《 السِّحر الأميركي 》... بقلم: ا. عائد زقوت

عائد زقوت.jpg
عائد زقوت.jpg

غزة/ المشرق نيوز

إنّ المتابع للحراك الانتخابي الحالي داخل الولايات المتحدة و كذلك الانتخابات الأميركية الأخيرة التي جرت نوفمبر 2016 والتي تسيّد فيها ترامب البيت الأبيض ، وحالة التشكيك التي تَبِعَت تلك الانتخابات

وما تلاها من تحقيقات واتهاماتٍ لقوى خارجية بالتلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية حتى أوشكت الفوضى الخلّاقة أن تُصيب صانعيها ، والقدر الهائل من تصريحات ترامب على مدار فترة رئاسته حول ما جرى في الانتخابات ويعلن صراحةً عن تخوفاته من التلاعب الداخلي في نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إقامتها في نوفمبر 2020 .

إنّ هذه التراكمات جسّدت تساؤلًا عن مدى مصداقية هذه الانتخابات ، بل تعدّى ذلك إلى تكوين صورة عن الوسائل الخسيسة التي تُدار بها الانتخابات الأميركية ، هذه الانتخابات التي ما زالت تُصَدِّرُها أميركا إلى أرجاء العالم متابهيةً بها تارةً وتُشهرها سيفًا مسلطًا على رقاب الدول الضعيفة والنامية وغيرها تارةً أخرى ، إلى أن ذاب الثلج واخضَّر المرج وبانت حقيقة الزّيف والتّردي لأولئك السّاديون والمازوشيون الذين يتحكّمون بمصائر الأمم والشعوب .

فهل الانتخابات فعلًا تفرز الأجدر والأنفع للناس والأمم ؟ هل يوجد فيها العلاج السِّحري الذي تصفه أميركا وشركائها لأزمات الدول وخاصةً النامية منها ، حيث عَمِدت أميركا إلى ممارسة الضغوط على الزعماء والرؤساء الذين لا ينسجمون مع التبعية الأميركية ، مسلطةً الضوء على عدم تطبيق الديموقراطية وإقامة الانتخابات الرئاسية وتُنادي بصوتها تارةً وبأصوات أبواقها تارةً أخرى بحتميّة تجديد شرعية الرؤساء وكذلك تجديد دماء القيادات التي شاخت .

و هذا بالتزامن مع حملاتٍ إعلامية ممنهجة لتحقيق مبتغاهم ، فهل برهنت هذه السياسات الأميركية الساديّة تجاه الشعوب بتحقيق أهدافها وأخرجت تلك الدول التي عَمدت إلى إجراء الانتخابات لتخرجَ من أزماتها .

أم أنّهم ازدادوا فقرًا على فقر وضعفًا على ضعف وتشتتًا واقتتالًا داخليًّا أكل الأخضر واليابس وأهدر سيادة الدول فأصبحت مسرحًا يعبث فيه العابثون.

وإذا ما أردنا أن نُسقط تجربة الانتخابات على الوضع الفلسطيني نلحظ أنّ أوّل انتخاباتٍ رئاسية وتشريعيّة جرت على الأراضي الفلسطينيّة التي احتلت عام1967 بناءً على اتفاقية أوسلو وملحقاتها التي كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد خمس سنوات تحديدًا في العام 1999م فكان لزامًا على القيادة الفلسطينية أن تبادر إلى إنشاء مؤسساتٍ سياسيّةٍ وإداريةٍ تمهيدًا لقيام الدولة العتيدة ، وبعد استشهاد الرئيس الراحل أبو عمّار حيث كانت القيادة الفلسطينية لا زال يحدوها الأمل بتحقيق حلم الدولة قائمًا ، فعمدت إلى إجراء الانتخابات الرئاسية التي نصّبت الرئيس محمود عباس رئيسًا للسلطة الفلسطينية ثم تبعتها الانتخابات التشريعية عام 2006 والتي كانت بذرةً للانقسام الفلسطيني الذي لم يشهد تاريخ النضال الفلسطيني له مثيلاً .

