الانتفاضة العسكرية/الثانية، دروس يجب استرجاعها قبل فوات الاوان؟!

الانتفاضة العسكرية/الثانية، دروس يجب استرجاعها قبل فوات الاوان؟!
الانتفاضة العسكرية/الثانية، دروس يجب استرجاعها قبل فوات الاوان؟!

كتب الدكتور رياض عواد

الانتفاضة العسكرية/الثانية، دروس يجب استرجاعها قبل فوات الاوان؟!

كلما أشاهد مشاهد وصور أبناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، المفترى عليهم من كثير من السفلة خريجي مدرسة السفالة في الخارج والداخل، أتذكر بطولات هؤلاء الأشاوس من رجالات الأمن الوطني والأجهزة الأمنية الفلسطينية الرائعيبن في زمن كل المواجهات الفلسطينية مع المحتل، خاصة في زمن الانتفاضة الثانية، أو على الأصح الانتفاضة العسكرية.

بعيدا عن مظاهر البطولة والفخر بأداء شباب الأجهزة وقوات الأمن الوطني وشباب الفصائل ومواجهتهم لالة البطش الاسرائيلية العسكرية المتطورة، يمكن القول أن النتيجة النهائية لهذه الانتفاضة العسكرية، التي سقط فيها أكثر من 4,500 شهيدا وعشرات آلاف الجرحى، أغلبهم من أبناء الأمن الوطني والمؤسسة الامنية، كانت خسارة المعركة وإعادة احتلال الضفة الغربية وتدمير السلطة الوطنية وضعفها الكامل عن حماية نفسها وعناصرها من تغول المسلحين الجدد، مما أدى إلى انتشار الفوضى والفلتان الأمني وإهانة قادة الأجهزة الأمنية واغتيال العديد منهم لتصبح السلطة جاهزة للانهيار التام والسقوط المدوي في انتخابات 2006، كتعبير من الشعب عن رفض حالة الفلتان التي ارهقته، وسوء الاوضاع الأمنية، وعلى أمل في مرحلة سياسية جديدة يسودها الأمن والإصلاح والتغيير، لم يرى فيها لا إصلاحا ولا تغييرا الا إلى الأسوأ.

لا داعي إلى التعليق على هذه النتيجة وما وصلنا اليه بأكثر من النكتة التي يرددها البعض على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي حول رغبة الفلسطينيين بالاحتفال في ذكرى هذه الانتخابات باللطم بالشواحيط على الوجوه، بدلا من اللطم بالأيدي الذي يمارسه إخواننا الشيعة في ذكرى استشهاد الحسين.

الانتفاضة العسكرية الثانية كانت محاولة فلسطينية لاستخدام خيار العصا إلى جانب خيار الجزرة لدفع الإسرائيليين إلى تنفيذ بعض ما تم الاتفاق عليه وفقا لاتفاقيات أوسلو، وما تبعها من محادثات ومفاوضات. هذا الخيار الذي مازال كثير من الفلسطينيين يطالبون باستخدام القوة لإجبار اسرائيل على التعاطي مع الحقوق الفلسطينية، دون الأخذ بالاعتبار النتائج الكارثية للانتفاضة العسكرية الثانية، ولا النتائج التدميرية للحروب الاسرائيلية على غزة، والتي حولت غزة إلى مكان غير قابل للحياة، وحولت سكانها إلى مجتمع يتسول الكابونة وينتظر صدقة المائة دولار القطرية، ويصطف ساعات في طوابير طويلة على أبواب الجمعيات ليحصل على كيلوات من الأرز والسكر أو كيلو لحم، في الغالب يكون فاسدا. في حين يقطع شبابه آلاف الكيلو مترات بعد أن يدفعوا آلاف الدولارات للهروب من أمراضهم النفسية نحو الموت المحتمل في البراري أو في بحار الغربة ومحيطاتها، تاركين من خلفهم آلاف الصبايا وقد فاتهن قطار الزواج إلى غير رجعة.

هذا السيناريو قد يعود من جديد خاصة بعد تخريصات وتحريض كوشنير ضد السلطة الوطنية والرئيس أبو مازن وتحميلهم مسؤولية اعمال العنف تمهيدا لاحتمال اعادة سيناريو حصار الشهيد عرفات وتطبيقه على الرئيس ابو مازن، ومحاولة التخلص من السلطة الفلسطينية وتنصيب قيادة جديدة للكانتونات المشكلة في الضفة الغربية، كل هذا احتمالات واردة يجب التصدي لها موحدين ومقاومتها.

لكن الواقع المزري، الذي لا يخفى على كل عاقل وصادق يحكم عقله ولو قليلا، يقول بوضوح اننا لا نستطيع مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وفقا للشروط التي يفرضها علينا، وفي الساحة التي يتفوق فيها علينا آلاف المرات. باختصار لا يمكن مواجهة الاحتلال عسكريا، وكل الدعوات بهذا الخصوص هي دعوات انتحارية لا تهدف إلى مقاتلة العدو من أجل اهداف وطنية أو من أجل دحر الاحتلال والتحرير، ولكن اما من أجل اهداف لها علاقة بتحسين شروط هيمنة هذه الفصائل وتعظيم حصتها مما أنتجته سلطة أوسلو، أو من أجل اهداف الدول الإقليمية التي تستخدم غزة كمنصة لإطلاق ما يسمى بالصواريخ وفقا لتوقيتها وأهدافها كممول لهذه التنظيمات التي تعمل على الأرض الفلسطينية.

