دولة غزة المستقلة... د. سفيان ابو زايدة

دولة غزة المستقلة...  د. سفيان ابو زايدة
دولة غزة المستقلة... د. سفيان ابو زايدة

دولة غزة المستقلة

د. سفيان ابو زايدة

بعيدا عن الجدل الفلسطيني الذي طفى على السطح في الاونة الاخيرة حول نوايا حماس الاعلان عن غزة ارض فلسطينية محرره و ما رافقه من انتقادات، و بعيدا عن المواقف الرسمية للاطراف الفلسطينية بمختلف انتماءاتها، غزة من الناحية العملية و منذ خمس سنوات تسير بهذا الاتجاه، حيث تعتبر حماس قطاع غزة المنطقة الفلسطينية الوحيدة المحرره منذ ان اقدم شارون على خطوتة احادية الجانب، و بعد ان اصبحت غزة تحت سيطرة حماس الامنية و العسكرية.

قيادة حماس تعتبر ان الضفة الغربية هي التي تخضع للاحتلال وهي التي تحتاج الى تحرير وتغيير المعادلة هناك، تماما كما حدث في غزة، لذلك لا ترى حماس اي خطورة على الوضع الفلسطيني اذا ما تم فتح معبر رفح بشكل كامل بحيث يوفر حرية الحركة للمواطنين و ادخال كل ما يحتاجه القطاع من بضائع، و توفير كل ما يلزمه من ماء و كهرباء و محروقات . قيادة حماس لا ترى اي خطورة على القضية الوطنية اذا ما تم قطع كافة العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل في حال توفر البديل من خلال مصر.

حماس تعتبر ان الفصل بين غزة و الضفة موجود ليس نتيجة الانقسام او نتيجة الخطوات التي اتخذتها حماس او التي قد تتخذها في المستقبل، بل الفصل بين غزة و الضفة هو نتيجة الاحتلال الذي يفصل بين المنطقتين الجغرافيتين، وهذا الفصل سيبقى موجودا  و بدرجات مختلفه الى ان يكون هناك حل سياسي للقضية الفلسطينية او بكلمات اخرى الى ان يزول الاحتلال، و لن ينتهي الفصل بمجرد انتهاء الانقسام.

قيادات حماس لا يعيرون الكثير من الاهمية للتمسك بفكرة ان غزة تخضع للاحتلال الاسرائيلي وفقا للقانون الدولي و ان اي خطوة بأتجاه مصر هي اعفاء للاحتلال الاسرائيلي من مسؤلياته تجاه قطاع غزة  واهلها، يتعاملون على ان اسرائيل هي دولة احتلال تم تخليص قطاع غزة من براثنه.

من الناحية العملية، هناك كيان فلسطيني في غزة شبه مستقل عن الكيان الفلسطيني في الضفة، ما زالت هناك الكثير من الارتباطات بين الكيانين التي تتقلص مساحتها مع مرور الوقت، حيث في دولة غزة هناك حكومة و مجلس وزراء، هناك اجهزة امنية و جهاز قضاء، هناك ديوان موظفين وسلطة اراضي و سيطرة تامة على جهاز التعليم و الصحه...الخ من المؤسسات و السلطات و الهيئات المختلفة الاخرى، حيث العلاقة بين هذه المؤسسات و رديفاتها في الضفة الغربية هي في احسن الاحوال علاقات تنسيقية بين اطراف شقيقية يفرضها الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الوطني.

غزة دولة مستقلة عن الضفة دون اعلان رسمي بذلك و ان عملية الانفصال عن الضفة تتعزز مع مرور كل يوم دون انهاء ملف الانقسام، حيث لا تعتبر حماس نفسها في مأزق كما يعتقد البعض ، بل ان الذي في مأزق هي السلطة الفلسطينية في الضفة ، حيث الفشل الذريع لمشروع التسوية السياسية على اساس اوسلو، و حيث الازمة المالية الخانقة و الاجراءات الاسرائيلية على الارض التي تقوض من مكانة السلطة و تضعف هيبتها، و ان المستقبل من وجهة نظرهم هو لمشروع حماس الذي تلقى نصرا معنويا كبيرا بعد فوز الاخوان في مصر.

على الرغم من ذلك، السؤال الذي يطرح نفسه هو هل حقا غزة منطقة محرره؟ هل حقا لا تخضع للاحتلال الاسرائيلي و بالتالي هي تسير بأتجاه الاستقلال؟

دولة غزة المحرر هي اشبه بسجن كبير بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هذه المنطقة التي يحاصر الاحتلال الاسرائيلي بحرها و برها و جوها، و يسيطر على كل منافذها باستثناء معبر رفح الذي يتحرك فيه الفلسطينيون وفقا للكثير من الشروط و القيود . دولة دون ميناء بحري او جوي مما يجعل المواطن الفلسطيني عبارة عن سجين حقيقي يحتاج الى تصريح للخروج من زنزانته.

دولة غزة المستقلة يستبيحها الطيران الاسرائيلي متى شاء و الزنانات تراقب من تشاء و على مدار الساعه، هم الذين يحددون ما اذا كان المسؤول يستطيع ان يسير في موكب مهيب او يتنقل متخفيا في سيارة اجرة مع المواطنين عندما يكون هناك توتر او صدام.

حياة المواطنين في غزة كلها تنسيق، تنسيق للسفر و تنسيق لتلقي العلاج و تنسيق لادخال البضائع  و تنسيق لادخال الدواء، تماما كحياة الاسرى في السجون الاسرائيلية.

خلاصة القول ان الاحتلال سيكون في منتهى السعادة اذا ما تم اعفاءه من اي مسؤولية تجاه غزة، و لن تكون لدية مشكلة في ان يكون ارتباط غزة بمصر و من كل النواحي. و على الرغم من ذلك لن تحل مشكلة الاحتلال مع غزة حيث اصبحت بالنسبة له اكثر خطورة من جنوب لبنان، و التهديد الذي اطلقه امس رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي في جلسة الخارجية و الامن التابعه للكنيست بأنه و على الرغم من الهدوء سيضطر الجيش الاسرائيلي لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة في غزة، هي في تقديري ليست تصريحات للاعلام فقط، بل هي اكثر من ذلك بكثير، و لكنها جاءت لكي تذكرنا ان غزة ليست مستقلة او محرره بل تخضع للاحتلال الاسرائيلي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

و لتقول لنا ان الجدال و الخلاف فيما بيننا هو اشبه بالاخلاف بين الفصائل الفلسطينية في السجون الاسرائيلية على من يمثل المعتقلين امام سلطات السجن او الخلاف على من يجلس بالقرب من شباك الزنزانه.

szaida212@yahoo.com