هل الحب مجرد مادة كيميائية سريعة الزوال تتدفق داخل الدماغ؟

حب وعشق.jpg
حب وعشق.jpg

لندن/ المشرق نيوز

تعتمد المشاعر الرومانسية على توليفة معقدة من المواد الكيميائية وعلم النفس، والسؤال هو: هل يمكن لهذه المشاعر أن تتلاشى سريعا؟

يقول جو، وهو شاب يعيش في لندن: "وقعت في الآونة الأخيرة في الحب بشكل عميق، لكن أصدقائي المتشككين يقولون لي باستمرار إن الحب ما هو إلا خليط من الفيرومونات والدوبامين وهرمون أوكسيتوسين، وجميعها تتلاشى بعد مرور عامين. هذه الفكرة ترعبني، وتجعل كل شيء يبدو بلا معنى. فهل الحب بالفعل مجرد كيمياء دماغية؟".

ليس مصادفة أن يزعم البعض أن العنصر الأكثر "إثارة" في الشعر الإنجليزي هو حروف الجر، نظرا لطريقة استخدامها. كما أن جوهر الحب، لاسيما الحب المتسم بعاطفة رومانسية، يُعبر عنه من خلال قواعد لغوية وأخرى تتعلق بكتابة الشعر.

فنحن "نقع" في الحب ولا "نرحل" إليه مثلا، كما نقول غالبا، نحن "نغرق بشدة" في بحر الحب، ومن "النظرة الأولى" دون تردد، كما نقع في الحب "بجنون ونحن لا نبصر" عيوب الحبيب أو الحبيبة، وليس بناء على تقييم عقلاني لمن نقع في حبهم.

فالحب الرومانسي جارف لا يمكن مقاومته، كما أنه يتسم بالاندفاع، ويتحكم فينا أكثر مما نتحكم فيه. والحب في أحد وجوهه لغز غامض، وفي وجه آخر يتسم بالبساطة الخالصة. كما إن مجرد السير في طريقه، يمكن التنبوء به، ولا مفر منه أيضا، كما أن التعبير الثقافي عنه واحد تقريبا في كل زمان ومكان.

أما دوافع التفكير في الحب، من حيث أسبابه البسيطة، فقد سبقت الدراسات العلمية الحديثة بزمن بعيد. تأمل مثلا سهم كيوبيد (كيوبيد استخدم سهمه ليجعل والدته وأدونيس يقعان في حب بعضهما البعض حسب الأسطورة الإغريقية)، إنه سحر.

وعلى الرغم من ذلك لم يتسن للعلم تفسير الحب بسهولة، ولنبحث معا أسباب ذلك.

إن ما يعرف بـ "فيرومونات" الجنس، التي هي عبارة عن مواد كيميائية وظيفتها الإعلان للآخرين عن الاستعداد للتناسل، توصف غالباً بأنها أدوات أساسية لتحقيق الانجذاب، ولكن بينما تلعب الفيرومونات دوراً مهماً في التواصل بين الحشرات بعضها بعضا، لا يوجد دليل قوي على وجودها في البشر.

بيد أنه لو كان باستطاعة مادة كيميائية أن تبرز الانجذاب خارج الجسم، فلماذا لا تفعل ذلك بداخله؟ إن هرمون "أوكسيتوسين النيروببتايد" يوصف غالبا على نحو غير دقيق بأنه "هرمون الارتباط"، وهو معروف بدوره في إفراز حليب الرضاعة، وتقلص الرحم، وهو المرشح الرئيسي والأقوى هنا.

ولا يزال يخضع هذا الهرمون لدراسات مكثفة، باستخدام فأر البراري المعروف بزواجه الأحادي، الذي يتميز بعاطفة المودة، ما يجعله النموذج المثالي للحيوان الذي تُجرى عليه مثل هذه الدراسات.

ويعرقل منع هرمون الأوكسيتوسين عملية الارتباط التزاوجي التي تحل محل الحب هنا، الأمر الذي يجعل الفئران أكثر تحفظاً في تعبيراتها العاطفية، على نقيض تحفيز كمية زائدة من الأوكسيتوسين في الفئران الأخرى

وبالنظر إلى طبيعة البشر، يكون التأثير أقل حدة بكثير، ولا يتعدى مجرد تغيير غير ملحوظ في إظهار تفضيل معين في علاقة رومانسية ما، لذا فمن غير المؤكد أن هرمون الأوكسيتوسين ضروري للحب.

