الأخوان المسلمون واستجداء المجزرة-- بقلم: يحيى رباح

الأخوان المسلمون واستجداء المجزرة-- بقلم: يحيى رباح
الأخوان المسلمون واستجداء المجزرة-- بقلم: يحيى رباح

في غضون سنتين ونصف السنة، منها سنة كاملة في الحكم، سقط الأخوان المسلمون «المتأسلمون» سقوطاً مروعاً، وفشلوا فشلاً ذريعاً أدهش حتى خصومهم الألداء، وأدهش القوى الدولية التي ساهمت في صنع أسطورتهم، واستخدمتهم ضد شعوبهم مرات عديدة، وراهنت عليهم ليكونوا أداة طيعة في إعادة صياغة هذه المنطقة المعقدة من العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط، وخيانة قضاياها الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقضية بناء الدولة العربية الحديثة، وقضية المشاركة العربية الإسلامية من جديد في إنتاج الحضارة الإنسانية.


بعد خمس وثمانين سنة على خلق جماعة الأخوان المسلمين في مصر العام 1928، وانتشار هذه الجماعة في أكثر من اثنين وثمانين دولة، ومساهمتها في أحداث كبرى، ووصولها إلى الحكم في مصر التي هي أكبر الحواضر العربية والإسلامية، سقطت هذه الجماعة بكل إطاراتها السياسية وتفريعاتها الحزبية، وثبت بالدليل القاطع والواقع المرئي أن القيح والصديد داخل هذه الجماعة وتفريعاتها وإطارها الدولي وتحالفاتها كان متراكماً طبقات فوق بعضها، وأن دعم القوى الدولية لهذه الجماعة لاستخدامها ضد شعوبها، وهشاشة الخصوم، وتجريف الحياة السياسية والحزبية في بلادنا، هو الذي أعطى لهذه الجماعة دعاية بالمجان، وتضخيم الذات إلى مستوى المرض، وسرعان ما انكشف ذلك كله في تفاعل ثورات الربيع العربي، واستعادة الرأي العام العربي الثقة بنفسه، وظهور ثورات بلا قيادات فردية تقليدية بل حراك مفتوح لحشود كبيرة من الشباب، فإن الوهم قد سقط وظهرت الحقيقة واضحة، أن كل ذلك لم يكن سوى سحب من الدخان الأسود سرعان ما انقشعت ليسطع الضوء من جديد.


ما هو الشيء الرئيسي الذي فقدته وخسرته جماعة الأخوان المسلمين في مصر وهي في سدة الحكم الذي حلمت به وسعت إليه على امتداد خمس وثمانين سنة، وتحالفت من أجله مع كل الشياطين؟؟؟
إنه المظلومية،
ذلك أنه في وسط أمة يلعب فيها الدين دوراً أساسياً عميقاً، وخاصة الأمة المصرية التي أهدت إلى العالم فكرة التوحيد، فإن صدام جماعة الأخوان المسلمين مرات عديدة مع الأنظمة الحاكمة كان يكسبها نوعاً من المظلومية والتعاطف، ولكن في معركة السنتين والنصف التي بدأت في الخامس والعشرين في يناير 2011 وانتهت في الثلاثيت من يونيو 2013، وبوجود رأي عام مصري يقظ مفتوح العقل والعيون، فإن الأخوان المسلمين تعرضوا إلى تعرية فظيعة صنعوها بأيديهم، فلم يصدقوا في شيء قالوه أبداً، ولم يفلحوا في شيء وعدوا به أبداً، واتضح أنهم كانوا يعولون بنسبة مئة في المئة على صفقاتهم مع القوى الدولية، وطمأنتهم لإسرائيل، وجرأة الاعتداء على قضايا الأمة ومصيرها، وأنهم عاجزون عن كبح رغباتهم المسيطرة عليه بالاستفراد،و نفي الآخر، وتحريم الحلال، وتحليل الحرام بنوع بالغ القسوة من الاستهتار والعنجهية والفراغ الأخلاقي.
لا مظلومية للإخوان المسلمين بعد أن اتضح أنهم هم الظالمون، ولا صدقية لهم بعد أن اتضح أنهم هم كاذبون، ولا عهد لهم بعد أن اتضح أنهم هم المفرطون!!!


كل ذلك جرى قبل أن يتم الفصل في القضايا المنسوبة إليهم وهي أخطر ألف مرَة من كل موجبات السياسة فما بالكم بجماعة تدعي أنها تتحمل عبء الدعوة إلى الإسلام؟؟؟
انطلاقاً من هذه الخسارة الفادحة، فإن السلوك اليومي لجماعة الأخوان «المتاسلمين» في تقاطع رابعة العدوية، وفي ميدان النهضة، ومناوشاتهم في المنصورة والإسكندرية، وفي مداخل كوبري السادس من أكتوبر، وفي ممارساتهم السياسية على المكشوف بتحريض القوى الدولية ضد بلادهم، فإنهم – على ما يبدو – يستدرجون مذبحة كالتي نفذها محمد على ضد المماليك قبل مائتي سنة، بل إنهم يستجدون مذبحة استجداءً من خلال استمرار الاستفزازات للشعب، للقوى الأمنية، للجيش، لمؤسسات الدولة المصرية، دون أن يدركوا أنهم أصبحوا مكشوفين، وأن هزيمتهم تعتبر أعظم إنجاز للشعب المصري في المئة سنة الأخيرة، وأن هذه الهزيمة هي مطلب رئيسي تنظره أمة بأكملها من المحيط إلى الخليج، أمة أعطتهم الكثير فردوا على ذلك العطاء بإلحاق الأذى المتعمد، والمشاركة مع الأعداء في تحطيم الأمة، وفي رمي قضاياها وراء الظهر، بل والتآمر على قضايا هذه الأمة على المكشوف.


عشرات الملايين من المصرين الذين شيدوا المشهد في الثلاثين من يونيو، وفي الثالث من يوليو، وفي السادس والعشرين من يوليو، في مظاهرة لم يكن لها سابقة في التاريخ الإنساني، هذه الملايين تشعرت بذروة الغضب من الجماعة وتفريعاتها وتحلفاتها وممارساتها، ومحاولة الأخوان الحصول على مظلومية جديدة يتغطون بها ويختبؤن وراءها أصبح ضرباً من المستحيل.