تونس واحتمالات السيناريو المصري

تونس واحتمالات السيناريو المصري
تونس واحتمالات السيناريو المصري

تونس / وكالات / مشرق نيوز

 

قد تكون دماء محمد البراهمي بمثابة الشرارة التي تشعل نيران الثورة التونسية من جديد مثلما أشعلها جسد محمد البوعزيزي قبل عامين ولكن اختطاف الثورة في هذه المرة سيكون أصعب بكثير مما كان آنذاك 

بقلم : سامي إبراهيم

إن استراتيجية حركة "الإخوان المسلمين" كانت ولاتزال تجعل هذه الحركة بمثابة الطبيب الساهر على صحة الأنظمة الديكتاورية المريضة والقابعة في غرفة الانعاش تنتظر موتها وما أن ترحل هذه الأنظمة حتى تأتي هذه الحركة لتحل محلها وتحتكر السلطة بشكل أسواء من سابقتها مستغلة في ذلك الاستياء الشعبي والاحتجاجات الجماهيرية وواعدة الفقراء بأن "الإسلام" هو الدواء الناجع لداء تلك الجحافل الزاحفة نحو قمة هرم السلطة في أمل بغد أفضل.

 

حركات "الإسلام السياسي" ليست بحاجة للديمقراطية

لقد دلت التجربة على أن حركات "الإسلام السياسي" بكل تجلياتها الحزبية وتسمياتها التمويهية ليست سوى ذلك البديل المناسب و"المخزن" في المستودعات السياسية لدوائر الاستخبارات الغربية منذ أكثر من سبعين عاما والمعتاش على صدقات وهبات الدول النفطية لتأمين استمرار الأنظمة الرجعية بالحكم في البلدان العربية والإسلامية خوفا من توسع نفوذ حركات "الديمقراطية الشعبية" في هذه البلدان.

وفي استعراض لهذه التجربة نرى أن "الإخوان المسلمين" ليسوا بحاجة لأي نوع من الديمقراطية فهم يركبون موجة الاستياء والاحتجاجات الشعبية في المنعطفات التاريخية لبلادهم وينادون بالديمقراطية والانتخابات النزيهة إلى حين تمكنهم من السلطة، وما أن يصلوا إلى سدة الحكم حتى يتجاهلوا الديمقراطية ومبادئ تداول السلطة عبر الانتخابات الشفافة وكل مؤسسات البنية الديمقراطية للدولة المنشودة.

وما جرى في تونس خلال عامين من حكم زعماء "الإخوان" القادمين من لندن وباريس والرياض والدوحة وغيرها عبر تجلياتهم الحزبية المختلفة من حزب "النهضة" وحزب "التكتل الديمقراطي" وحزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية" تناسوا طيلة هذه الفترة أنهم ملزمون بوضع دستور للبلاد ينص على المبادئ والأسس الديمقراطية في إدارة الحكم وتداول السلطة وتحسين أوضاع المواطنين المعاشية إذ أن الجماهير التونسية عندما خرجت بثورتها كانت شعاراتها مركزة حول الشغل والحرية والكرامة الوطنية، إلا أن حزب "النهضة" وحلفاءه لم يتمكن ولم يهتم بتأمين أربعمائة ألف فرصة عمل وعد بها بل وقام بتطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي ومطالب الولايات المتحدة حرفيا ما دمر القدرة الشرائية لدى الجماهير الفقيرة والطبقة الوسطى، ولم يوفر الحرية للناس بل على العكس من ذلك قام بتضييق الحريات الشخصية ولم يصن الكرامة الوطنية للشعب التونسي بارتمائه في احضان الدول النفطية العربية وانصياعه لما تقرره ممالك ومشيخات الخليج في الاعتداء على سورية ما أثار غضب ونقمة فئات واسعة من الشعب التونسي وخصوصا وسط مؤسسات الطبقة العاملة التونسية والفئات الشعبية الفقيرة.

