تجديد الثورة الوطنية-- بقلم :يحيى رباح

تجديد الثورة الوطنية-- بقلم :يحيى رباح
تجديد الثورة الوطنية-- بقلم :يحيى رباح

في احد المقاهي الذي افتتح مؤخرا في القاهرة والذي يحمل بصمة حركة تمرد، رفع رواد المقهى على جدرانه عدة شعارات انيقة وضعوها في اطارات خشبية بسيطة وزينوا بها جدران المقهى، احد هذه الشعارات يقول (مع الاسلام وضد الاخوان)، ولقد لفت نظري بقوة هذا الشعار لشدة بساطته، وصدق نبرته، وعمق معانيه، وقوة إلحاحه في المرحلة الراهنة ليس في مصر وحدها التي تعتبر تجربتها في الخامس والعشرين من يناير 2011 بل بالنسبة لخارطة الاحداث في المنطقة كلها من تونس وليبيا الى البحرين، ومن مصر وسوريا الى اليمن، بما في ذلك فلسطين التي تخوض كفاحها الكبير والتاريخي نيابة عن الامة جميعها عربية واسلامية، ولكنها تعاني في نفس الوقت من اختلاط المفاهيم الذي يصل الى حد الكارثة في جميع الكيانات السياسية التي يتشكل منها النظام الاقليمي العربي.


التجربة المصرية هي الأوسع والاعمق التي لا تعاني من شبهة التدخل العسكري الخارجي، كما حدث في ليبيا وكما يتسول الكثيرون لكي يحدث في سوريا، ذلك ان النموذج المصري تخوض فيه الوطنية المصرية كفاحها البطولي ضد محاولات الاستلاب الايدولوجي الذي يمثله الاخوان المسلمون الذين هم المؤسسون الاوائل لتجارب الاسلام السياسي في المنطقة كلها، وهي تجارب توسعت في العقود الاخيرة على انقاض الثورة الوطنية، لتنقلب المعادلة رأسا على عقب، بحيث اصبحت ضرورات الايدولوجية الدينية تتقدم على حساب ضرورات الدولة الوطنية، فانهارت الدولة الوطنية ولم تقم الدولة الاسلامية، بل ظهرت نماذج فاشلة، عاجزة، مشوهة، منفصلة عن واقع العصر، رهينة في يد الاعداء الذين من المفترض ان التجارب الاسلامية قامت ضدهم، فاذا بها تسفر عن نتائج مشوهة لا تقدم حلولا ولا اجوبة، بل توغل في الهروب الى الوعود الغيبية، رامية وراء ظهرها ارضاء للاعداء اقدس قضايا الامة واعلى تحدياتها ممثلة بالقضية الفلسطينية، وبالتالي فان ما يجري في مصر، والنتائج التي سيؤول اليها هذا الحراك المستمر منذ عامين ونصف العام، هو الذي سيفرض نفسه في المنطقة من اقصاها الى اقصاها، اولا لان نموذج الاسلام السياسي بدأ من مصر، وثانيا لان مصر بشعبها الكبير وتجاربها الريادية في السياسة والثقافة والحضارة، وبحكم موقعها الذي في قلب المنطقة، هي القادرة وحدها على فرض نموذجها تلقائيا في المنطقة كلها.


الملايين من المصريين والعرب والمسلمين والعالم أجمع، يتابعون بترقب كبير موعد الثلاثين من هذا الشهر حزيران، الذي حددته حركة تمرد للاعلان عن جمع خمسة عشر مليون توقيع من مواطنين مصريين (اكثر من الذين انتخبوا الرئيس المصري )يطالبون الرئيس المصري بالذهاب الى انتخابات مبكرة، وذلك عبر احتشاد وفعاليات سلمية تماما تنطلق في الثلاثين من هذا الشهر، وهي فعاليات ترتكز الى قواعد الديمقراطية نفسها، وهو حق مشروع مكفول بقواعد الدستور والقانون المصري، وبالتالي فان يوم الثلاثين من حزيران الحالي هو تاريخ مفصلي في مصر والمنطقة.
بالنسبة للنظام المصري الحالي الذي يقوده الاخوان المسلمون، فان حركة تمرد لا تشبه الخصوم الذين تعود عليهم النظام الحالي منذ ان أمسك بناصية الحكم، فالخصم هنا ليس مجرد احزاب معارضة تخضع لحسابات نمطية يمكن عقد صفقات معها، كما ان حركة تمرد ليست مجموعة من النخب السياسية المكشوفة على مستوى طريقتها في ادارة الصراع، بل هي حركة الشعب المصري كله بقيادة أجياله الجديدة، وهي اجيال ذات ثقافة معاصرة، تنتمي الى الزمن العالمي الذي تعيش فيه وليس ردة الى الماضي, وليست مرتهنة الى قوى الخارج بل مفاجئة لها!! ولديها خبرة عملية غير مسبوقة في تدبير الذات، ولديها رصيد غير مسبوق من محبة الناس وثقتهم والتغلغل بينهم، ثم ان حركة تمرد لا تطلب من المصريين سوى ان يكونوا مصريين، مثلما كانت حركة فتح في زمانها الذهبي لا تطلب من الفلسطينيين سوى ان يكونوا فلسطينيين، ثم تأتي بعد ذلك بشكل طبيعي الدوائر العربية والاسلامية كضرورات حيوية وليس كنوع من الافتراض المسبق والقسري والوهمي ايضا.


ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، ولدت في الاصل ثورة وطنية، والذين فجروا الثورة كانت تحركهم ضرورات وطنية ملحة تخص امور دنياهم في وطنهم مصر، ولم يكن يخطر على بال احدهم اقامة دولة الخلافة ولا الصراع الشيعي السني، بل كانت حوافزهم هي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وسيادة القانون، وتضافرت عدة عوامل خارجية وداخلية لكي تنداح تلك الحوافز الى الخلف بعد ان تمكن الاخوان المسلمون باتفاق مع الخارج من ركوب موجة الثورة والاستيلاء عليها، وبالتالي فان موعد الثلاثين من حزيران الحالي هو دعوة صريحة كبيرة لتجديد الثورة الوطنية لانطلاق الثورة الوطنية في موجة جديدة، وعندما يكتمل نجاح الثورة الوطنية فان الضرورات الموضوعية هي التي ستحدد بعد ذلك اين هي حدود الامن القومي المصري الذي هو العمود الفقري للامن القومي العربي.
بسبب العلاقة التاريخية مع الشقيقة مصر، وبسبب الصراع المحتدم، صراع الحياة والموت الذي نخوضه مع اسرائيل، وبسبب المآزق التي نمر بها في علاقتنا المشتبكة مع الاسلام السياسي، ربما نكون نحن فلسطينيا اكثر ترقبا للثلاثين من حزيران،لان الحصاد المر تذوقناه منذ سنوات مع فاجعة الانقسام.