هيئة كبار علماء الأمة وجماعة الإخوان المسلمين ومن في حكمها بقلم محمد حميد

محمد حميد.jpg
محمد حميد.jpg

هيئة كبار علماء الأمة وجماعة الإخوان المسلمين ومن في حكمها

                                           بقلم محمد حميد (أبو الحسن)

خلال الأسبوع الماضي تناقلت وسائل الإعلام المختلفة بيان هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بشأن جماعة الإخوان المسلمين ومن في حكمها من الحركات الإسلامية، ورغم أن محرريه قد استهلوا بيانهم بالحض على وحدة الصف والنهي عن الفُرقة والدعوة إلى الاعتصام بحبل الله، إلا أن متن البيان حذر من جماعة الإخوان المسلمين واصفاً إياها بالجماعة المنحرفة القائمة على منازعة أولي الأمر عبر إثارة الفتن وزعزعة النفوس في الوطن الواحد، وناعتاً تاريخ الجماعة بالمليء بالشرور والفتن، وقد انتهى البيان إلى اعتبار الجماعة جماعةً إرهابيةً لا تمثل نهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافاً حزبية مخالفة للشرع الحنيف عبر التستر بعباءة الدين وممارسة بث الفرقة وإثارة الفتن والدعوة إلى العنف، وحذر بيان الهيئة من الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو التعاطف معها.

وقد تابع خطيبا الحرمين الشريفين في خطبة الجمعة الماضية الهيئة في بيانها وفتواها الشرعية، وكذلك فعل معظم خطباء مساجد المملكة العربية السعودية، وأمام هذه الحماسة الشجاعة لنشر مثل هذا البيان، فإننا نتساءل عن غياب هذه الهيئة الموجلة وبياناتها عن كثيرٍ من القضايا المحورية التي تكتنف الأمة، فأين بيان هيئة كبار العلماء بشأن الاقتحامات المتكررة لباحات المسجد الأقصى من قبل الاحتلال؟!، وأين بيانها حول الحفريات المتواصلة تحت المسجد الأقصى؟!، أين بيان الهيئة حول صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأميركي الخاسر ترمب وما تبعها من عملية ابتلاعٍ مستمرة للأرض الفلسطينية على أيدي حكومة الاحتلال؟!، بل أين بيان كبار علماء الأمة من الإصرار على الإساءة إلى الرسول محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- في فرنسا وفي غيرها من دول الاتحاد الأوروبي؟!، وليس غريباً أن ينطلق السؤال إلى هذه الهيئة، أين موقفكم من عمليات التطبيع المستمرة مع الكيان الغاصب ومباركة بعض الحكومات لها؟!

كنا سنحاول تبرير بيان هيئة كبار العلماء، لو أقدمت هذه الهيئة على تبني مواقف متميزة في كثيرٍ من القضايا التي تمس المواطن العربي المسلم مثل حقه في الصحة وحقه في التعليم وحقوقه العامة وحرياته، وما إلى ذلك من قضايا تسحق المواطن العربي والخليجي على مدار الوقت، بل إننا كنا نتوقع من هيئةِ تحمل هذا الاسم المهيب ومن غيرها من الهيئات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي أن تدعو الحكومات والأنظمة إلى الحوار ونبذ العنف وتوحيد الكلمة ورصّ الصفوف لمواجهة التحديات الهائلة التي تواجهها الأمة خارجياً وداخلياً، فحقيقة الأمر أن التناحر بين المسلمين مرده السياسية واختلاف وجهات النظر في البرامج والأهداف.

هذا البيان يعكس انقساماً عميقاً يعيشه الشعب العربي المسلم واستقطاباً حاداً لن يفضي إلا إلى مزيدٍ من التبعية إلى الغرب، فبيان هيئة كبار العلماء يطرق باباً مخيفاً يختبئ معه شبح الاستخدام السيء للدين في الصراعات السياسية، هذا الشبح الذي أصاب أمتنا بكثيرٍ من القلاقل على مدار التاريخ، فبيان الهيئة يحولها من كيانٍ علميٍ ديني يطرق الناس أبوابه للاستفتاء عن أمور حياتهم ودينهم إلى طرف سياسيٍ يستخدم منزلته الدينية في التنظير لمواقف سياسية تروق لحاكمٍ هنا أو هناك، مع علم الهيئة المسبق بما يترتب على هذا الموقف السياسيّ المكسو بحلةٍ دينية، وعلمها أيضاً بانتهاء ظاهرة القائد المفرد من هذا العالم، فلا مكان اليوم سوى للقيادة الجماعية المؤسساتية.

بل إن ما يزيد الأمر خطورةً في بيان هيئة كبار العلماء الموقف الشرعي الذي تبناه بشأن جماعة الإخوان المسلمين ومن في حكمها من الجماعات، وما يستتبع ذلك من إجراءاتٍ على الأرض، فمؤدى الأمر إباحة دماء الإخوان وأموالهم وإباحة الاعتداء عليهم وعلى أهليهم، باعتبار أنهم –في حكم بيان الهيئة-باغون في الأرض حدّهم القتال، وهم ليسوا –في حقيقة الأمر-سوى جماعاتٍ مسلمة لها ما للمسلمين وعليها ما على المسلمين تختلف في سياساتها مع الجهة الراعية للهيئة، فهم ليسوا ملائكة، بل إنهم يصيبون ويخطئون.

ألم يحن الوقت المناسب لهذه الهيئة أن تدعو إلى إعمال العقل في كافة القضايا والخلافات عوضاً عما يثير البلبلة ويفضي إلى الشرذمة وتقسيم أواصل الأمة؟!، ألم يحنِ الوقت لجميع الفرقاء في الأمة الإسلامية لفتح حوارات مجتمعية باعتبارها المقدمة الأساسية والضرورية لمواجهة تلك التحديات والكفيلة بإنشاء دولة ناجحة ذات مشروع سياسي يتوافق على مبادئه المسلمون وإن اختلفوا في تفاصيله؟!، فليس لدينا مزيدٌ من الوقت نستهلكه أكثر مما استهلكناه و ولم يبقَ من ثرواتنا وثروات أجيال المستقبل أكثر مما أهدرناه، وذلك في نزاعات لا طائل منها، أبقي لدى هيئة كبار العلماء شكٌ في فظاعة وضلال بيانها بعد مباركة وزارة خارجية الاحتلال له؟! ألم يحن الوقت بعد للعزوف عن الاستقواء بالخارج والتوافق على مشروع وطني تشارك فيه كافة الأطراف السياسية المختلفة من خلال الاحتكام إلى أحكام الإسلام وإرادة الشعوب المسلمة؟!

                                          انتهى