فهل كانت الدعوة لتجديد الشرعيات دعوة مخلصة هدفها منح الشرعية السياسية للتمثيل الفلسطيني أم أنّها كانت دعوةً لتحقيق مآرب واضحةً للبعض وخافيةً على البعض الآخر؟ ، فمنذ لحظة وقوع الانقسام الفلسطيني أسهب الكُتّاب والمحللون والمراقبون ... إلى أنّ الخلاص من الانقسام يكمنُ في الانتخابات ، وكأنها عصا موسى أو خاتم سليمان. وكأن انتخابات رئاسة السلطة ومجلسها التشريعي يعطي الشرعية المطلقة للتمثيل الفلسطيني متجاهلين أن السلطة لا تمثل سوى جزءٍ بسيطٍ من الشعب الفلسطيني.

وتناسيْنا جميعًا أنّ حالة الانقسام في الصّف الفلسطيني كان طريقها الأقصر السِّحر الأميركي وجملةً من المواقف الأخرى .

ندرك أنّ الانتخابات هي وسيلة عصرية ارتضتها معظم دول العالم لتكونَ معبّرةً عن رأي شعوبها في اختيارهم لقياداتهم ، ولو أفسحنا المجال لأفْهامِنا أن تسبح في فضاءات الدول باحثةً عن أنموذجٍ يشار إليه بالبَنان بأنّ الحلّ السِّحري كان خلاصاً لها من معاناتها فإنّني أزعم أنّنا لن نجد واحدةً .

فكلّما استعصى على القوى الدولية الغاشمة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية في إحداث اختراق في أي نظام سياسي لجؤوا إلى " الخلطة السِّحرية " من تسليطٍ للأضواء على حقوق الإنسان والحقوق السياسية وعلى رأسها الانتخابات ، لقد رأينا نتائج خلطتهم و سِحرهم في أفغانستان وكرزايها وباكستان وكرزايها أيضًا و العراق وما يجري فيها و ليبيا التي أصبحت موطناً للمرتزقة وفي ذات الوقت فإنّ السِّحر الأميركي لايُسْتَخدمُ في البلدان التي تحقق فيها أميركا اختراقاتها كيفما تشاء سيّما دول الخليج قاطبةً والدول النامية عمومًا وغيرها.

وكذلك حين نغوص أكثر عمقًا في فضاء الكون ، هل نجد ثورةً استمدّت شرعيتها من الانتخابات ، فإنّنا أيضًا لن نجد بنانًا يشير إلى تجربة واحدة ، فالثورات تستمد شرعيتها من إيمانها بعدالة قضيتها و بما تقدمه من تضحياتٍ على طريق الحرية والكرامة ، فهل استمدت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي وقادتها هذه الشرعية من الانتخابات و من تجديد دماء قادتها ؟

أم أنَّها استمدتها من حركة النضال و الكفاح الفلسطيني بلا توقّفٍ أو استرخاء منذ وطأت اقدام الاحتلال البريطاني أرض فلسطين . "فالتاريخ خير شاهدٌ"

لقد سجَّل التاريخ أنَّ الإنتخابات نتيجةٌ لمقدماتٍ وليس مقدماتٍ لنتائج .

أم أنَّ هناك من يريد أن يَدُسَ السُّمَ في العسل

إنّ الانتخابات لها قيمتها ووزنها الفاعل لدى الدول المستقرة التي من خلالها تنظّم العلاقات بين الشعب وممثليه من ناحية والسلطة التنفيذية من ناحيةٍ أخرى ، فهل ينطبق هذا على الواقع الفلسطيني ؟ و قرابة نصف الشعب الفلسطيني في الشتات ، و لم نحصل على استقلالنا بعد.

