الأنظار مشدودة إلى "اليوم الكبير" بقلم : محمود الريماوي

الأنظار مشدودة إلى "اليوم الكبير"  بقلم : محمود الريماوي
الأنظار مشدودة إلى "اليوم الكبير" بقلم : محمود الريماوي

الأنظار مشدودة إلى "اليوم الكبير"

بقلم : محمود الريماوي

تاريخ 30 يونيو - حزيران الجاري يتردد على مدار الساعة في مواقع الصحف المصرية والمواقع الأخبارية ومحطات التلفزة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. وبالتأكيد فإن هذا التاريخ يتردد على ألسنة ملايين المصريين. على أن أحدا لا يعلم ماذا سيكون عليه هذا الموعد، بل إن التساؤل الأكبر هو: يوم الأحد المقبل سيكون موعدا مع ماذا؟

سوف تخرج أعداد هائلة من المصريين في القاهرة وبقية المدن استجابة لدعوات ما لا يحصى من أحزاب المعارضة والقوى الشبابية والهيئات الاجتماعية والشخصيات المستقلة والتجمعات المهنية، إضافة إلى مركز الأزهر وبطرياركية الأقباط. المليونيات سوف تتجدد والمطلب هذه المرة يتمحور حول الحؤول دون الرئيس الحالي محمد مرسي واستكمال ولايته، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة وذلك في ذكرى مضي عام على تبوؤ شخصية إخوانية مركز الرئاسة. أما عما سوف تسفر عنه هذه التحشدات، فمازال مجهولا، ليس فقط لأن الموعد لم يحل، بعد، بل لأن صورة الاعتراضات والتحركات اللاحقة لم تتبلور.

الاحتجاجات تنطلق من إدانة الفشل في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ورفض الجنوح إلى أخونة الدولة وعجز النظام عن ضبط التمرد في سيناء، والفشل في ملف مياه النيل الشريان الرئيسي للحياة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية نشطت حركة باسم "تمرد" ونجحت كما قال ممثلوها في جمع 15 مليون توقيع لنزع الشرعية عن الرئاسة. اسم الحركة يدل على هويتها الراديكالية، والمجتمع السياسي بل المجتمع برمته تقبلها بما يدل على تغيير كبير في المزاج العام يميل إلى تحدي الحكم القائم والضغط العلني عليه والطعن في أهليته. وبينما حركت ثورة 25 يناير قوى شبابية ومهنية شبه نخبوية استقطبت لاحقا قبولا عاما، فإن التحركات الحالية تتم بمشاركة اجتماعية عريضة وقد جرى تغذيتها على مدى عام وبصورة يومية في شتى وسائل الإعلام وعبر تحركات مهنية ضاغطة من أوضح مظاهرها مؤخرا منع وزير الثقافة علاء عبدالعزيز من دخول مكتبه عبر اعتصام يشارك فيه طيف واسع من المثقفين والأدباء والفنانين.

في هذه الأثناء فإن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان متحالفا مع بضعة تجمعات ينشط بدوره في تنظيم تظاهرات استباقية مع اختيار دقيق لا يخلو من ذكاء لشعاراته من قبيل: لا للفوضى نعم للاستقرار، لا للعنف نعم للشرعية. ومقابل حركة "تمرد" جرى تحريك حركة باسم "تجرد" جمعت كما قال ممثلوها بضعة ملايين توقيع تدعو إلى التهدئة واحترام الشرعية. لكن قوى متشددة داخل جماعة الإخوان وخارجها تحذر بأنه إذا ما تصاعدت الدعوات في الشارع لإسقاط مرسي، فسوف يتم الضغط والتوجه نحو إعلان "دولة إسلامية كاملة" في البلاد.

التدقيق في التحركات الحالية الممهدة ليوم 30 يناير تكشف أن الأمر لا يقتصر على تنظيم تحشدات وإطلاق تظاهرات وتسيير مسيرات، وأن المسألة إن هي إلا تنظيم أشكال من العصيان المدني العالي الوتيرة، والمتنقل داخل المحافظات وضمن المحافظة الواحدة، مع سعي حثيث ومنظم لاستقطاب المؤسسة العسكرية وأجهزة وزارة الداخلية نحو هذه التحركات بالتحشد أمام مقارها ومخاطبة المسؤولين فيها واستمالتهم، لحرمان مركز الرئاسة من قواعد السلطة بعد استقطاب القاعدة الاجتماعية.

في هذا الجو الجياش بالانفعالات الذي يعزز منه ويؤججه ضنك العيش لعشرات الملايين، فإن احتمال الاحتكاكات هو الأكثر رجحانا. لقد سعى حزب الحرية والعدالة إلى أن يبدو بمظهر النأي بالنفس عن مناسبة 30 يناير وما يسبقها لإبعاد شبح الفتنة، غير أنه غير رأيه وشرع في تنظيم تظاهرات استباقية، ومن المتوقع أن تتصاعد هذه التحركات يوما بعد يوم، مع تنظيم حملات حراسة وحلقات وتحشدات حول مقار الحزب والجماعة، حتى حلول اليوم "الكبير". وعليه فسوف يكون من الرومانسية بمكان تصور أن الأيام المقبلة سوف تشهد حملة إطلاق هتافات ورفع يافطات ليس إلا. فخلال العام الذي مضى على ترؤس مرسي مقاليد البلاد، تعمقت الفجوة بين الحكم والشارع على قاعدة رفض استبدال حزب حاكم (حزب مبارك الوطني) بحزب حاكم آخر يقسم المواطنين على أساس ديني، ويعمد إلى تغيير الهوية الوطنية المركبة والمستقرة منذ قرون لدى الدولة والمجتمع، إلى هوية آحادية ذات طابع ديني يكرسها النظام السياسي بالقسر، كما تبدى مؤخرا في اختيار وزير للثقافة من خارج الجسم الثقافي وقريب من التيار الإسلامي، يضاف إلى وزير الإعلام المصنف مع الإسلاميين، ثم تعيين 7 محافظين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.

يتمنى المرء أن لا تنجرف مصر إلى دوامة العنف، غير أن التمنيات لا تسعف وحدها في بلوغ المراد، فهناك الآن جنوح نحو خيارات شبه صفرية، والعنف اللفظي بات ظاهرة مألوفة. من المتوقع أن ترتفع الدعوة إلى التهدئة ورفع الغطاء السياسي عن أية ممارسات عنفية محتملة. غير أن ما يستحق أن يشغل البال هو مدى ارتداد التحركات المليونية المرتقبة، على جسم الدولة ومرافقها ومؤسساتها الحيوية وبالذات المؤسسة العسكرية. وهل في الإمكان أن يعمد النظام إلى تحقيق صدمة إيجابية في ما تبقى من وقت بإعفاء الحكومة الحالية مثلا، والدعوة إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني تحظى فيها المعارضة متعددة الأطياف بحضور كبير، تفاديا لتصعيد لا يعرف أحد مسبقا إلى أين سينتهي؟