ومخاطره".

وبيّن أنه عندما بدأ الحديث عن الانتخابات قبل نحو عام، عكف مع عدد من الشخصيات الوطنية على تشكيل قائمة انتخابية، وتم اختيار قاسم ليكون مرشحها في الانتخابات الرئاسية.

وختم بالقول: "لقد أعطانا والأجيال المقبلة من خلال مقالاته وكتاباته درسًا كيف يكون الرجال في زمن عز فيه الرجال".

المصدر: وكالة صفا