دعوات لمنع حرب أهلية في (إسرائيل)؟

دعوات لمنع حرب أهلية في (إسرائيل)؟
دعوات لمنع حرب أهلية في (إسرائيل)؟

القدس المحتلةمشرق نيوز

الحديث عن عدم مناعة المجتمع الإسرائيلي من نشوب حرب أهلية يطرح عادة على مستويين: المستوى الأول حرب بين العلمانيين واليهود المتدينين (الحريديين).

والمستوى الثاني بين الإسرائيليين الذين يقبلون بتسوية سياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وائتلاف اليمين المتطرف والمستوطنين الرافضين لها.

والمخرج الذي ابتدعته الحكومات الإسرائيلية لمواجهة المستوى الثاني يستند إلى طرح أي اتفاق تسوية نهائية، يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، على استفتاء عام في إسرائيل تقرر فيه الأغلبية مصيره.

حول هذا الموضوع كتب رئيس الكنيست السابق رؤوبين ريفلين مقالة في صحيفة "إسرائيل اليوم"، 25/7/2013، ادعى فيها أن الحكومة الإسرائيلية "تحتاج إلى استفتاء الشعب كي تُمكِّن من وجود ائتلاف مستقر يستطيع التفاوض مع الفلسطينيين..".

ويبرر ريفلين دعوته هذه، رغم كل تحفظاته على الاستفتاء كمبدأ وآليات، بأنها حاجة يفرضها  "الواقع الإسرائيلي الذي تتجاوز فيه الاختلافات العميقة المجتمع وتوجد فيه هاوية أيديولوجية ودينية بين المجموعات فيه"،

وباعتقاده "قد يُخفف استفتاء الشعب لهيب الاختلاف ويمنع حرباً أهلية، ويزيد في التزام الشعب الإسرائيلي بقرار الأكثرية الحاسم وأن يكون ذلك ضماناً لبقائه حقباً متطاولة".

لكن ريفلين يقرُّ بأن ذلك يخالف من حيث المبدأ أصول "الديمقراطية البرلمانية المعمول بها في إسرائيل"، حيث "يتم استفتاء الشعب الوحيد في كل أربع سنوات مرة – في انتخابات الكنيست. وفي الفترة بين انتخابات وانتخابات يكون الكنيست هو الممثل الوحيد لصاحب السيادة، إلا إذا حُلّ في ظروف يعدّها القانون".

ويضيف: "والى ذلك فإن الحكومة في الديمقراطية البرلمانية تعمل بقوة ثقة الكنيست بها، وليس من حق الحكومة أن تحكم بل هو واجبها، ولهذا فإن استفتاء الشعب قد يُضعف قوة الكنيست والحكومة، ويُحدث وضعاً تكون شرعيتهما فيه مشروطة باستفتاء الشعب. إن استعمال هذه الوسيلة بصورة دائمة مع كل قرار حاسم يُطرح في جدول العمل كما أعتيد في سويسرا يُفسد في واقع الأمر قدرة من انتخبهم الجمهور على تأدية عملهم".

ويقترح ريفلين أن يجرى استفتاء على جملة من خمس كلمات موجزة وقاطعة قبل أي مفاوضات "هي  هل تؤيد أم تعارض التسوية".

ويستمد منطق هذا التفكير مشروعية حسب ريفلين من حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على نفسه بحدة إزاء التسوية. وهو ما يقتضي سن تشريع خاص بمبدأ الاستفتاء غير المنصوص عليه في القانون الأساسي. وفي هذا الحيز يشير ريفلين إلى أن إحدى  المشكلات التي تعترض ذلك عدم وجود دستور في إسرائيل الأمر الذي تنتقص من النظام البرلماني.

غير أن ريفلين، شأنه شأن غالبية النخب السياسية والحزبية الإسرائيلية، يناقش موضوع الاستفتاء على التسوية وكأنه قرار سيادي إسرائيلي، مغفلاً تعارض ذلك مع قواعد القانون الدولي الذي لا يجيز لدولة الاحتلال أن تستفتي أحداً على بقاء الاحتلال أو إنهائه، وأن الاحتلال لا يستمد أي شكل من أشكال الشرعنة باستفتاء المحتلين والمستوطنين.

وما يقترحه ريفلين إنما يعبر عن مأزق دولة الاحتلال التي أصبح فيها المستوطنون دولة داخل دولة، ويتحكمون بالقرارات السياسية للحكومة الإسرائيلية.

ويعارض المستوطنون أي تسوية سياسية تتضمن تنازلاً عن جزء من المستوطنات في الضفة الفلسطينية، ليس فقط بدافع التمسك باحتلال جزء من أراضي الضفة، بل للحفاظ على المكتسبات المادية المجزية والتفضيلية التي يتمتعون بها من قبل الحكومات الإسرائيلية، وتؤكد ذلك جهات بحثية ورسمية إسرائيلية.

