مصر وشبح الفوضى بقلم : د. إبراهيم البحراوي

مصر وشبح الفوضى  بقلم : د. إبراهيم البحراوي
مصر وشبح الفوضى بقلم : د. إبراهيم البحراوي

مصر وشبح الفوضى

بقلم : د. إبراهيم البحراوي

شبح الفوضى في مصر يلقي بظلاله الكئيبة على الشوارع والبيوت تمهيداً لذروة حضوره المتوقعة في 30 يونيو الجاري. بيتي في القاهرة يقع قريباً من قصر الرئاسة حيث يتواجد الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي. عندما وقعت مظاهرات حاشدة في نوفمبر الماضي حاولت اقتحام القصر احتجاجاً على القرار الدستوري الذي أصدره الرئيس، عشت أياماً قاسية، فقد تسللت إلى داخل البيت الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها الشرطة بغزارة، وأصبح مستحيلاً أن أبقى داخل البيت رغم إغلاق جميع نوافذه، وسأقوم فور كتابة هذا المقال وإرساله إلى «وجهات نظر» بحزم حقائبي للرحيل بعيداً، لتجنب كارثة الغازات المقبلة يوم 30 يونيو، حيث تنطلق مظاهرات حركة «تمرد» المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة لتحيط بقصر الاتحادية. أريد أن أُشرك القراء الكرام في أبعاد حالة الفوضى التي بدأت نذرها، والتي ستتصاعد وبيان آثارها على الحياة المصرية، فأنا لا أعرف إلى أين أتجه لأتجنب الغازات المحظور عليّ بأمر الأطباء أن أتنفسها. فكرت في الذهاب إلى شاطئ البحر في مسقط رأسي مدينة بورسعيد، غير أن أقاربي هناك قالوا إن الوضع متوتر في المدينة والناس متأهبة للخروج ضد حكم «الإخوان»، وبالتالي ستظلل الغازات المدينة. فكرت في الذهاب إلى الساحل الشمالي، حيث لا توجد تجمعات سكانية، بل توجد فقط منتجعات وقرى سياحية خالية، غير أن ضابطاً من أصدقائي حذّرني من احتمال تصاعد الأحداث يوم 30 يونيو وما بعده لدرجة قطع طرق السفر وهو ما يعني عزل الساحل الشمالي البعيد عن المدن.

ليس أمامي إلا الانتقال إلى فندق بعيد عن منطقة القصر الرئاسي لعلّ هذه الحيرة تبين لكم آثار الفوضى المتوقعة على حياة الإنسان.

من جانب آخر دعونا نطل على اللوحة السياسية، وفيها سنجد حالة استقطاب حادة بين حكم «الإخوان» وحلفائهم من التيارات الإسلامية من ناحية، وبين «جبهة الإنقاذ» المعارضة وحركة «تمرد» من ناحية ثانية.

لقد حاول بعض الحكماء التوسط لإحداث حالة توافق وطني دون جدوى، وفي تقديري أن كل طرف معتد بقوته ولا يريد أن يقدم أي تنازلات قبل أن يختبر قوة الطرف الآخر، يوم 30 يونيو. انظروا إلى المحاولة الرشيدة التي أطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع منذ أيام، عندما طالب القوى المختلفة بالوصول إلى توافق قبل يوم 30. لقد تعرض الرجل لموجة حادة من الهجوم شنّها إسلاميون في مقدمتهم القيادي السلفي أبو إسماعيل، حيث قال إن تصريحات وزير الدفاع عربدة بالغة واعتداء صريح وصارخ، ومقدمة لا يقبلها ذوو كرامة لانقلاب وإجهاض كامل لكل ما تحقق. وقال أبو إسماعيل: إن السيسي لابد أن يجد ما يردعه عن هذا التجاوز غير المسبوق في تاريخ مصر. وعندما تراجع تصريحات السيسي لتفهم سبب ثورة أبو إسماعيل تجدها تؤكد حياد الجيش بين القوى السياسية واحترامه لإرادة الشعب، ورفضه العدوان عليه أو ترويعه. لقد فسَّر الإسلاميون هذه التصريحات على محمل أنها ضدهم، وهذا يكشف عن بذور عميقة لحالة الانقسام ورفض أي محاولة للتوافق. لقد أعلنت الجماعة الإسلامية على لسان زعيمها رفاعي طه، أنها مستعدة لحمل السلاح من جديد للدفاع عن مرسي، وكذلك أعلن أحمد شميط القيادي في «حزب البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أنه مستعد لاستخدام العنف إذا لم يقم الجيش والشرطة بحماية الرئاسة.

إن أمامنا طرفين أحدهما يصمم أن حكم الرئيس الإخواني قد فشل، وعلى الرئيس الرحيل وإجراء انتخابات مبكرة، والثاني يصمم على بقاء الرئيس ليكمل مدته.

إن اصطدام هاتين الإرادتين المتعارضتين سينتج الكثير من شرر الفوضى فوق الحياة المصرية، قبل أن ينتصر أحد الطرفين أو تتعادل القوى ويضطر الطرفان للتفاهم.