مصر إلى أين؟ بقلم : محمد عبيد

مصر إلى أين؟  بقلم : محمد عبيد
مصر إلى أين؟ بقلم : محمد عبيد

مصر إلى أين؟

بقلم : محمد عبيد

تطورات متسارعة اجتاحت مصر على مدى الأيام القليلة الماضية، على خلفية الحشود المليونية التي خرجت في كثير من المناطق للمطالبة بتغيير  النظام السياسي، وبرزت على رأس هذه التطورات مسألتان أساسيتان: الأولى دخول الجيش المصري على خط الأزمة، من خلال مطالبته الفرقاء السياسيين بالتوافق خلال 48 ساعة، والثانية استقالة عدد من الوزراء احتجاجاً على التعاطي الرسمي مع التظاهرات، وما آلت إليه الأمور من سقوط ضحايا في صفوف المتظاهرين في مليونيات آخر أيام يونيو/حزيران .

ناقوس الخطر والتحذير الذي دقته المؤسسة العسكرية المصرية من مغبة استمرار الشحن السياسي، وتمترس فرقاء السياسة خلف مواقفهم، وما تُجرّ إليه البلاد بسبب ذلك من مخاطر، تبرز أهمية ودور الجيش في حفظ مصر وسيادتها واستقرارها ومواطنيها، ويؤكد أن قرار هذه المؤسسة مستقل وغير منحاز لطرف سياسي على حساب آخر، لكنه في الوقت ذاته يدعو هذه المؤسسة إلى الحذر أكثر من أي وقت مضى من الانجرار إلى غياهب فخ السياسة .

المحذور في الأمر، الذي يجب على الجيش المصري تلافيه، هو الدخول طرفاً في المعادلة السياسية المشتبكة، وعليه فإن بيان قيادة المؤسسة العسكرية الأوضاع يجب أن يقرأ ويطبق من زاوية حفظ أمن البلاد وسيادتها واستقرارها، لا من زاوية ما تحاول قوى الإسلام السياسي تصويره على أنه “انقلاب على الشرعية”، والملاحظ أن العكس هو الصحيح، فالشرعية الشعبية التي عبر عنها ملايين المتظاهرين تؤكد أمراً مناقضاً لما تدعيه تلك القوى .

التطور الثاني المهم المتمثل في استقالة عدد من الوزراء على رأسهم وزير الخارجية محمد كامل عمرو احتجاجاً على تطورات الأحداث، يؤكد من ناحية ثانية أحد أمرين، إما أن الوزراء المستقيلين انتصروا للإرادة الشعبية التي سطرتها المليونيات، أو أنهم فضلوا التنحي رضوخاً للضغط الشعبي، في ظل هذه الحالة التي لا تبشر إلا باستمرار الضغط على النظام السياسي .

وأياً كان أمر الاستقالات، فإنها تثبت أن النظام الذي لا يلبي مطالب الشعب، لا يمكن أن يظل متماسكاً أو قادراً على الاستمرار، الأمر الذي يجب أن تدركه قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة “الإخوان المسلمين”، وتتعاطى معه كأمر مسلّم به، حتى لا ينتهي بها المصير، إلى ما آلت إليه الأمور غداة اندلاع شرارة 25 يناير 2011 .

الأزمة المتصاعدة في مصر لا تدار بالتجاهل أو غض الطرف عن المطالب الشعبية، ولا التمترس خلف حديث الشرعيات الانتخابية وما شابهها، ولا تحل بالتجييش السياسي والتصعيد والحروب الكلامية، وهذا ما أكدته أكثر من مناسبة وحادثة سابقة، كما أن الأزمة لا تدار بالقمع والملاحقة، وكمّ أفواه النشطاء، ولا تدار بتسييس القضاء والقضايا المطلبية .

مبادئ الإدارة السليمة للأزمة المتصاعدة تفترض بالأساس اعتراف الفرقاء السياسيين بعجزهم منفردين عن الوصول بالبلاد وأهلها إلى بر الأمان، والعمل على إيجاد قيادة جماعية تلبي المطالب والمطامح الشعبية، وتضع حداً لتغوّل الأغلبية الانتخابية والاستفراد السياسي، إلى حين عبور البلاد إلى بر الأمان .