 

حكم "الترويكا" خروج عن الشرعية في تونس

واعتبر التونسيون السياسة المتبعة من قبل الحكومة هي خروج عن الشرعية التي تم التعاقد عليها اجتماعيا في مجرى الثورة قبل عامين حيث جرى الاتفاق على وضع دستور للبلاد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الربع الأخير من العام الماضي إلا أن الحكومة "الإخوانية" نقضت كل مواثيقها وأثبتت عدم مصداقيتها في الإيمان بالتغييرات الديمقراطية بتماطلها في تنفيذ ما اتفقت عليه، حتى أنها راحت تتحدث عن انتخابات في العام 2017 بدلا من العام 2012 مؤكدة بذلك عدم التزامها بمستقبل البلاد والشعب معا ما يعتبر خروجا عن الشريعية من وجهة نظر القوانين الوضعية والأخلاقية وبالتالي ما يجعل وضع هذه الحكومة في مهب رياح وعواصف التحرك الشعبي المقبل.

وما زاد طين "الترويكا" الحاكمة بلة هو في أنها لم تتقن التعامل مع معارضيها على خلفية ديمقراطية، بل راحت تستخدم في التعامل معهم أساليب المماطلة والقسر السياسي وحتى الإقصاء الجسدي في ظن منها بأنها بهذه الطرق يمكن لها أن تسكت صوت المعارضين التونسيين وتجر البلاد شيئا فشيئا نحو القبول بنظام "إسلام سياسي" يؤهلها للإحتفاظ بالسلطة طويلا.

 

العوامل الموضوعية لاحتمالات السيناريو المصري

وإذا كانت كل هذه المقدمات تعتبر عوامل موضوعية لسير الأحداث اللاحقة في منحى تطور الثورة المصرية لكنها تبقى غير كافية للإطاحة بنظام "الإخوان المسلمين" في تونس إلا إذا استطاعت قوى المعارضة فيها من تجميع فئاتها وأحزابها بما فيها حركة "تمرد" الشبابية والكتلة الشعبية التي تضم الأحزاب اليسارية والقومية التقدمية وكتلة "نداء تونس" الممثلة بالوجوه الليبرالية وبشخصيات من الحزب الدستوري "القديم" الجديد في تحالف أو ائتلاف يتفق فيه الجميع على أهداف الحد الأدنى وكذلك من جر النقابات واتحادات الشغيلة إليه ومن تحييد قوى الأمن والجيش إن لم يكن جرها إلى الإئتلاف ممكنا.

وتدل مؤشرات علمليات الاغتيال التي نفذت بحق زعامات سياسية مثل شكري بلعيد ومحمد البرهيمي وغيرهما على أن الجناح العسكري السري في تنظيمات "الإخوان المسلمين" والذي خرج إلى العلن باسم "رابطة حماية الثورة" في تونس على غرار التنظيمات الشبابية في ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الفاشية هو المسؤول عن اغتيالات القامات السياسية الكبيرة في المعارضة ولا يمكن أن تلقى المسؤولية على أمثال الشخصية السلفية المتشددة بوبكر الحكيم، بل وأن هذه الرابطة هي المسؤولة أيضا عن الاعتداءات على الفنانين والنقابيين والشخصيات التقدمية في تونس بهدف إرهاب الشارع الشعبي في تونس من أجل الإسراع في "أخونة" الدولة التي اعتادت على الأنظمة المدنية في الحكم بكامل مؤسساتها أي من أجل السيطرة الكاملة على أجهزة الأمن وأجهزة الجيش ثم البقاء في السلطة إلى أمد بعيد.

وفي أول تعليق على حادثة اغتيال البراهمي قال الباجي قايد السبسي رئيس حركة "نداء تونس" رئيس الحكومة الأسبق إن "الجناة الذين قاموا بتصفية البراهمي أقدموا على فعلتهم الممنهجة والمدبرة بسبب تشجيع الاحزاب الحاكمة لهم في الخفاء" مشيرا إلى أن "هذه الجريمة ... كانت متوقعة على اعتبار حدوث إغتيالات مماثلة في السابق لم يتم إلى حد الساعة الكشف عن الجهات التي كانت وراءها"، وأضاف "الآن أصبح كل صوت يرتفع ويشكك في حركة النهضة ولا يساندها مستهدف" مؤكدا أن "البلاد مفتوحة على كل الاحتمالات ولاسيما في ظل تنامي التيارات المتطرفة التي لا تمتثل إلى القانون".