والسؤال الآن هو: أين هو صندوق بريد الحب في الدماغ؟ وكيف تُرسل إليه هوية "شخص محدد"، لاسيما وأنه لا يوجد أي جزيء يمكنه فك مثل هذه الشفرة؟

عندما خضع الحب الرومانسي للفحص العلمي، من خلال تقنيات تصوير الدماغ، تداخلت مناطق "مضيئة" في الدماغ مع مناطق أخرى تدعم السلوك الرامي إلى الحصول على مكافأة والسلوك الموجه بالأهداف.

ورصد الخبراء أنماطا للحب الرومانسي لا تختلف كثيرا عن أنماط الارتباط المتعلق بالأمومة، أو حتى حب شخص ما في فريق كرة القدم المفضل. ونخلص من ذلك أن علم الأعصاب لم يفسر لنا حتى الآن عاطفة "الغرق الشديد (في الحب)".

هل نحتاج ببساطة إلى إجراء المزيد من التجارب؟ عادة تكون إجابة العلماء بـ "نعم"، وذلك بافتراض أن الحب عملية بسيطة جداً يمكن ضبطها.

لكن في المقابل، لا يمكن أن يكون قرار مثل الزواج أو التناسل بسيطا أو موحدا، لأننا لا نخضع في عملية اتخاذ القرار لتأثير عامل واحد، وكلما كانت القرارات معقدة، كانت الأداة العصبية التي تجعل هذه القرارات ممكنة معقدة أيضا.

وعلى الرغم من أن ذلك يفسر السبب وراء التعقيد الذي تتسم به عملية الانجذاب الرومانسي، إلا أنه لا يفسر شعورنا بأن هذه العملية غريزية وتلقائية للغاية، على خلاف الوضع المتعارف عليه في الطريقة التي نتبعها في القرارات الأخرى في حياتنا.

إذاً، أليست الطريقة العقلانية المستقلة أفضل؟ نحن نحتاج إلى الطريقة العقلانية فقط لنفسر لأنفسنا أسباب اتخاذنا لقرار ما، وحتى يستطيع الآخرون تسجيل وفهم هذا القرار بمعزل عنا.

بيد أنه لا يلزم أن يعرف أحد الدافع وراء مشاعرنا العاطفية، فآخر شيء نريده بالطبع هو الكشف عن ذلك.

ويخطيء من يعتقد أن الغريزة أمر بسيط، وأقل شأنا من خضوعها لدراسة متأنية. وذلك اعتراف ضمني بأنها أكثر تعقيداً على الأرجح من التحليل العقلاني، لأنها تفسح المجال أمام مجموعة أكبر من العوامل، مقارنة بما يمكننا السيطرة عليه في وقت واحد داخل عقلنا الواعي.

فالغريزة حقيقة لا يمكن إنكارها، والدليل على ذلك قدرتنا على التعرف على وجه من الوجوه بطريقة أفضل مقارنة بوصف تفاصيل ذلك الوجه بدقة. فلماذا ينبغي أن يكون التعرف على الحب مختلفاً؟

وأخيرا، إذا كانت الآليات العصبية المتحكمة في الحب بسيطة، لكان بالإمكان تحفيزها بمادة ما، أو إخمادها باستخدام مشرط جراحي مع الإبقاء على كل شيء آخر كما هو.

إن المنطق الصلب والجاف للبيولوجيا التطورية قد يجعل ذلك الأمر ممكنا، لكن لو لم يكن الحب معقداً، لما كنا قد تطورنا أبداً في المقام الأول.

وعلى الرغم من ذلك، يكمن الحب، مثل كل أفكارنا وعواطفنا وتصرفاتنا، في عمليات فيزيائية داخل الدماغ، وتفاعل معقد للغاية فيما بينها. لكن القول إن الحب "مجرد" كيمياء دماغية هو أشبه بالقول إن روميو وجولييت "مجرد" كلمات. لأن ذلك يغفل الحقيقة، فالحب مثل الفن، أكبر من مجموع أجزائه.

لهذا فإن من حالفهم الحظ وخاضوا تجربة حب مضطربة، عليهم أن يتركونا لأمواجه تحملنا كيف تشاء. وإذا انتهى بنا الأمر بالارتطام بصخور تخفيها تلك الأمواج، فلنهدأ عندما نعرف السبب الذي يجعلنا لا نبحر إلى مسافة أبعد من ذلك.

المصدر/ بي بي سي عربي نيوز