حماس و سرمدية السياسات.... بقلم: د. عائد زقوت

عائد زقوت.jpg
عائد زقوت.jpg

غزة/ المشرق نيوز

إن ما يمر به الشعب الفلسطيني من أزمات سواءً على الصعيد الداخلي من تفشي الفقر و العوَز والتسلط على أرزاق العباد و رهنها لتجاذب العلاقة بين حركتي فتح و حماس، إضافةً إلى الانقسام المستدام وكأن هناك أيدٍ ترعاه وترويه وتمده بأسباب الحياة كي ينمو ويستمر، وكذلك المخاطر الخارجية وفي مقدمتها خطة كوشنر و التسارع العربي نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، فبعد مُضي أربعة عشر عامًا لتسيّد حركة حماس السلطات التشريعية والتنفيذية وسلطة الحكم الذاتي التي أنشأتها اتفاقية أوسلو، يتساءل الناس هل نجحت حركة حماس بالنهوض بالحالة الفلسطينية لمواجهة المخاطر المحدقة بهم على الصعيدين الداخلي و الخارجي و على رأسها مغادرة مربع الانقسام وتغوّل دولة الاحتلال على حقوقنا في فلسطين التاريخية، أم أنها لم تغادر مربع الحكم التي وصلت إليه ؟ أم أن وصولها للحكم كان بغيتها الاستيراتيجية ؟ وهل اتّعظت حماس من تجارب حكم الإخوان المسلمين في بلدان مختلفة في المنطقة العربية و على رأسها مصر ؟ أم غلبت عليها القيود التنظيمية والفكرية لجماعة الإخوان المسلمين ؟ ففي رأي الكثيرين من المتابعين والمراقبين و الأوساط الشعبية الفلسطينية أن حماس لم تستطع أن تنفكّ عن تلك القيود لجماعة الإخوان المسلمين .

فسنة الله لا تحابي أحدًا و لا تجامله ولا تعطيه تفوقًّا على الآخرين بشكل مطلق، فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو لم يكن مسلمًا ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم ولو كان مسلمًا مؤمنًا، ويمكننا أن نقف على بعض الأخطاء الاستيراتيجية التي كان يجب على حركة حماس أن تتجاوزها، ونلخصها بالآتي :

أولًا : تجاهل حركة حماس لأبسط قواعد العمل وأهمها والتي تفيد بأنه لا يستطيع أي فصيلٍ او حزب او جماعة مهما بلغت قوته أن يبتلع الشعب أو السلطة، ولكن الشعب و سلطته يمكن أن يبتلع أي حزبٍ او جماعة ويهضمها ولا تُبقي له أثرًا، وإذا حاول أي حزبٍ أو جماعة ابتلاع الشعب و سلطته فسيصاب بانفلونزا معوية، وهذا ما أصاب الحركة من محاولة فرض أجندتها على الشعب و سلطته، فلم تستطع أن تهضم هذه الحالة فوقع الانسداد في كافة المناحي والتخندق خلف القيود التنظيمية والرؤى الفكرية على أنها سرمدية غير قابلة للتغيير .

ثانيًا : غياب القائد الموجه والمخطط و المتابع لسير العمل للانتقال بالحركة من مرحلةٍ إلى أخرى، و الاكتفاء بالموروث اللائحي الإخواني الذي لم يفرز يومًا قائدًا حقيقيًا، وهنا لا أدعو شخصنة الأمور أو خلق دكتاتور جديد أو الدعوة لتعطيل المؤسسات، لكن المؤسسات والهيئات تحتاج إلى قائدٍ حقيقيًّ يملك سلطة اتخاذ القرار ليستطيع أن ينتقل بالحركة من الحالة التنظيمية إلى حالة السلطة أو الدولة، فمهمة القائد تفكيك العبوات الناسفة ووأد المؤتمرات واتخاذ القرار بالإقدام أو الانسحاب أو المناورة، لا أن يبقى مكبّلًا، فقد أفشل غياب القائد محاولتين جادّتين لإنهاء الانقسام، حين وقّع الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق مع الرئيس عباس في قطر إعلان مبادئ لإنهاء الانقسام بداعي التفرد باتخاذ القرار وعدم الالتزام في قرارات الهيئات الشوريّة، وأيضًا إفشال إعلان تفاهمات إسطنبول بين ممثل حركة فتح جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية و الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لنفس الدواعي السابقة، ومن الجدير ذكره أن الذي صنع الفارقة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ممثلةً بحركة حماس هو ممارستها العمل العسكري في بداية ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن قرارًا صادرًا عن الهيئات الرسمية للجماعة .

ثالثًا : عدم قدرة الحركة من الانتقال لمرحلة التنظيم التي لها فقهها بعد وصولهم إلى السلطة التشريعية و التنفيذية، فللأحزاب و الجماعات فقهها و للحكم فقهه الخاص به، وكلاهما يختلف كليًّا عن الآخر، فقد اعتاد أبناء الحركة على فقه إدارة الجماعات و التنظيمات وهم بالأصل معارضون، لم يجربوا يومًا المسؤولية الأولى و فقه الحكم وطريقة إدارته وانتقال الإنسان من فقه التنظيم إلى فقه الدولة و السلطة صعبٌ و عسير، ولا زال الانتقال صعبًا، فأدارت الحركة السلطة بفقه التنظيم ولم ينجح الاثنان، لا وُجد نظامٌ للحكم والسلطة حيث سيطر الانقسام، ولا نجاح للتنظيم الذي لا زال متقوقعًا في فقه التنظيم واستمرار فرض القيود الدولية عليه .

رابعًا : أدارت حركة حماس السلطة ليس عن طريق المؤسسات الرسمية و لكن عن طريق التنظيم ومؤسساته المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجماعة الإخوان و بطريقة اتخاذ القرار على الرغم من الوثيقة التي قدمتها حركة حماس عام 2017 لتطوير رؤاها وعلاقاتها بالإخوان المسلمين، إلا أن الوثيقة لم تحقق أي نجاح على الصعيدين الداخلي و الخارجي، فاستمرت سيطرة الأنا الحزبية في خطابها و ممارساتها السياسية و غيرها .

خامسًا : عدم قدرة الحركة على الانتقال من ضيق التنظيم إلى سعة الحكم والسلطة ومن ثم إلى رحابة الإقليم والعالم، بل إلى رحابة الإسلام العظيم والعمل على إسعاد الإنسانية جمعاء، ولكن الحركة للأسف لا تزال مستمرةً بدورانها حول جماعة الإخوان المسلمين، إن من يتطلع لأن يكون رائدّا لقيادة المشروع الوطني نحو التحرير الكامل أو حتى الجزئي لا يمكن أن يتمكّن من ذلك وهو على هذه الحالة الضبابيّة السرمديّة.