ففي عام 2003 أكدت "مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية"، في تقريرها السنوي، أنه "رغم النمو هناك 340 ألف عائلة فقيرة في إسرائيل، وأن 15 ألف عائلة فقيرة ستنضم إلى دائرة الفقر، وأن نسبة العائلات الفقيرة ارتفعت من 17.7% إلى 18.5%، وتعيش العائلات الفقيرة بأقل من 31% من الدخل الموصوف كخط للفقر).

في حين يؤكد تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي أن "الفجوة بين المبلغ المصروف على الفرد الواحد من قبل وزارة الإسكان في التجمعات السكانية داخل الخط الأخضر وبين تلك الموجودة خارجه (المستوطنات) بلغت 553 % بين الأعوام 2000 و2002، وأن المساعدة التي تقدمها وزارة الإسكان للمستوطنين بلغت "4585" شيكلاً مقابل "705" شيكلات في المناطق المصنفة كمناطق ذات أولوية وطنية (أ) داخل الخط الأخضر".  

وكما يشير تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس"،  إلى أن "لهذه الفجوة في الاستثمار على الفرد الواحد مغزى إيديولوجي ذو عمر مديد، ولا يمكن تفسيرها فقط بالتوجه لتعويض الإسرائيليين في مناطق الخطورة، أو تشجيع الهجرة اليهودية إلى المناطق  (المستوطنات) من أجل خلق حقائق سياسية.

الحديث يجري حول بلورة هوية يهودية مختلفة، ومن هنا ثقافة مغايرة عن تلك الموجودة في إسرائيل، هوية من خلفها رؤية تعتبر أن يهود  المستوطنات هم نخبة جديرة بشيء أفضل، وأن كل وجود دولة إسرائيل ما هو إلا أنبوب رضاعة بالنسبة لها".

أما ما يتعلق بالتأثير السياسي والحزبي للمستوطنين، فتشير الإحصائيات في السنوات الماضية إلى أن عدد أعضاء الليكود قد انخفض إلى حدود الثلث، وذلك كنتيجة لما جرى في سياق الصراع الدامي الذي وقع بين شارون ونتنياهو في سياق ترتيبات بيت الليكود على أبواب الانتخابات الإسرائيلية العامة السابقة 2005، وبفعل الحجم الوازن للمستوطنين فقد انتقل مركز الثقل لصالح التيار الأكثر تطرفاً.

لذلك فإن الليكود بات محكوماً في سياساته العامة بمواقف المستوطنين، بما في ذلك السياسات الاقتصادية الداخلية. والشيء نفسه ينطبق على "حزب العمل" وحزب "كاديما".

وعلى ضوء المعطى السابق فإنه وأمام المشاكل الاقتصادية المستفحلة سيزيد ابتزاز المستوطنين المتواصل من عمق هذه الأزمة، وبالتالي سيؤدي إلى خسارة الليكود ، أو أي حزب آخر، لقاعدته الانتخابية الأوسع، إذا تعارضت سياساته مع مصالح المستوطنين.

وخلصت دراسة أجراها البروفيسور شلومو كانيال من جامعة بار – ايلان الإسرائيلية إلى أن المستوطنين "يشعرون بالخيبة من أداء الدولة العلمانية ويرفضون "دين" الديمقراطية. كلهم يعتقدون أن هناك حرباً أيديولوجية دينية بين اليهودية والإسلام، وبعضهم يرون في الدولة والصهيونية عملية منتهية".

ورغم أن الدراسة أكدت أن "52.8% من المستوطنين يعتبرون أنفسهم متدينين جداً"، إلا أن الدراسة أشارت بوضوح إلى أن المستوطنين يعتبرون "لعبة الديمقراطية مثل الدولة، كلها مجرد وسيلة لخوض الصراع على هذه الأرض، الصراع ذو الطابع الديني الصارخ، الذي لا يمكن حسمه إلا من خلال الطرد والحرب والانتقام".

وبالتالي فإنهم في إيديولوجيتهم يجاهرون بعدائهم لـ"علمانية الدولة"، ورفضهم لأي حل سياسي حتى ولو قام على أساس ضم مناطق واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967. المفاجئ بصرف النظر عما سبق، في الاستطلاع ذاته يفهم من إجابة المستوطنين عن سؤال لاحق أن غالبيتهم تبدي استعداداً عالياً للمساومة على الرحيل من مستوطنات العمق، شريطة حصولهم على تعويضات مادية مجزية؟! بما يعني أن الاستيطان بالنسبة لهم تجارة رابحة مغلفة بادعاءات أيديولوجية، ربما تقود حسب ما يقوله ريفلين وآخرون إلى حرب أهلية إسرائيلية.