المال القطري ... يعزز الانقسام الفلسطيني بقلم ناهـض زقـوت

المال القطري ... يعزز الانقسام الفلسطيني  بقلم ناهـض زقـوت
المال القطري ... يعزز الانقسام الفلسطيني بقلم ناهـض زقـوت

المال القطري ... يعزز الانقسام الفلسطيني

بقلم ناهـض زقـوت

 

بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 تعزز وجود حركة حماس في المشهد السياسي اثر العمليات الفدائية الاستشهادية التي قامت بها داخل المؤسسات والمراكز والمطاعم الإسرائيلية وسط تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى، ولم تستطع إسرائيل بكل قوتها الحربية أن توقف هذه العمليات حتى قالها يومها اسحق رابين "لا أستطيع أن أمنع شخصا يريد الانتحار".

وبدأت الوفود الأمريكية والدولية في القدوم إلى الأراضي الفلسطينية لمقابلة الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) في محاولة للضغط على القيادة الفلسطينية لوقف الهجمات على إسرائيل، واعتقال أفراد حماس ومنعهم بقوة السلاح، وأمام الموقف الوطني للرئيس أبو عمار في رفض المطالب الأمريكية والدولية، فكانت هناك مباحثات واتفاقيات في هذه المسألة، مثل مباحثات تينيت، وتفاهمات ميتشل، حتى الوصول إلى خارطة الطريق. هذه الخارطة التي وضعت الأسس السياسية لوقف الهجمات بالطرق السياسية والدبلوماسية، وأمام رفض السلطة الفلسطينية نزع سلاح المقاومة بالقوة، بدأت الدوائر الأمريكية والإسرائيلية البحث عن طرق بديلة، أهمها دمج حماس في المشهد السياسي.

منذ أن استقبلت قطر قادة حركة حماس بعد خلافهم مع الأردن على أراضيها عام 1999م بدأت العلاقات المتميزة بين قطر وحماس، مما كان لقطر تأثير كبير على حركة حماس وتوجهاتها  السياسية، وكانت البداية في دفع حركة حماس إلى خوض الانتخابات التشريعية عام 2006 بعد أن كانت رافضة المشاركة تحت راية اتفاق أوسلو، وقد اعترف الأمير القطري مؤخرا بأنهم كانوا وراء هذا الأمر.

وفازت حركة حماس في الانتخابات بالأغلبية، ودخل المشهد السياسي الفلسطيني في صراع، لعبت أيدي خفية في تأجيجه لأهداف مستقبلية، كان من نتائجها انقلاب حماس والسيطرة على قطاع غزة.

لعبت قطرا دورا ما زال غير واضح في دفع حماس إلى السيطرة على قطاع غزة ودعمها بالمال، مما أوجد الانقسام، وكانت قطر من أشد الداعمين لحماس في تعزيز الانقسام من خلال دفع أموال مباشرة لدعم مؤسساتها أو من خلال مشاريع اقتصادية وإنمائية.

وكان لقطر أيضا مواقف سياسية مؤثرة في حركة حماس، وكل المراقبين يدركون دور قطر في إطالة حرب عام 2014 من خلال تدخلاتها السياسية في دفع حماس إلى رفض المبادرات الداعية إلى وقف العدوان، مما زاد من سيطرة قطر على القرار السياسي لدى حركة حماس.

وعندما بدأت مباحثات المصالحة بين السلطة الوطنية وحماس كانت قطر موجودة بقوة في المشهد دون أن تظهر على السطح، فكلما اقتربت حماس والسلطة من المصالحة تدخل قطر على الخط وتفسد كل ما قاموا به بالمال ودفع حماس إلى المماطلة في تنفيذ تفاهمات المصالحة. وكان الملاحظ للعيان انه عندما تصل الأمور في المصالحة إلى شيء من الانفراج تصل قطر إلى غزة وتنقلب حينها البوصلة، والدفع بحماس إلى رفض المصالحة وتسويف القضية.

وفي الفترة الأخيرة عادت قطر إلى المشهد السياسي بالنسبة لقطاع غزة خاصة بعد الاتفاق الأخير، وبدأت مشاريع اقتصادية وإنسانية، مما جعل قطر شريك رئيسي في دعم القطاع بموافقة أمريكية إسرائيلية، وهذا ما اعترفت به قطر أن دعمهم لحماس جاء بطلب أمريكي، بهدف الدفع لتعزيز الانقسام والتحول في رؤية حماس تجاه العداء مع إسرائيل، وقد نجحت قطر عبر سنوات من الدعم الإنساني في تعزيز الانقسام وأوصلت حماس إلى حائط مسدود ولم يبق أمامها أي مخرج بعد تشديد الحصار، وزيادة التهديدات الإسرائيلية بضرب غزة.

في خضم هذا المشهد قامت السلطة الفلسطينية بفرض إجراءات عقابية على قطاع غزة لدفع حماس إلى المصالحة وتمكين حكومة الوفاق من إدارة غزة، بمعنى عودة غزة إلى الشرعية، وخاضت السلطة جولات من الحوار في القاهرة مع حماس بهدف المصالحة، وآخرها 2017، وجميعها فشلت أمام الموقف القطري الداعم للانقسام والدافع للانفصال، فكلما شعرت حماس بالاختناق تأتي قطر للتنفيس عنها، وصولا إلى دفع حماس إلى تنظيم مسيرات العودة ليكون لها ما بعدها، كنوع من المقاومة الشعبية، مع بعض المقاومة على قاعدة القصف مقابل القصف، ونجحت قطر في هذه السياسة مع حركة حماس، وجرتها إلى مربع المقاومة كردة فعل وليس كوسيلة نضالية ضد إسرائيل.

لقد أخذت أمريكا وإسرائيل باللعب مع حركة حماس بمساعدة قطر وأموال قطر، فبعد أن كانت قطر تدفع مباشرة إلى حركة حماس وللمشاريع الاقتصادية، أصبح الدفع من خلال إسرائيل، لكي تتحكم إسرائيل في صناعة القرار الاستراتيجي لحركة حماس، وتمكنت إسرائيل في لعبة استخباراتية من الحصول على أسماء كل أعضاء حركة حماس مع توقيعاتهم وبصماتهم وكل هذا بمساعدة المال القطري، ثم ضغطت باتجاه دفع حماس لوقف استلام المنحة القطرية من خلال التلاعب بالتفاهمات التي قامت على قاعدة: الهدوء مقابل المال، باتجاه الدفع لتغيير القاعدة المال مقابل العمل، للحصول على مزيد من المعلومات الاستخبارية عن سكان قطاع غزة.

لقد استطاعت قطر بدعم أمريكي إسرائيلي بتعزيز الانقسام وإطالة أمده، وإخضاع حركة حماس وتحولها من المقاومة النضالية إلى المقاومة كردة فعل، بهدف الوصول إلى ترسيخ حكم حماس في غزة، وإعلان غزة كيان منفصل، وقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك حين قال إن "الانقسام مصلحة إستراتيجية لإسرائيل"، وأما الخطوة القادمة لمال قطر هو دفع حركة حماس إلى الاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب، وبذلك تم تنفيذ خارطة الطريق في سحب سلاح المقاومة.

يدرك أغلب سكان قطاع غزة أن المال القطري له أبعاد خبيثة على مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الوطني، فهذا المال هدفه الحقيقي فصل غزة عن باقي الوطن الفلسطيني، لتنفيذ صفقة القرن التي يرسم خطوطها ترامب ونتنياهو.