مصر بين الثورة و «الإخوان» بقلم : د. صالح سليمان عبدالعظيم

مصر بين الثورة و «الإخوان»  بقلم : د. صالح سليمان عبدالعظيم
مصر بين الثورة و «الإخوان» بقلم : د. صالح سليمان عبدالعظيم

مصر بين الثورة و «الإخوان»

بقلم : د. صالح سليمان عبدالعظيم

رغم الآمال الهائلة التي ارتبطت بالثورة المصرية، فإن الأحوال انتهت إلى قدر كبير من الإحباط. وخطورة هذه الحالة أنها ترتبط بمستوى آخر من الخوف والترقب لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في مصر، والتحديات المخيفة المرتبطة بالمستقبل. فالواقع الإخواني / الديني انتهى إلى حالة مزرية من التراجع والتدهور والانقسام.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن أي مصري اليوم هو: ما الذي استفدناه من الثورة؟ وما الذي استفدناه من حكم الإخوان؟ ويرتبط السؤالان ببعضهما، ولا ينفصلان. صحيح أن الإخوان والتيارات الدينية الأخرى في مصر لا يعبرون عن الخريطة السياسية المصرية ككل، لكن على الأقل يمثلون الصدارة الآن، من ناحية اعتلائهم سدة الحكم، وتملكهم مقادير الأمور، وإن كان وضعهم الآن أكثر سوءا وترديا مما كان عليه حالهم إبان اعتلاء الرئيس مرسي سدة الحكم .

يمكن القول إن المصريين قد كفروا بالثورة المصرية وندموا على قيامها؛ فالكثيرون يجرون مقارنات دائمة بين ما كان عليه الحال قبل الثورة وما آلت إليه الأوضاع الآن، ولا تصب تلك المقارنات غالبا في صالح الثورة على الإطلاق. فافتقاد الأمن والأمان، والتدهور الحاد في الشارع المصري، والغلاء المتصاعد في أسعار السلع الضرورية، والانقسامات السياسية الحادة.

وغياب أي رؤية مستقبلية، كلها تغيرات تجعل المصريين، عاشقي الاستقرار، يترحمون على أيام ما قبل الثورة، مفضلين الفساد الذي يضمن سريان الحياة اليومية، على كليشيهات الثورة التي أصابت حركة المجتمع بالركود التام. فالمواطن العادي، الغارق في أعباء الحياة اليومية، يفضل الاقتصاد على السياسة، كما يفضل لقمة العيش على صراع الأيديولوجيات وعراك القوى السياسية.

ورغم هذه الصورة المحبطة، فإن الثورة لم تكن كلها عبئا على المصريين، فقد كانت طاقة الأمل الجديدة التي استبشروا بها، وشعروا بأهميتها وقيمتها، وهم يزيحون الفرعون الجاثم على مقادير حياتهم، ويختارون رئيسا جديدا لهم. كانت الثورة عنوان الأمل الجديد الذي يكفل لهم الحديث دون خوف أو وجل، ويمدهم بتلك الطاقة الضبابية القادرة على بث الأمل والشعور بالقوة والقدرة على التغيير

. ورغم كل هذه الآمال والتطلعات، فقد انتهت الثورة بوصول الإخوان لسدة الحكم، ليمارسوا غباءهم السياسي في الاستئساد على مقادير الأمور في مصر، واستبدال الاستبداد السياسي للنظام السابق، باستبداد ديني متخلف عفا عليه الزمن، وتجاوزته الدول والشعوب.

لقد تبخرت أحلام المصريين في انتخاب رئيس مدني، رئيس لكل المصريين، وليس رئيسا لفصيل بعينه وجماعة محددة مثل جماعة الإخوان. لقد اكتشف المصريون، المتدينون بطبعهم، حجم الخديعة التي تعرضوا لها، وحجم الكذب المرتبط بجماعة الإخوان وبحكمهم، وبضعف قدراتهم الهائل، وغياب رؤاهم التنموية، وتواضع إمكانياتهم السياسية. ورغم العناد الذي يعتبر سمة عامة بين المنتمين للتيارات الدينية، بما في ذلك جماعة الإخوان، وإصرارهم على نجاحهم في الحكم، فإن كافة المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل وحتى الثقافية، تشير إلى تراجع هائل في مقادير المجتمع المصري.

وتدهور حاد في أحوال المصريين. فلأول مرة يشعر المصريون بالخوف مما يجابههم على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي؛ فلم يكتف الإخوان بما يقومون به من تقطيع لأواصر الشعب المصري، بل سعوا لتقطيع علاقات مصر العربية والدولية على السواء. ولم يستطيعوا طوال عام من حكمهم أن يقوموا بحل أية مشكلة، سواء داخليا أو خارجيا، بل إن خططهم في مواجهة سد النهضة الإثيوبي تكشف عن ترهل عقلي شديد، وغياب تام لأية قدرات تفاوضية فاعلة.

ولعل أخطر ما واجهه المصريون طوال العام المنصرم، يتمثل في ذلك الخطاب الديني الإخواني السلفي بالغ التطرف، والذي يشيع حالة دموية مخيفة بين المصريين. لقد نجح هؤلاء المدعون من تجار الدين، في أن يقطعوا أوصال المجتمع المصري الذي يتسم عبر تاريخه الطويل بالتماسك والاستقرار. لقد قسموا المجتمع إلى كفار ومؤمنين، أقباط ومسلمين، شيعة وسنة، رجال ونساء، أتباع وأغيار.

هكذا وجد المصريون أنفسهم محاصرين بين مطرقة الإخوان الكاذبة الخارجة من رحم السجون وادعاءات التقوى والورع، وبين سندان الجماعات الجهادية والسلفية القاتلة المهددة بالوعيد والثبور. هذا ما انتهت إليه، للأسف، الثورة المصرية، حيث الوقوع بين حبائل الادعاءات والكذب، وبين تهديدات الدم والقتل والتدمير.

ورغم ذلك، فإن المصريين لم يفقدوا الأمل حتى الآن، وكيف يفقدونه ولدينا شباب "تمرد" المتميزين الواعدين؟ فرغم كآبة الواقع، ورغم إحباطاته المتتالية، فإن مصر تطرح علينا هذا الشباب الجميل الواعد والمبدع، الذي يكشف عبث القوى السياسية المختلفة، ليتصدر الساحة حاملا معه مشاعل الأمل في التغيير الحقيقي والثورة البناءة، والقدرات اللامتناهية على التغيير والتمرد والحلم ..