هل القول بان العمل المسلح قد وصل الى حائط مسدود، والدعوى إلى رفض استخدام هذا النهج في المقاومة هو دعوة للاستسلام للاحتلال الاسرائيلي، والتخلي عن حقوقنا الوطنية المشروعة، كما يدعي البعض ويتهم كل من يرفض العمل المسلح في هذه المرحلة بأبشع الصفات واشد العبارات.

الإجابة على تلك الطرهات تجدها جلية في سيرة كل الشعوب المناضلة التي كيفت أساليب النضال وفقا لواقعها وإمكانياتها، ووفقا لشروط المعركة وقوة الخصم وامكانياته، وبهدف تحقيق أقصى الإنجازات والحقوق، دون تدمير الشعب أو تحويله إلى مجموعات من الاشلاء المتناثرة.

أن خيار المقاومة ومواصلتها واستمرارها هو خيار وطني فلسطيني لا يمكن مناقشته أو التراجع عنه. إن مناقشة أساليب النضال والمقاومة وتبني الأساليب الممكنة والملائمة لا يعني للحظة التخلي مطلقا عن فكرة الصمود والمقاومة.

يلاحظ أن كثير من الحزبيين، الايدولوجيين منهم خاصة، يسارعون في اتهام كل من يناقش اساليب المقاومة ويوجهون له التهم الجاهزة، اقلها انه معادى للمقاومة.

هناك وعي وطني فلسطيني يتنامى يرتكز موقفه من المقاومة على ركزتين اساسيتين: الاساليب، الأهداف

عندما يتم نقاش المقاومة فإننا نناقش الأساليب وجدواها وليس حقنا الطبيعي والقانوني كشعب محتل في مقاومة محتليه، نناقش مدى ملائمة هذه الاساليب لظروفنا ولموازين القوى، نناقش النتائج التي من الممكن ان تتحقق من خلالها، ومقدرتها على عدم تعريض المدنيين إلى إخطار مدمرة.

لم يعد الفلسطيني يطرب إلى صوت السلاح ويقدسه بعيدا عن الأهداف الحقيقية التي يعمل هذا السلاح من أجل تحقيقها، فنحن نريد أن نحقق هدفنا في الحرية والاستقلال، بعيدا عن جعجعة السلاح الذي قد يهدف احيانا إلى اهداف بعيدة عن اهداف الشعب. من الهام أيضا أن تعبر هذه المقاومة عن حاجاتنا وتحمي استقلالنا لا أن تكون أداة في يد الممول، تنطلق وفقا لتوقيته ومشيئته واهدافه.

كذلك ليس من السهل أن يقع الفلسطيني في شرك التصريحات الاسرائيلية التي تهول من مقدرة الفلسطيني وامكانياته ووسائله لكي تستخدم ذلك ذريعة لتدمير الفلسطسني وتحويل حياته إلى موت زؤام، ولنا في تجربة غزة العبرة والعظة؟!

أن مواصلة بقاءنا على ارضنا هو جوهر مقاومتنا وصمودنا، وهو ارقى أشكال المقاومة التي يمارسها الشعب الفلسطيني. أن هذا البقاء والصمود هو الذي سيفشل كل مخططات الاحتلال بالضم والتهجير. ان الصمود الاستراتيجي فوق الارض الفلسطينية هو هدف ووسيلة نضال أساسية تحتاج إلى حاضنة وطنية تدعم هذا البقاء والصمود، لذلك فإن الحفاظ على السلطة الوطنية وتعزيزها وتقويتها يجب أن يكون له الأولوية في البرنامج النضالي الوطني.

أن هذا الصمود فوق الارض يجب أن يتواصل ويتعزز بالمقاومة والنضال الشعبي السلمي ضد الاستيطان والمستوطنات وضد جدار الفصل العنصري ودفاعا عن القدس والمقدسات ومن أجل النضال لرجوع اللاجئين إلى البلاد التي هُجروا منها.

من المفيد أن يعرف المثقفون والسياسيون الذين يُنظِّرون وينادون باستخدام كل وسائل المقاومة والى عدم حصر النضال الفلسطيني في وسيلة واحدة، أن الفلسطينيين لا يملكون بذخ الخيارات، لذلك عليهم ان يراجعوا فكرتهم ويعرفوا أن الشعب الفلسطيني غير قادر على استخدام أسلوب الكفاح المسلح في النضال، في هذا الشرط الموضوعي الملموس، ليس نقصا في الشجاعة والتضحية، ولكن لان هذا الأسلوب هو دعوة إلى التدمير الذاتي والى تنفيذ اهداف الاحتلال، المتمثلة في اعادة احتلال الضفة وتقسيمها الى كانتونات وتهجير العدد الاكير من سكانها وتسليم كل كانتون الى مجموعة من العملاء والمتعاونين.

كذلك فان الدعوة الى استخدام تكتيك العصا والجزرة غير ممكن في الواقع الفلسطيني، لذلك من الهام التذكير بالمثل الفلسطيني البسيط "اللي بتغلب به العب به"، لا خيار لنا الا خيار المقاومة السلمية والبقاء فوق ارضنا، خيار العصا والجزرة لا يصلح في واقعنا الفلسطيني.

علي شعبنا أن يحافظ على بقائه ووجوده على أرضه ولا ينجر لاعمال تتناقض مع هذا الهدف النبيل؟!