هل من الممكن أن تكون وجوه الأزمة هي نفسها وجوه الحل؟ بقلم احمد السبعاوي

احمد السبعاوي.jpg
احمد السبعاوي.jpg

هل من الممكن أن تكون وجوه الأزمة هي نفسها وجوه الحل؟ بقلم احمد السبعاوي
في الحالة الفلسطينية خاصة و في الحالة العربية عامة لا تتم المحاسبة ولم نسمع عن محاسبات حقيقية جرت لأي من القضايا التي تخص الجمهور الواسع فمثلاً يؤمن محمود عباس بحل الدولتين ولا نعرف كم من أفراد الشعب يؤمن بهكذا حل أو حتي بإمكانية تحقيقه الان؟وفي المقابل كانت حماس تؤمن بتحرير فلسطين كل فلسطين ولكنها قبلت بالأراضي المحتلة عام 67 وستكتفي بأن يتم تحقيق تسوية تحقق ذلك مع احتفاظها بمصطلح هدنة طويلة الأمد مع العدو . كما نري فلقد فشل كلا الخيارين فمن رفع شعار السلام والمفاوضات لم ينجح ولم يجلب اكثر من حكم إدارة بلدية بعيدا أشد البعد عن الاستقلال الوطني.. و من حاول بالسلاح أيضًا لم يحرز اَي تقدم بالمطلق ..أين الإجماع الوطني العام علي خيار يتم استشارة الشعب فيه كما تفعل  الشعوب  الأخري ؟ كما تم في بريطانيا مثلا  من استفتاء علي بقاء إنجلترا في الاتحاد الأوربي او رحيلها عنه او كما تم في أسكتلندا من استفتاء للشعب علي البقاء في المملكة المتحدة او الرحيل عنها ! 
 لقد مرت القضية الفلسطينية علي مدار السبعين عاما بتغيرات لم نُقَيِّم خلالها اداء مسئولينا و لا أداء فصائلنا ولا خياراتهم ! وأصبحنا نهرب من الفصيل الأكثر فشلًا الي الفصيل الفاشل حتي لا نخسر كل شيء !! تسير الأمور هكذا بدون اجماع وطني شعبي لا علي الخطة ولا علي الهدف ولا حتي علي التفاصيل. 
 في الزمن الغير بعيد، كانت منظمة التحرير و قبل السلطة تتبني شعار بناء الدولة الفلسطينية علي أي جزء من تراب فلسطين يتم تحريره ولكنها للأسف تركت هذا الشعار أيضًا بعد أن تقزمت أحلامها و نضالاتها في شكل السلطة الوطنية الفلسطينية و التي وبدلاً من أَن تقوم بتجميع الكل الوطني و المضي قدماً، إنشغلت بالحرب مع حماس و الذي ترتب عليه ترك قطاع غزه لحماس  إنتقاماً  من غزة وشعبها الذي انتخب حماس كما كان يقول بعض مسئولي السلطة. ألم يكن من الأجدي بناء كيان سياسي جامع في قطاع غزه كونها أول قطعة ارض يتم تحريرها بالكامل من العدو !! كيان سياسي متعدد حضاري متعايش مع بعضه لا يتقاتل من اجل السلطة . ألم يفشل الجميع في هذا الإختبار؟
بعد سنوات مريرة من الاحتلال و بعد ان انسحبت اسرائيل من غزة وخاض الشعب الفلسطيني انتخابات تشريعية ديمقراطية   عام 2006 و التي أدت نتيجتها الي نزاع دموي سقط فيه المئات من الضحايا من كلا الجانبين سواء من فتح او حماس او حتي من عامة الشعب،  أدت هذه الأحداث الي الانقسام وما تبعه من حصار وخنق وقهر لسنوات و سنوات لقطاع  غزه ولمجتمعها و لشبابها و اقتصادها  فمن هو المسئول هنا؟ هل ممكن ان نقيِّم ونحاسب ونخرج بنتيجة لنعرف ما هو السبب ومن هو المسبب و من هم الأشخاص الذين تورطو و خاضوا في الدم الفلسطيني المحرم ؟ هل للمجتمع الان ان يتساءل لماذا وكيف ؟
 اكثر من خمسة عشر عاماً من البلاء الشديد علي المجتمع في غزه تسبب في خراب كبير و أدي الي وقوع ضحايا كثيرة. لقد تسبب الحصار و ثلاثة حروب و قطع الكهرباء و الرواتب إلي موت اطفال لا ذنب لهم و ضياع شباب لا عدد لهم إما بالانتحار أو الذهاب إما إلي إسرائيل أو الي أوروبا هرباً من واقع مرير و أملاً في إيجاد مستقبل مشرق . فهل من تقييم لتلك الفترة و مطالبة المسئولين بتقديم كشف حساب؟  