إنَّ الهجوم الصهيوأميركي العنيف وبكل ما يملك من وسائل ضغط سياسية كانت أو اقتصادية في هذه المرحلة لا يستهدف فقط فرض صفقة القرن فحسب إنما يتخطى ذلك لإزاحة منظمة التحرير عن المشهد السياسي بِرُمَّته، ليتسنى لهم التخلص من المركز القانوني للمنظمة و ما يتبعه من إلغاء لكل ما صدر عنها وذلك بغية إنشاء نظام سياسي جديد ينسجم مع رؤية الشرق الأوسط الجديد .

إنّني أبرق رسالة جليّة واضحة للفصائل الفلسطينية مجتمعةً و على رأسها القيادة الفلسطينية أن يفطنوا لمآرب عدوّنا و أن ينؤوا بأنفسهم من الوقوع في مصيدة الانتخابات أو تجديد الشرعيات حتى لا نهوِيَ في وادٍ سحيق .

قد ينبري هنا الكثير للدفاع عن ضرورة الانتخابات وتجديد الشرعيات أو أن يسأل عن البديل الممكن ، حتى نقطع الطريق على المتربصين بنا .

فإنّني بدايةً أتساءل ، هل يمكن لدولةٍ من الدول التي اعترفت بدولة فلسطين أن تمنح الفلسطيني تأشيرة دخولٍ إلى بلادها عبر جواز سفر فلسطيني تحت شعار دولة فلسطين خلال هذه المرحلة ؟

هل بمقدورنا جميعًا أن نمارس أي شكلٍ من أشكال السيادة في دولتنا ؟

هل بقى شيئاً من اتفاقية أوسلو أو ما تبعها من اتفاقيات حياً ؟ لنأسف عليه!! إذاً فماذا نحن فاعلون ؟

لا بد من ضرورة تفعيل قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثالثة والعشرون و قرارات المجلس المركزي في دورته الثلاثون وأقترح إحالة صلاحيات المجلس التشريعي للسلطة إلى المجلس المركزي وصلاحيات الحكومة إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى حين الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية للدولة الفلسطينية ،مع الاتفاق على البرنامج السياسي للمرحلة المقبلة حتى لا ينتقل الانقسام الى المظلة الأم "منظمة التحرير" ، ويتم بالتوازي مع ذلك انتخابات مجالس البلديات والنقابات والاتحادات ، في الداخل والخارج ثم يُصار الى تشكيل مجلس وطني يعبر عن الشعب الفلسطيني وفق آليات تتفق عليها الفصائل والكوادر الحية من أبناء الشعب خارج الفصائل والهيئات الأخرى ، ولم يعجز الشعب الفلسطيني سابقا ولم يعجز الآن ولن يعجز مستقبلًا عن الوصول لتلك الآليات .

وكذلك أقترح التوقيع على وثيقة تسمى "بالعهدةالفلسطينيه" من قِبَل كافة الفصائل تصدر عن

منظمة التحرير تُلزم الجميع بأنّ أي قرار أو اتفاق يتعلق بتقرير مصير القضية الفلسطينية يُصارُ به إلى استفتاء للشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده قبل توقيعه أو تنفيذه .

لا نريد أن نبقى في ظلال نظرية إدارة القطيع ، لا نريد أن نخلق بالانتخابات الزائفة_ في ضل ما تمر به القضية من محاولات لتصفيتها وأيضًا ما يمر به الشعب من صعوبات ومآسي_ أباطرةً جدد ليتألّهوا علينا، فإنّ الأباطرة والفراعنة تألّهوا لأنّهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي .

علينا أن نؤمن أنّ العدّ العكسي للتخلّف والظلام والتشرذم قد امتطى جواده إلى غير رجعةٍ وأنَّ التاريخ

أكثرُ مكراً من شهوده و محلليه.

أليس بإمكاننا أن نُبْطِلَ السِّحر الأمريكي ؟