إنه لمثير للعجب أن نري أن وجوه الأزمة السابقة مازلت موجودة ونفس الأشخاص والقيادات التي فشلت في السابق في الاتفاق فيما بينها أو في أن تقود الشعب الي الرفاهية و الامان بل علي العكس فلقد جلبت الدمار و الحصار و الفقر و الادمان و الذل و تمعنت و أسرفت في إحكام الحصار و اغلاق كل الآفاق في غزة نري أن هذه الوجوه من كلا الطرفين لا زالت و بكل وقاحة  متمترسة إلي الان في مواقعها غير مبدية لأي ندم او نية لتقديم  أي إعتذار للشعب ، و هي نفسها تأتي الان وتقول للناس انتخبوني ؟  هل أصبحنا كشعوب نقبل الاستغفال بهذه البساطة ؟ هل ممكن لمن أجرم بحق شعبه ان يعود وكأن شيئًا لم يكن ليطلب منا أن ننتخبه مرة ثانية؟ هل يحق لمن تسبب في معاناة مئات الآلاف من الأفراد في غزة مع سبق الاصرار و الترصد  أن يعود ويطلب أصوات أولئك المقهورين مرة اخري و بدون حتي ان يعترف ويعتذر عن سوء عمله؟ 
مجتمع فلسطين كان ولا زال لا يعرف الطوائف ولايعرف عبادة الأصنام او الأشخاص  لذلك هو مجتمع حر فكيف يقبل بنفس الوجوه التي تسببت في الاقتتال والإجرام من كل الأطراف ان تكون هي نفسها الحلول لهذه الحالة؟ 
ان هذا المنطق لا يرضي احدا عاقلاً ولا يجب ابدا ان نقبل به، و عليه فإن كل من اشترك بارتكاب جرائم بحق ابناء شعبه و إستباح دماءهم و لعب في أرزاقهم وتسبب في الحصار والمعاناة الطويلة للناس يجب ان يحاسب ويطرد بدلًا من ان يطلب منا انتخابه.  إن المنطق السماوي يتعارض مع منطق عدم المحاسبة وان خيارات الثواب والعقاب وضعها الله عز و جل قوانيناً حتي تستقيم الحياة ويتحمل كل شخص مسئولية أعماله. 
أما و ان يعود بنا بعض الذين لم ولن يجدوا غضاضة في استباحة الدم الفلسطيني ويعود بنا من استباح الاقتتال مع أخيه و من أمعن في القتل و أسرف وترك المعركة مع العدو ليتفقا علي كرسي او انتخابات لا نعرف ما ستجلبه نتيجتها علي الشعب فهذا مرفوض قبل أن ترد المظالم إلي اهلها. إن العملية الانتخابية حتي و إن كانت ديمقراطية و نزيهة فلن تأتي بنتيجة ترضي كل الاطراف. فإن فازت فتح في غزة فلن تمكنها حماس من الحكم و إن فازت حماس فسيستمر حصار السلطة في الضفة لها و إن فاز الإثنان معاً فلن يتفقا و إن فاز طرف ثالث فلن يمكناه الاثنان من أي شئ فلذلك لا بد من المطالبة بمحاسبة هؤلاء جميعا قبل الانتخابات ولابد من نبذ كل الوجوه الماكرة علي حد سواء و جلب وجوه و أيدي طاهرة ناصعة البياض لم تسرق و لم تقتل و لم تتآمر و لم تظلم يوما. 
إن القضية الفلسطينية العظيمة التي ذهب من اجلها مئات الآلاف من الشهداء والجرحي والأسري للأسف تم تقزيمها وتفريغها وتقليصها الي رواتب موظفين هنا وامتيازات وبرستيج هناك ونزاع علي السلطة لأجل السلطة فقط. السؤال الذي يطرح نفسه هنا مَن مِن الطامحين للسلطة له برنامج يعيد للقضية بريقها وعدالتها؟ مَن مِن الطامحين للمناصب يوعدنا بأن يواصل العمل لتحرير فلسطين او تحرير أراضي 67 من المستوطنات ؟ او اعادة نصف اللاجئين او تحرير القدس  او  او ...؟ من منهم يمتلك برنامج يعزز من صمود المجتمع والناس بوجه المحتل؟ مَن مِن الطامحين في السلطة يَصدُقنا ويصدق نفسه ؟ من الواضح و للأسف ان الأغلبية تخلت عن النضال من اجل الحصول علي بطاقة شخصيات مهمة من الاحتلال ، او حتي بعض الامتيازات الشخصية الاخري !! 
بناءً علي ما سبق فليس من الممكن في أي حال من الاحوال بأن نرضي  بأن تكون هذه الوجوه التي تسببت في هذه الجرائم وهذه المعاناة علي مدار خمسة عشر عاماً هي نفسها تأتينا لتقول لنا انها هية نفسها الحل لأزماتنا ومشاكلنا  و لا نستثني هنا  أحداً سواء أعلن رغبته في ترشيح نفسه ام ينتظر الفرصة و أيا كانوا افرادا او أحزاباً او جماعات فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين..

انتهى